صحيفة فرنسية: 6 عيدان ثقاب أشعلت الحريق في مينيابوليس

Protesters gather at the scene where Floyd was pinned down by a police officer in Minneapolis
تكرار الأحداث العنصرية ضد السود من العوامل التي فاقمت حالة الغضب بعد حادثة مينيابوليس

أدت أحداث العنف المندلعة، والتصريحات الجائرة للشرطة، والتحقير من شأن القضية، ناهيك عن تردي الوضع الصحي والاقتصادي الذي يرزح تحت وطأته السود في أميركا، وتعاقب الأحداث العرقية في البلاد؛ إلى اندلاع أحداث مينيابوليس.

وقال الكاتب فيليب بوليه جركورت -في تقرير بصحيفة لوبس الفرنسية- إنه في فترة سابقة تأججت احتجاجات في فصل الربيع، قبل بضعة أشهر من الانتخابات الرئاسية، حيث حرقت المباني، ونُهبت المتاجر، وتعرض المتظاهرون للضرب؛ وكان ذلك في أبريل /نيسان 1968، بعد يوم من مقتل مارتن لوثر كينغ، حيث اندلعت سلسلة من أعمال الشغب في 110 مدن. لا يعيد التاريخ الأميركي نفسه، بل يتلعثم حرفيا. ففي مايو/أيار 2020، بعد يوم من مقتل رجل أسود على يد ضابط شرطة مينيابوليس، اندلعت سلسلة من أعمال الشغب التي اتخذت منعطفا وطنيا.

يطرح الكاتب تساؤلات حول سبب اندلاع هذه الأحداث في هذا الوقت بالذات، وفي هذه المدينة دون غيرها؛ ففي أغلب الأحيان، يشوب بعض الغموض حركات الغضب العفوية، لكن بالنسبة لمينيابوليس تداخلت كل العوامل لتشعل غضب المدينة.

عنف الأحداث
يصف الكاتب الوقائع التي يظهر فيها شريط فيديو الضابط ديريك شوفين ثانيا ركبته وضاغطا بها على رقبة جورج فلويد الذي كان يستغيث: "لا أستطيع التنفس!" أو "سيقتلونني!"، ويستمر ذلك أربع دقائق إلى أن يلفظ فلويد آخر أنفاسه. تعد طبيعة المناورة أول عود ثقاب، أو أول عامل زاد الوضع سوءا. بالنسبة لهذه المناورة، التي تتمثل في شل حركة الرقبة تماما من الخلف مما يؤثر على القصبة الهوائية، يفسر الكاتب أنها لا تدرس في أي أكاديمية للشرطة. وهو ما دفع الرئيس الأميركي دونالد ترامب إلى طلب "تقرير كامل" عن الحادثة.

كذب قوات الأمن
بيّن الكاتب أن العامل الثاني الذي أجج غضب السكان السود يتمثل في محاولة الشرطة التستر على الحادثة وتزييف الوقائع. يقول تقرير الشرطة إن فلويد "قاوم الاعتقال جسديا"، وهو ما يكذبه الفيديو صراحة؛ فقد أدى هذا العامل إلى فقدان الثقة في المؤسسات القانونية القائمة على الديمقراطية، خاصة أنه في حالات عدة ينتهي الأمر بإطلاق سراح ضباط الشرطة الذين يرتكبون مثل هذه التجاوزات، وهو ما يخلف شعورا بالخيانة وغياب العدل.

التقليل من أهمية الحدث
يعدد الكاتب عاملا ثالثا يرتبط بما سبق، وهو التقليل من شأن الحادثة والتملص من المسؤولية، حيث عبّر اتحاد الشرطة المحلية في مينيابوليس عن "دعمه الكامل" لرجال الشرطة المتهمين، مصرحا بأن "الوقت غير مناسب للتسرع في الحكم وإطلاق الأحكام على ضباط الشرطة على الفور". كذلك عمد المدعي العام إلى التصريح بأن بحوزته أدلة أخرى لصالح ضابط الشرطة، وهو ما أجج حالة غضب عارمة.

تكرار الأحداث العنصرية ضد السود
يقول الكاتب إن العامل الرابع تلخصه سلسلة من حوادث عنصرية خطيرة عديدة تجددت في غضون أسابيع قليلة. تمثل أولها في قتل العداء أحمد أربيري في جورجيا في 23 فبراير/شباط الماضي على يد شخصين من ذوي البشرة البيضاء، لم يتم إيقافهما سوى 74 يومًا بعد القبض عليهما. فالفيديو الذي لخص الحادثة هزّ العالم كله، وأوضح تستر الشرطة وتراخيها في كشف الحقيقة.

وتطرق الكاتب إلى حادثة أخرى تعد أقل خطورة، لكنها لا تقل أهمية، وهي حادثة المرأة البيضاء من سنترال بارك التي تتصل بالشرطة لأن "رجلًا أميركيًّا من أصل أفريقي" -على حد تعبيرها- كان يهددها"، تؤثر الغطرسة التي تمارسها الأغلبية البيضاء في آلاف السود، حيث يعاملون كمواطنين من الدرجة الثانية.

غياب إصلاح الشرطة
يشير الكاتب إلى أن العامل الخامس الذي زاد الطين بلة يتمثل في إخفاق إصلاحات الشرطة في مينيابوليس، التي يبلغ عدد سكانها السود 20%، حيث أعلن إجراء إصلاح منذ عام 2015 من دون تطبيقه، ولم تلجأ السلطات إلى كبح الضباط المخالفين، على غرار ديريك تشوفين الذي قتل فلويد. فهو متورط في ثلاث حوادث -على الأقل- في السنوات الست الماضية، وقُدمت في حقه عشرات الشكاوى من دون أن تتم متابعتها.

هشاشة النظام الاقتصادي والصحي للسود
إن عاملا سادسا يقف وراء اندلاع هذه الاحتجاجات، هو الوضع الاقتصادي والصحي للسود، خاصة المتضررين من جائحة كوفيد-19. كان الأفارقة الأميركيين الفئة الأفقر والأكثر تأثرا بالعوامل المتعلقة بالمرض (40% منهم يعانون من ارتفاع ضغط الدم)، وأكثر تعرضا لسوء المعاملة، ناهيك عن أنهم يمثلون نحو 23% من مئة ألف شخص توفوا بسبب فيروس كورونا المستجد، علما أن الأميركيين الأفارقة يمثلون 13% فقط من السكان.

لكن هذا التفاوت لم يكن على مستوى الإحصاءات فحسب، بل نجم عنه تعزيز الصورة النمطية العنصرية في البلاد؛ فبالنسبة للعديد من البيض أصبح كوفيد-19 "مرضًا يرتبط بذوي البشرة السوداء" (تماما كما كان "مرض الإيدز مقترنا بالمثليين"). ومن الناحية الاقتصادية، يعد ذوو البشرة السوداء الأكثر تضررا، إلى جانب الهيسبان (الأميركيين اللاتينيين)، حيث يصل معدل البطالة في صفوفهم إلى 17%.

ولكن، هل يمكن لكل هذه العوامل أن تكون سببا في اندلاع احتجاجات هائلة؟ عام 1993 أدى الإفراج عن ضباط الشرطة الذين قاموا بضرب رودني كينغ بوحشية إلى اندلاع أعمال شغب وعنف، وأسفرت بدورها عن مقتل 63 شخصًا وانتهت بعد ستة أيام.

وتكرر السيناريو ذاته في أعمال الشغب التي اندلعت في واتس (لوس أنجلوس) عام 1965. ويتمثل العامل المختلف هذه المرة في غضب المجتمع الأفريقي الأميركي، ذلك أن المظاهرات اندلعت في سياق انتخابي مشحون بالعنصرية من قبل رئيس كان ينوي جعل هذه الانتخابات مبارزة بين أولئك الذي يريدون جعل أميركا مدهشة مرة أخرى (أي بيضاء)، والديمقراطيين الذين أصبحوا أبطال الأقليات والتنوع و"الاستقامة السياسية"، على حساب البيض.

وخلص الكاتب بالقول إنه عندما نشر ترامب تغريدة تصف المتظاهرين "بالبلطجية"، وهدّد بالرد على عمليات النهب باستخدام الأسلحة؛ فإنه يُقدم على مجازفة كبيرة.

المصدر : الصحافة الفرنسية