أوريان 21: لبنان يشبه سفينة بلا قائد تعطلت محركاتها وتدفعها العاصفة نحو الصخور

Currency protest in Lebanon
احتجاجات سابقة على سوء الأوضاع في لبنان (وكالة الأناضول)

لبنان يشبه سفينة بلا قائد تدفعها العاصفة نحو الصخور وقد تعطلت محركاتها، في حين يتشاجر قباطنتها السبعة بطواقمهم فوق الجسر للاتفاق على من سيأخذ البضائع، غير آبهين بصرخات الفزع التي يطلقها الركاب اليائسون والمرعبون.

بهذا التشبيه لخص جيم موير مراسل موقع "أوريان 21" Orient 21 في الشرق الأوسط من بيروت حالة لبنان، مشيرا إلى أن نصف سكان البلاد سقطوا في براثن الفقر مع تراجع قيمة الليرة مقابل الدولار، والباقون سقطوا في اليأس مع تعليق مفاوضات الإنقاذ مع صندوق النقد الدولي لعجز القادة عن إجراء إصلاحات سياسية، وعليه يبدو أن لبنان على وشك أن يغرق في الفوضى.

ونبه المراسل إلى انتحار أشخاص بسبب سوء الوضع الاقتصادي، بعد أن ترك أحدهم رسالة تقول "أنا لست كافرا"، ليكملها الناس على تويتر بأن "الجوع هو الكافر".

ويبدو أن انتحار المواطن اللبناني علي حق الذي فقد عمله في الخليج ولم يفلح في إقامة عمل تجاري في بيروت، وانتحار غيره لم ينجح -حسب المراسل- في إخراج السياسيين اللبنانيين من الجمود، لكنه ضرب على وتر حساس وأثار غضبا عارما، ولا سيما بين الزعماء الدينيين المسيحيين.

وبعد هذا الحادث بيومين، قال رئيس الأساقفة اليونانيين الأرثوذكس إلياس عودة في خطبة الأحد "أتحدث إلى ضميركم إن كان بقي لكم من ضمير، هل تستطيعون النوم جيدا في الوقت الذي يموت فيه من هم تحت رعايتكم من الجوع أو العطش أو الانتحار؟"، ليكمل نظيره الماروني بشارة الراعي بأن "القادة السياسيين لا يملكون الشجاعة ولا القدرة على الاجتماع لإيجاد طريقة للخروج من المعاناة".

فوضى مالية

وأشار المراسل إلى أن الليرة اللبنانية -التي ثبت سعرها لعقود عند 1500 ليرة مقابل الدولار- ظلت تنخفض حتى تجاوز سعرها 8000 ليرة مقابل دولار واحد، مما يعني أن الأشخاص الذين لديهم مدخرات أو دخل بالليرة اللبنانية انخفضت قيمة مدخراتهم أو ودائعهم بنحو 80%، وذلك بالتزامن مع ارتفاع الأسعار بشكل حاد، ليصبح اليأس الاقتصادي هو القاعدة الآن.

وبحسب المراسل، يسعى لبنان بشدة إلى اتفاق مع صندوق النقد الدولي لإطلاق الحقن النقدية التي تشتد الحاجة إليها والتي تقدر بما بين 10 و15 مليار دولار، ولتلقي الدعم من المانحين الآخرين الذين يقفون في انتظار عودة البلاد للتعافي وتبني بعض الإصلاحات الأساسية، للتأكد من أن الأموال لن تذهب ببساطة إلى جيوب الفاسدين كما كان الحال في الماضي.

غير أن المشكلة الكبرى هي أن فريق التفاوض اللبناني لم يتمكن من التحدث بصوت واحد، لأن أعضاءه المكونين من البنك المركزي ووزارة المالية والرئاسة ومكتب رئيس الوزراء مختلفون بشأن قضايا مهمة، كحجم الخسائر في القطاع المصرفي وكيفية توزيعها، وفق المراسل.

وبسبب هذا الخلاف الذي يعبر -حسب المراسل- عن حرب بين الحكومة من جهة ومصرف لبنان وبين المصارف والبرلمان من جهة أخرى فشلت الأطراف وتم تجميد المفاوضات، وقالت المديرة الإدارية لصندوق النقد الدولي كريستالينا جورجيفا "إن جوهر المشكلة هو معرفة مدى إمكان الاتفاق على أهداف مشتركة تسمح بحزمة من التدابير الصارمة والضرورية".

وبحسب تقرير الموقع الفرنسي، زاد قلق اللبنانيين بسبب استقالة اثنين من كبار المسؤولين الماليين من أعضاء الفريق، هما المستشار هنري شاوول، وألين بيفاني الذي كان المدير العام لوزارة المالية على مدى السنوات العشرين الماضية.

وقال شاوول في خطاب استقالته "أدركت أنه لا توجد إرادة لتطبيق إصلاحات أو إعادة هيكلة القطاع المصرفي، بما في ذلك البنك المركزي، وبدون إصلاحات عميقة ومؤلمة تختلف عن السياسات والسلوكيات الفاشلة التي تهدف إلى الحفاظ على الوضع الراهن سنبدأ فترة أخرى فاشلة في ظروف اجتماعية فوضوية وبيئة تعمق الفقر الذي ينمو بمعدل ينذر بالخطر".

وقال بيفاني إن هناك "حملة إجرامية" شنتها بعض جماعات المصالح لتقليل أرقام الخسائر، ولجعل الجمهور يدفع خطايا البارونات السياسيين الفاسدين الذين دمروا البلاد.

وقد أنتج هذا الوضع ظاهرة غريبة حسب المراسل، حيث إن جميع السياسيين يطالبون بالإصلاحات ووضع حد للفساد، بمن في ذلك من ينظر إليهم على أنهم الأكثر فسادا والأكثر مسؤولية عن الأزمة الحالية، ثم يعيقون الإصلاحات بنشاط وراء الكواليس، فكانت النتيجة فشل الفريق اللبناني المكلف بالمحادثات مع صندوق النقد الدولي في إعطاء زخم للإصلاحات التي يأمل صندوق النقد الدولي والقوى الدولية تنفيذها.

بيروت في الظلام

وفي هذا السياق، نبه المراسل إلى أن أزمة الكهرباء هي المؤشر الأكثر أهمية والشائن للبلاد، حيث وصل معدل انقطاعها في الفترة الأخيرة إلى 22 ساعة يوميا، وهي كارثة بالنسبة لمن لا يستطيعون شراء مولدات خاصة لتغطية انقطاع التيار الكهربائي رغم أن هذا القطاع ضخت فيه 47 مليار دولار في السنوات الأخيرة إلا أنه ما زال يخسر ملياري دولار كل عام.

ومع أنه تم النظر في إصلاح قطاع الكهرباء والموافقة عليها منذ سنوات فإنه لم يحدث شيء من ذلك في الواقع، ومن بين الإجراءات التي يتوقعها صندوق النقد الدولي إنشاء لجنة مراقبة مستقلة لشركة الكهرباء العامة التي لن تكون تحت مسؤولية وزارة المالية.

وقد استطاع لبنان الاتفاق على تعيين مجلس إدارة جديد من 6 أشخاص لكهرباء لبنان، إلا أن هؤلاء الأشخاص الستة يجب أن ينتموا إلى الستة الأوائل من 18 طائفة دينية معترفا بها في البلاد، بعضها مسلم وبعضها مسيحي على اختلاف مذاهب الديانتين.

حزب الله والولايات المتحدة

كل هذا -حسب المراسل- كان على خلفية تزايد العداء بين الولايات المتحدة وحليف إيران المحلي حزب الله، كجزء من التنافس الأوسع بين واشنطن وطهران الذي يهز المنطقة بأكملها.

وقد اتهمت السفيرة الأميركية دوروثي شيا حزب الله بعرقلة جهود التعامل مع الأزمة الاقتصادية، مما أدى إلى وضع محرج عندما حظر على الإعلام نشر أي تصريحات لها، وهو ما رفضته الحكومة بصراحة.

ورد زعيم الحزب حسن نصر الله باتهام الولايات المتحدة بالتدخل في الشؤون اللبنانية وفرض حصار على لبنان، وحذر من أن الجهود الأميركية للضغط على الحزب سوف تأتي بنتائج عكسية على حلفاء واشنطن، في حين أعرب بعض من لا يناصرون حزب الله عن اعتقادهم بأن الحملة الأميركية لعزله ستؤدي بشكل رئيسي إلى أضرار جانبية للبلاد وجميع شعبها.

ويشير دبلوماسيون أوروبيون إلى أن السؤال الحقيقي يتعلق بفشل لبنان في إيجاد بداية توافق في الآراء على اقتراح الحد الأدنى من الإصلاحات اللازمة لبدء خطط الإنقاذ المالي التي تنتظرها البلدان الصديقة مثل فرنسا لمد يد العون.

لهيب تحت الرماد

ويقول المراسل إنه في هذه الأثناء يبدو أن "الثورة" التي اندلعت في أكتوبر/تشرين الأول 2019 احتجاجا على الفساد وعدم الكفاءة والبؤس لم تختف بعد، وإن كانت تلك الأيام التي تجمع فيها مئات الآلاف من المتظاهرين في جميع أنحاء البلاد للمطالبة برحيل الطبقة السياسية قد أصبحت في الظاهر مجرد ذكرى.

ويبدو أن اختبار "الثورة" في 6 يونيو/حزيران عندما لبت عشرات التنظيمات "مظاهرة كورونا" الكبيرة في وسط بيروت كان كارثة، حيث تحولت إلى عنف ونهب، ولم يشارك فيها سوى بضعة آلاف فقط.

وقد اشتكى مؤيدون سابقون بمرارة من أن حركة الاحتجاج قد تم اختراقها وأخذها رهينة من قبل البعض، كما فشلت في تصور برنامج سياسي موحد وإقامة هيكل تنظيمي وإفراز قيادة.

ومع ذلك -يختتم المراسل- فإن السياسيين يدركون الدعم العام الذي أثارته شعارات الحركة، ويدركون أن عبور خطوط حمراء معينة يمكن أن يؤدي إلى اندلاع جديد للعنف التلقائي، خاصة أن النشطاء ما زالوا ينظمون المظاهرات في مواقع محددة أو بمناسبة أحداث معينة.

المصدر : أوريان 21