يحابي المسؤولين.. أكاديميون ومثقفون بالعراق يعترضون على قانون معادلة الشهادات الجامعية الجديد

وزارة التعليم تطالب رئيس الجمهورية بعدم المصادقة على قانون اسس معادلة الشهادات(المكتب الإعلامي لوزراة التعليم)
وزارة التعليم العراقية طالبت بوقف قانون معادلة الشهادات الجديد (المكتب الإعلامي لوزارة التعليم)

في وقت يُمنِّي فيه الشارع العراقي نفسه بإقرار وتعديل قوانين تُحسِّن من الواقع المجتمعي المرير، أقر البرلمان الأسبوع الماضي قانون "أسس تعادل الشهادات"، ما أثار موجة سخط كبيرة بين صفوف الأكاديميين والمثقفين حول تداعياته إزاء الرصانة العلمية وبأنه وضع حسب رغبات المسؤولين بالحصول على الشهادات.

وتضمن القانون 16 مادة، من بينها منح الأمانة العامة لمجلس النواب الحق بمعادلة الشهادات الصادرة عن معهد التطوير البرلماني لجانب عدد من الدوائر، خلافا لما تكرسه المادة 47 من الدستور العراقي بالعمل بمبدأ الفصل بين السلطات التنفيذية والتشريعية والقضائية، فضلا عن إجازة القانون لأصحاب الدرجات العليا في الحكومة الحصول على الشهادة دون القيود المفروضة سابقا، والتي منها واجب التفرغ، وهذا ما يعارض قانون انضباط موظفي الدولة.

وبالإضافة إلى ذلك، يجرد القانون في فقرته الثانية من المادة 12، وزارة التعليم العالي من اعتماد مبدأ التقييم العلمي في منح الألقاب، ليتم الاعتماد على "الموهبية" والجهود المتميزة بالعمل كمعيار جديد في التقييم، فضلا عن عدة أحكام تتعلق بالمدد الزمنية للدراسة داخل وخارج العراق بغية معادلتها، حيث اعتبرها مراقبون فضفاضة وضبابية، وتتضارب مع تعريف القانون، بالحفاظ على الرصانة العلمية ورعاية المبتكرين والمتفوقين.

المسعودي يرى أن القانون انحرف عن مساره (الجزيرة نت)
المسعودي اعتبر أن القانون انحرف عن مساره (الجزيرة نت)

استهجان وتبرير

وفي هذا الخصوص، قال النائب عضو لجنة التعليم النيابية رياض المسعودي للجزيرة نت، إن التربية والتعليم لا يلقيان اهتماما كافيا بسبب قلة التخصيصات وعدم مبالاة الحكومات المتعاقبة منذ التسعينيات، ومع الزيادة السكانية والخريجين وعدم اتساع التعليم أفقيا ورأسيا، ما دفع بعشرات الآلاف من الطلبة إلى خارج العراق للحصول على الشهادات، حيث لا تتم معادلة نحو 90% منها بسبب تعليمات المادة رقم 5 من قانون معادلة الشهادات لسنة 1976 التي تشترط أن تكون مدة الإقامة 9 أشهر متصلة.

وأضاف، لذلك ومع كثرة المناشدات تبنت لجنتا التعليم والقانون في البرلمان، تشريعا جديدا يهدف إلى تعديل شرط الإقامة إلى 4 أشهر متصلة أو منفصلة للدراسات الإنسانية، و6 أشهر للدراسات العلمية، وذلك مراعاة لتطور وسائل النقل والتواصل، لكننا فوجئنا بأن هناك بعض الأعضاء قدموا طروحات لإضافة عدة مواد لا تمت للقانون بصلة.

وأشار المسعودي إلى أن من بين تلك المواد، السماح للموظفين بإكمال الدراسة بغض النظر عن العمر، بالإضافة إلى احتساب الألقاب العلمية لحملة الشهادات العليا من غير وزارتي التربية والتعليم، وإلغاء شرط المساءلة والعدالة، لافتا إلى أن ذلك تشويه للقانون وحرف للمسيرة العليمة التي تخضع لمعايير واضحة ونافذة لا ينبغي تخريبها، داعيا إلى ضرورة تدارك ذلك كي لا يكون لصالح توجهات شخصية، وحفاظا على قيمة الشهادة العراقية.

عميد كلية الاعلام في جامعة بغداد / د. هاشم حسن
حسن انتقد قانون معادلة الشهادات الجامعية واعتبره فُصِّل على مقاس المسؤولين  (الجزيرة نت)

بدعة علمية

وفي السياق، يقول هاشم حسن أستاذ الدراسات العليا عميد كلية الإعلام بجامعة بغداد سابقا، إن "القانون الذي صدر مؤخرا يرتكب أخطاء جسيمة، دستورية وقانونية، ومن تلك المآخذ أن اللجنة القانونية بالبرلمان تفردت بإصداره دون الرجوع للوزارة المختصة ودون الأخذ بملاحظات لجنتي التربية والتعليم النيابيتين".

ويضيف في حديث للجزيرة نت، أن من بين تلك الخروقات، وضع امتيازات لمنح شهادات من خلال معادلتها بطرق ملتوية لأعضاء البرلمان، والتحايل على مبدأ مهم ونظام تعليمي سائد في أغلب بلدان العالم، بإتاحة معادلة الشهادة العليا والبكالوريا وهو (امتحان شهادة الثانوية العامة) من خلال المادة الرابعة والخامسة اللتين تنصان على قبول أي دراسة في الاختصاص مقابل عدد سنوات الثانوية من دون اشتراط وجود البكالوريا، وهذا بمثابة "غسيل شهادات".

الرئيس العراقي يشدد على ضرورة الحفاظ على رصانة التعليم (المكتب الإعلامي لرئيس الجمهورية)
البرلمان العراقي أقر قانونا جديدا لأسس معادلة الشهادات (الجزيرة نت)

على مقاس المسؤولين

ويرى حسن أن القانون "تم تفصيله على مقاس المسؤولين"، موضحا أن المادة 12 تتيح لأصحاب الدرجات الخاصة وأعضاء البرلمان والوزراء، إمكانية الحصول على شهادات دون القيود السابقة التي تمنعهم من ذلك، لأنهم مفرغون لإتمام المهام المكلفين بها، واصفا إياها بأنها ضرب لمبدأ تكافؤ الفرص.

وأكد أن القانون عبارة عن بدعة، ولا سيما بإتاحته معادلة شهادات المبتعثين وفقا لوثيقة تفيد بأن المبتعث قد أكمل دراسته، وهذا مخالف لما تتطلبه المعايير العلمية بتقديم نص رسالة ماجستير أو دكتوراه مكتوب ومجاز من قِبَل لجنة علمية، ومن ثم مطابقتها من قبل لجنة علمية مختصة مع دراسة السنوات التحضيرية، داخل بلاده.

وأوضح أن تخويل الوزارات بمنح الألقاب العلمية لموظفيها من حَمَلة الشهادات العليا عبر تشكيل لجان يعد من "الكبائر"، مبينا أن منح الألقاب لا يجوز دون اشتراطات علمية يخضع لها الدارسون والباحثون وتمنح لضمان تسلسل العملية التعليمية وسيرها، "لذا هي حصرية بالجامعات" وهذا ما أثار غضب عشرات الآلاف من الأكاديميين والمثقفين، لضرب قانون معمول به منذ سنة 1976 واستبدال قانون آخر به، وذلك لخدمة فئة معينة.

ردود فعل

من جانبها، طالبت وزارة التعليم العالي والبحث العلمي العراقية في بيان رئيس الجمهورية برهم صالح، بعدم المصادقة على القانون، وتدخله لتدارك مخاطر هذه السابقة وإنقاذ الموقف الذي سيجعل القرار العلمي بتقييم الشهادات معطلا، ولتأمين مبدأ تكافؤ الفرص وحماية المبادئ الدستورية الضامنة لمساواة الجميع أمام القانون.

بدوره، شدد رئيس الجمهورية برهم صالح في بيان عقب لقاء جمعه مع وفد موسع من وزارة التعليم العالي، على ضرورة الحفاظ على رصانة التعليم الأكاديمي، وضمان حماية الاستقلالية العلمية للجامعات.

في حين عدّ الأكاديمي بكلية العلوم السياسية بجامعة بغداد إحسان الشمري ‏القانون "رصاصة جديدة تخترق جسد التعليم العالي في العراق".

المصدر : الجزيرة