التنوع الثقافي شعاره.. هكذا يحصد عمدة لندن المسلم شعبيته المتصاعدة

International Women’s Day march in London
خان خلال مشاركته في تظاهرة تحتفي باليوم العالمي للمرأة في لندن (الأناضول)

قد لا تنطبق مقولة أن "السلطة تأكل من شعبية صاحبها"، على عمدة مدينة لندن صادق خان، الذي يختم 4 سنوات على رأس المدينة الأهم في المملكة المتحدة، وأكبر مركز مالي في العالم. فالعمدة ذو الأصول المسلمة، وبعد أن أنهى 4 سنوات هي عمر ولايته الأولى، ها هو يخوض حملة انتخابية شرسة لكسب ولاية ثانية.

وأظهرت استطلاعات الرأي أن صادق خان، يسير بثبات نحو البقاء في المنصب، وهذا ما أكده آخر مسح لآراء الناخبين في لندن أجرته مؤسسة "ريدفيلد أند ويلتون" (Redfield & Wilton Strategies)، والذي أظهر أن 49% من الناخبين سيضعون ثقتهم من جديد في الرجل.

في المقابل، تحدثت استطلاعات أخرى، عن إمكانية حصد صادق خان لأكثر من 50% من الأصوات، وهو ما يجعله قادرا على حسم السباق الانتخابي في مرحلته الأولى لأول مرة في تاريخ البلاد.

ويعد صادق خان أول عمدة من أصول مسلمة يتولى هذا المنصب في مدينة لندن؛ لكن ما يجعله مميزا هو قدرته على التعبير عن خلفيته الحضارية دون مركب نقص، وفي الوقت ذاته الاحتفاء بالتنوع الثقافي في العاصمة البريطانية، وكان شعاره دائما أن لندن هي "أعظم مدينة والأكثر تنوعا في العالم".

ولعل فلسفة صادق خان في التعامل مع ملف التنوع الثقافي هو الذي جعله قريبا من الأقلية المسلمة ومن بقية الأقليات، عكس سياسيين آخرين لهم أصول مسلمة، ولا يدخرون جهدا في التملص من هذه الخلفية، كما كان الحال بالنسبة لوزير الداخلية السابق ساجد جاويد، الذي لم يكن يفوت فرصة للتأكيد على أنه غير مسلم.

London Mayor Sadiq Khan Plays Tennis With Key Workers At All England Club
خان في ملاعب التنس بويمبلدون  (غيتي)

العمدة المزعج لجونسون

نجح صادق في الوصول لعمودية مدينة لندن بعد مغادرة بوريس جونسون لهذا المنصب، وهو ما جعل المقارنة بين حصيلة الرجلين دائما حاضرة، ولا تحتفظ الأغلبية من ساكنة لندن بذكريات جيدة لجونسون في منصب العمدة. ولعل المقارنة بين أداء الرجلين ترجح كفة صادق خان.

هذه الندية بين الرجلين واختلاف مشاربهما السياسية، أثرت على العلاقة بينهما بعد تولي جونسون رئاسة الحكومة، وبلغ الخلاف مداه في الموقف من خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، حيث كان صادق خان من أشد المعارضين للفكرة، بينما جونسون يعد من عرابي هذا المشروع.

وكانت أول زيارة للرئيس الأميركي دونالد ترامب لبريطانيا لحظة تحد بين جونسون وصادق خان، عندما أعلن العمدة أنه لن يفرش السجاد الأحمر للرئيس الأميركي، ما جعل الأخير يصفه بأنه من "أفشل من سير لندن".

ولم تخل أزمة كورونا، من صراع بين جونسون وصادق خان، عندما قرر رئيس الحكومة البريطانية استبعاد عمدة المدينة الأهم في البلاد من لجنة الطوارئ، إضافة للخلافات بينهما بشأن ضرورة التعجيل بإغلاق البلاد.

وفي كل المواجهات مع جونسون يخرج صادق خان منتصرا من الناحية السياسية، ذلك أنه عمدة من الحزب العمالي وبقي صامدا في ظل 3 حكومات محافظة، كما أنه ولحد الآن، نجح في تحقيق تقدم كبير في نتائج الاستطلاعات على منافسه المحافظ شاون بايلي.

وسيحرم حزب المحافظين من مدينة هي الأهم في البلاد، رغم الأغلبية الساحقة التي يتوفرون عليها في البرلمان، إلا أن التحليلات السياسية في بريطانيا، تتجه لكون من يحكم لندن، فإنه يتحكم في خزان انتخابي هائل ومهم.

London Mayor Sadiq Khan joins actor Hugh Bonneville to launch "Paddington's Pop-Up London" at an event to promote the movie, Paddington 2 in London
صادق خان (يسار) خلال حملة للترويج لأحد الأفلام في لندن (رويترز)

طموح سياسي

لم يجد صادق، حين وصوله لمنصب عمدة لندن، صعوبة في تقديم نفسه للرأي العام البريطاني واللندني خصوصا، بالنظر للمهام التي أداها، سابقا كنائب برلماني، وجعلت منه وجها سياسيا معروفا ومحبوبا في لندن.

وفي هذا الصدد، تقول منى إسحاق -مرشحة حزب العمال في الانتخابات البلدية والعاملة حاليا في حملة صادق خان الانتخابية- إن الرجل "كسب احترام سكان مدينة لندن خلال عمله البرلماني؛ لأنه رجل يفي بما يعد ويتمتع بفعالية كبيرة في الإنجاز".

وعن علاقته بالمسلمين، فإن منى التي سبق وأن عملت مع صادق خان في الكثير من المحطات السياسية، تصفه بأنه "رمز لكل المسلمين بالنظر لمساره السياسي المميز، وأيضا لقدرته على تحويل مدينة لندن إلى مهرجان دائم لكل الأقليات بدون تعصب".

وتشدد عضو مجلس "كنزنتون" على "الاحترام التام الذي يبديه صادق خان لقوانين الدولة ومنظومتها السياسية"، مضيفة أن ما يجعل منه شخصية لها وزنها السياسي هو قدرته على الصمود في ظل المد المحافظ في كل البلاد، الذي عبر عن نفسه في الانتخابات الأخيرة، وحصل المحافظون على الأغلبية الساحقة، "والصمود في وجه الضربات التي وجهها له المحافظون هو في حد ذاته نجاح مبهر".

وعن وضعه داخل حزب العمال، تميز منى إسحاق بين مرحلتين، المرحلة الأولى عندما كان جيرمي كوربن زعيما للحزب، حيث كانت علاقته مع صادق خان متوترة، ولم يكن راضيا عن وصوله لمنصب عمدة لندن "لأن كوربن يرى أن صادق خان يمثل الجناح اليميني في الحزب، ولهذا كان الخلاف بينهما قائما دائما، وهو ما أثر حتى على وضعية صادق خان في الحزب".

وتتوقع المتحدثة ذاتها أن يتغير الوضع مع تغيير قيادة حزب العمال ووصول كير ستارمر، حيث هناك تناغم بينه وبين صادق خان "ما يعني أن نجمه سيسطع أكثر داخل الحزب، وربما يتولى مناصب أكبر في حال وصول حزب العمال للحكومة".

وبتتبع مسار صادق خان، يظهر أن عمدة لندن يعرف جيدا كيف يتجاوز العواصف السياسية بنجاحه في كل معاركه داخل حزب العمال مع كوربن، وأيضا مع رئيس الوزراء بوريس جونسون، وأخيرا نجاحه في الحفاظ على شعبية عالية بين اللندنيين رغم أزمتي البريكست وكورونا.

المصدر : الجزيرة