ميديابارت: حفتر.. صديق فرنسا المزعج المولع بالحروب

صورة تجمع حفتر بالرئيس الفرنسي ماكرون Haftar macron
فرنسا فشلت في لعبتها المزدوجة في ليبيا (الأوروبية)

تساءل موقع ميديابارت (Mediapart) الفرنسي -في مقال تحليلي مطول- عن المصير الذي ينتظر "المشير" المتمرّد خليفة حفتر، الذي راهنت عليه العديد من القوى الأجنبية، منذ فشل هجومه على العاصمة الليبية طرابلس والدخول التركي في الصراع، وكيف فشلت فرنسا في لعبتها المزدوجة في ليبيا.

واستعرض المقال -الذي حرره الكاتبان رينيه باكمان ورشيدة العزوزي- بعض مراحل حياة اللواء المتقاعد خليفة حفتر، حيث كان رفيق الزعيم الليبي السابق معمر القذافي في الدراسة، وهو عضو في حركة الضباط الأحرار الذين أطاحوا بالملك إدريس في سبتمبر/أيلول 1969، وعين رئيسا للوحدة الليبية في الجيوش العربية في حرب عام 1973 مع إسرائيل.

وبدأ المقال من لحظة ترقية حفتر إلى رتبة مشير عام 2016 من قبل برلمان طبرق، الذي لا يستطيع أن يرد له طلبا، رغم أنه لم يشتهر قط إلا بفشله الذريع في معركة "أم الدوم" (شمال تشاد)، حيث قتل ألفان من جنوده وأُسر بعد خطة فاشلة.

وكانت هذه النهاية إهانة كبيرة بالنسبة للقذافي، خاصة أن حفتر رضخ لمقترحات المخابرات الأميركية وغيّر ولاءه، ليضع نفسه في خدمة أعدائه السابقين، منتقدا القذافي باعتباره طاغية، ليؤسس في معسكر بتشاد -وبمساعدة الولايات المتحدة- قوة صغيرة باسم جبهة الإنقاذ الوطني، التي تنقلت بعد ذلك بين عدة دول أفريقية تحت حماية الأميركيين، قبل أن يستقر في واشنطن.

فرصة الثورة

وأشار المقال إلى أن قدوة حفتر لم يكن من كبار الجنرالات مثل مونتغمري وروميل وماك آرثر وجوكوف، بل الدكتاتور المصري عبد الفتاح السيسي، الذي يشترك معه في كراهية جنونية للإخوان المسلمين.

ورغم تنسيق حفتر مع بعض المعارضين الليبيين في المنفى، فقد فشل في الانقلاب الذي كان يحلم به عام 1993، حتى واتته فرصة الثورة الليبية عام 2011 للعودة إلى ليبيا ومحاولة تنفيذ مشروعه، مدعيا أمام الصحافة أنه "تم استدعاؤه" من الشعب، "وأنه عاد للمساعدة في محاربة النظام القديم".

وكان دور حفتر العسكري متواضعا إبان الثورة، حسب الكاتبين؛ ولذلك واجه رفضا من الجماعات الإسلامية التي اعتبرته "رجل الأميركيين"، عندما أراد تولي رئاسة أركان جيش الثوار، فأقام منزعجا في منزله قبل أن يعود إلى الولايات المتحدة مع بداية دخول البلاد في الفوضى.

وفي عام 2014، عاد حفتر إلى برقة، وقرر إنشاء جيشه الخاص، الذي كانت نواته من ضباط وجنود جيش القذافي السابق، مضيفا إليه مجموعة المليشيات القبلية وحتى الجماعات السلفية المسلحة، ليسمي هذه التوليفة الجيش الوطني الليبي، ويصبح قائدا له في مارس/آذار 2015، معلنا مرحلة من الانقسام الليبي.

ومع أن جيش حفتر من الناحية النظرية هو الجناح العسكري لمجلس نواب طبرق، الجمعية البرلمانية المنافسة للمؤتمر الوطني العام في طرابلس، حسب الكاتبين؛ فإن العكس هو الصحيح، إذ اتضح أن مجلس نواب طبرق هو الذي يلعب دور الأداة السياسية للسلطة الحقيقية التي يحتفظ بها جيش حفتر.

وأشار الكاتبان إلى أن هدف اللواء المتقاعد واضح، وهو السيطرة في نهاية المطاف على كل ليبيا، في ظل "التغيير بالقوة" المعلن في كتابه المنشور عام 1995، بعنوان "التغيير في ليبيا: رؤية سياسية للتغيير بالقوة".

وأظهر تطور الأمور -حسب الكاتبين- أن رهانات حفتر العسكرية المغامرة، وقراراته السياسية الغريبة أحيانا، وتغيير خياراته الدبلوماسية وتحالفاته الدولية المتباينة؛ كلها نابعة من مدى قدرتها على تمكينه من السيطرة الكاملة على البلاد وخلافة القذافي.

وهذا ما يفسر قبوله ثم رفضه اتفاقية الصخيرات المبرمة عام 2015 برعاية الأمم المتحدة، وهو ما يفسر أيضا اجتماعاته المتعددة وغير المثمرة مع فايز السراج رئيس حكومة الوفاق الوطني الناتجة عن اتفاقية الصخيرات، وهي السلطة الليبية الوحيدة المعترف بها من قبل الأمم المتحدة والمجتمع الدولي، كما يفسر علاقاته المتغيرة مع موسكو وباريس وواشنطن، وصلاتها بجزء من الوطن العربي.

ولأنه عارض حكومة السراج استفاد حفتر من دعم الإمارات ومصر والسعودية، كما تلقى مساعدات سرية من فرنسا، التي تعترف رسميا بالحكومة في طرابلس.

مسؤوليات فرنسا

وكان المدير السابق للمخابرات الفرنسية برنارد باجولي قال لميديابارت قبل سنتين إن الأهداف الفرنسية وقت تعيينه كانت محاربة الإرهاب، ولذلك "أقمنا روابط مع حفتر الذي كان لاعبا مهما، وكذلك مع فايز السراج"، إلا أن باريس اليوم تعتقد أن "حل الأزمة الليبية لا يمكن إلا أن يكون سياسيا".

ويقول باجولي إنه لم يشجع الهجوم الذي شنه حفتر على طرابلس، الذي انتهى بدخول تركيا مسرح الأحداث إلى جانب حكومة الوفاق الوطني في ليبيا، مشيرا إلى أن سجل انخراط فرنسا في الفوضى الليبية متواضع على أقل تقدير.

وفي هذا السياق، يوضح المقال إن فرنسا امتنعت عن انتقاد أساليب حفتر الوحشية والإجرامية، كما أنها لم تدن انتهاكات حظر الأسلحة المستمرة لصالح حفتر من قبل الإمارات، شريكها المميز في الخليج، فكانت النتيجة أن فرنسا متهمة الآن باللعب المزدوج والكلام المزدوج، مما يضعف موقفها الدولي، لا سيما حملتها الدبلوماسية ضد تركيا.

ورغم أن الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون تفاخر بنجاحه في الجمع بين الجهات الفاعلة الرئيسية في الصراع الليبي، ووقف مبتسما للصورة بين حفتر والسراج، فإن الرهان الذي طرحه بإقامة انتخابات خلال 7 أشهر لم يكن واقعيا ولم يتحقق أبدا.

وقال الخبير الليبي جليل حرشاوي بعد ذلك بعامين في وقت انعقاد مؤتمر برلين؛ إن "فرنسا مثال جيد للدعم غير المشروط لحفتر". وأضاف الخبير السياسي حسني عبيدي أن "فرنسا مثل إيطاليا، تكيف دعمها وفقا للظروف، ولكنها تأمل تحقيق نصر عسكري لحفتر".

وتساءل الكاتبان: هل تغير موقف فرنسا التي تتحمل مسؤوليات كبيرة في المستنقع الليبي منذ مساهمات الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي في ما جرى عام 2011، مشيرين إلى أن باريس تحاول بكل الوسائل إعادة الاتصال مع سلطات طرابلس.

ازدواجية واشنطن

ويمكن توجيه نفس تهمة المقامرة المزدوجة والفضيحة المزدوجة إلى الولايات المتحدة، لأنها أسهمت مع لندن وروما في تشكيل حكومة الوفاق الوطني وإعطاء مصداقية لسلطة طرابلس، ونأت بنفسها عن حفتر لتجنب الانجرار إلى حرب بين الفصائل من دون مصلحة حيوية، قبل العودة السرية إلى ليبيا حيث يثير النشاط الروسي القلق.

وأشار الكاتبان إلى أن وكالة المخابرات المركزية الأميركية التي لم تقطع علاقاتها قط مع ربيبها السابق حفتر، موجودة في بنغازي منذ عام 2018، وكذلك القوات الخاصة الأميركية التي لديها قاعدة في المنطقة، كما أن الرئيس الأميركي دونالد ترامب تحدث مع حفتر في بداية هجومه على طرابلس عن "رؤيتهما المشتركة لمستقبل ديمقراطي في ليبيا".

وفي تصرف براغماتي بالغ، لم يمنع روسيا من الوقوف إلى جانب حفتر بقاؤه 20 عاما تحت رعاية وكالة المخابرات المركزية، وهو ما فسره دينيس بوشار، السفير السابق والمتخصص في العالم العربي، بالرغبة الروسية في العودة إلى ليبيا، حيث كانت لها مصالح مهمة.

وأرسلت موسكو -بالإضافة إلى ألفين من مرتزقة "مجموعة فاغنر"- 500 مقاتل سوري إلى برقة من الموالين للأسد وطائرات مقاتلة.

المصدر : ميديابارت