ميديابارت: التمويل الليبي.. رسائل إلكترونية تثبت كذب ساركوزي

PARIS, FRANCE - NOVEMBER 27: Former President Nicolas Sarkozy attends The National Tribute to The Victims of The Paris Terrorist Attacks at Les Invalides on November 27, 2015 in Paris, France. (Photo by Pascal Le Segretain/Getty Images)
ميديابارت: قول ساركوزي بشأن المالي الليبي "أنا لست فاسدا" لا يضاهيه سوى قول نيكسون بشأن ووترغيت: (أنا لست محتالا) (غيتي)

قال موقع ميديابارت Mediapart إن سلسلة من الرسائل الإلكترونية أتيحت له قراءتها، تظهر أن الرئيس الفرنسي السابق نيكولا ساركوزي كان يكذب بشأن حقيقة علاقته مع رجل الظل تييري غوبير الذي تلقى نصف مليون يورو عام 2006 من نظام العقيد الليبي الراحل معمر القذافي، وقد سحب جزءا منه نقدا في فرنسا، مما يعني أن جدارا كاملا من الدفاع الذي كان يحتمي به الرئيس قد انهار.

وذكر الموقع بأن ساركوزي وغوبير متهمان معا بالانتماء "لتنظيم إجرامي" في قضية التمويل الليبي، وأن الرئيس يواجه منذ 2018 تهما "بالفساد" و"التمويل غير المشروع لحملة انتخابية" و"التستر على اختلاس أموال عامة".

أما غوبير -الذي اتضح أنه كان عميلا سريا لجماعة ساركوزي لعدة عقود- فقد حُكم عليه بالسجن 4 سنوات في يونيو/حزيران الماضي مع الوسيط زياد تقي الدين في قضية "كراتشي"، التي تعتبر تمويلا سريا من دول أجنبية كالسعودية وباكستان، لمجموعة سياسية تنسب لرئيس الوزراء الفرنسي السابق إدوار بالادور، كان ساركوزي أحد أعمدتها في ذلك الوقت.

حقائق في رسائل غوبير

ووضح الموقع أن رسائل البريد الإلكتروني الخاصة بغوبير من عام 2003 إلى عام 2007 التي صودرت عام 2011 كجزء من قضية كراتشي، ووضعت تحت ختم السرية في أرشيفات الشرطة، تظهر 3 حقائق ذات أهمية كبرى في التحقيق المتعلق بملف التمويل الليبي.

أول هذه الحقائق -حسب الموقع- هي أن ساركوزي لم يوقف علاقته مع غوبير في عام 1996 كما زعم في محضر التحقيق و​​في مقابلة صحفية، ولم يقتصر الأمر على تبادل الرسائل مع غوبير بعد هذا التاريخ، بل إن مكتب محامي الرئيس قد التقى عملاء من طرف غوبير في نهاية عام 2003، كما أن ساركوزي شكره عام 2011 على هدية عيد ميلاد.

والحقيقة الثانية -حسب الموقع- أن غوبير رغم دخوله في القطاع الخاص، عمل وسيطا بين رجل الأعمال زياد تقي الدين ووزارة الداخلية في عهد ساركوزي، حيث بعث رسالة بريد إلكتروني في عام 2003 تتحدث عن "رسالة مهمة" يجب على زياد تقي الدين أن يقدمها لبريس أورتفو الذي كان مستشارا خاصا لساركوزي وقتها.

أما الحقيقة الثالثة فهي -كما يقول الموقع- أن بريدا إلكترونيا آخر بتاريخ مايو/أيار 2007، يؤكد أن غوبير كان يتحدث إلى زياد تقي الدين حول الشؤون الليبية، قبل العشاء الذي جمع أورتفو وغوبير في منزل زياد تقي الدين بباريس، كما كشف موقع ميديابارت سابقا.

وعلق الموقع بأن هذه العناصر تضعف كثيرا خط دفاع ساركوزي فيما يتعلق بملف التمويل الليبي، وهو الآن يلجأ، بعد أن فشل في إقناع قضاة التحقيق، إلى الرأي العام ليجعل منه شاهدا ضد المؤسسة القضائية، وذلك قبل أيام قليلة من بدء محاكمته بتهمة "الفساد" في قضية أخرى (قضية البزموت).

وقال الموقع إن ساركوزي المتهم من قبل العدالة، اختار أن تكون إستراتيجيته هي اتهام العدالة، فقد قال في مقابلة صحفية "أنا مندهش، هل فرنسا دولة قانون بالفعل؟"، وقد أسس الرئيس السابق هذا التساؤل على التحول الغريب الذي أحدثه الوسيط زياد تقي الدين، بقوله في مقابلة صحفية إن اعترافه عام 2016 ضد ساركوزي كان "بتنسيق" من القضاة.

غير أن هذا القول -حسب مكتب المدعي المالي الوطني- لا يصمد أمام فحص الحقائق، إذ إن تقي الدين أكد أقواله عام 2016 للصحافة ثم للشرطة وبعدها للقضاة، دون أدنى تغيير، ومع ذلك يتمسك ساركوزي بهذه الأقوال الجديدة رغم وصفه لتقي الدين قبل أيام بأنه "كاذب ببراءة اختراع" و"مجنون" و"محتال".

وعلق الموقع بأن الهجوم المضاد لساركوزي يمكن تفسيره، بعد شهر من اتهامه بـ "الانتماء لتنظيم إجرامي"، بالمكانة المركزية التي اتخذها الآن زميله السابق غوبير في قضية التمويل الليبي، وأكاذيب نيكولا ساركوزي لمحاولة الابتعاد عنه، في مواجهة الأدلة التي جمعتها التحقيقات بصرف النظر عن أقوال تقي الدين.

ورأى الموقع أن الإحراج الكبير يأتي من استلام غوبير على حساب سري في جزر الباهاما لمبلغ 440 ألف يورو من النظام الليبي عن طريق زياد تقي الدين، كما أوضحت ذلك عدة وثائق مصرفية حصل عليها القضاة، وفي ربط ذلك باتهام ساركوزي الأخير.

لست شخصا فاسدا

أما الجانب الآخر من الحرج فيأتي من أن هذه الأموال الليبية جاءت بالفعل من قبل عديل القذافي ورئيس مخابراته العسكرية عبد الله السنوسي، الذي التقى سرا أقرب معاوني ساركوزي في طرابلس من خلف ظهر الدبلوماسية الفرنسية، رغم أنه مدان في فرنسا كإرهابي دولة بسبب الهجوم على طائرة "يو تي آ" (UTI) في عام 1999 الذي قتل فيه 170 شخصا.

وفي مواجهة القضاة له بالأدلة، لم يكن أمام نيكولا ساركوزي أي خيار سوى التخلي عن مقربيه كليهما بريس أورتفو مستشاره الخاص، وكلود غيان مدير مكتبه، واصفا سلوكهما في ليبيا بـ"الخطأ"، خاصة أن هناك اشتباها في أن غيان ومحامي ساركوزي الشخصي تييري هيرتسوغ حاولا بين عامي 2005 و2009 إلغاء مذكرة التوقيف الفرنسية التي استهدفت السنوسي.

وبعد استعراض عدة عينات من الرسائل الإلكترونية التي تظهر تارة رضا ساركوزي وبعض ملاحظاته أحيانا وبعض طلباته، خلص الموقع إلى أن الرسائل كانت واضحة وصريحة في أن غوبير وساركوزي كانا على تواصل ويلتقيان، حتى إن تلخيص الشرطة لإحداها يقول "يشير غوبير إلى أنه شارك للتو في وجبة الإفطار مع نيكولا ساركوزي في فندق برينس دو غول في شارع جورج الخامس".

لكن الرسائل أظهرت أيضا أن غوبير يعمل سرا في وزارة الداخلية، حيث ظهر كواحد من نقاط اتصال زياد تقي الدين مع فريق ساركوزي، فحسب تلخيص الشرطة تقول إحدى الرسائل "يشير جوبير إلى أنه يجب عليه تسليم رسالة مهمة إلى بريس أورتفو من زياد تقي الدين، وأن الأخير يرغب في التحدث معه حول هذا الموضوع".

وأظهرت الرسائل أن علاقات غوبير مع أورتفو وزياد تقي الدين لم تتوقف بعد ذلك، حتى بعد عام 2007، كما أثبتت ذلك وثائق، منها صور ورسائل بريد إلكتروني وتنصت ومذكرات ومقالات صحفية، بل إن مذكرات أورتفو التي أصبحت جزءًا من الملف، تشير إلى غداء مخطط له في مايو/أيار 2005 بين غوبير وساركوزي.

وختم الموقع بأن ساركوزي قال، دفعا للشبهة الموجهة إليه في الشأن الليبي "أنا لست شخصا فاسدا"، تماما كما قال الرئيس الأميركي ريتشارد نيكسون في خضم فضيحة ووترغيت "أنا لست محتالا".

المصدر : ميديابارت