أسد الأطلس بالمغرب.. حكاية زئير يمتد لآلاف السنين

أسد الأطلس ولبوءات بحديقة الحيوانات بالرباط
أسد الأطلس ولبوءات بحديقة الحيوانات في الرباط (الجزيرة)

الرباط- آخر مرة شوهد فيها أسد الأطلس في الطبيعة بالمغرب كان في أربعينيات القرن العشرين، إذ التُقطت له صورة من إحدى الطائرات الفرنسية وهو يمشي وحيدا بفروه الأسود المميز، وسط ثلوج جبال الأطلس، وفق الروايات المتداولة.

وفي ديسمبر/كانون الأول 2022، أعلن المعهد الوطني لعلوم الآثار والتراث في المغرب اكتشاف بقايا عظمية لأسد الأطلس داخل مستويات أركيولوجية يعود تاريخها إلى أكثر من 100 ألف سنة.

هذا الاكتشاف أضيف إلى اكتشافات أخرى لبقايا عظمية في مواقع متنوعة… تحكي جميعها حكاية زئير يمتد لآلاف السنين، وتُعرض هذه الحكاية للمرة الأولى في معرض مفتوح أمام الجمهور والمتخصصين في الحديقة الوطنية للحيوانات بالعاصمة الرباط، والتي تحتضن عشرات الأسود وترعاها في إطار برنامج حماية أسود الأطلس في البلاد.

قايا عظمية لأسد الاطلس تم العثور عليها في مغارة إفري البارود بالريف الشرقي عمرها 14 ألف سنة /
بقايا عظمية لأسد الأطلس تم العثور عليها في مغارة إفري البارود بالريف الشرقي عمرها 14 ألف سنة (الجزيرة)

اكتشافات أحفورية

في مدخل الحديقة التي افتتحت بحلّتها الحديثة قبل 11 عامًا، يستقبل الزوارَ مجسّمٌ ضخمٌ لأسد الأطلس الذي يُعد رمز المكان. وغير بعيد عن المدخل، خُصص فضاء مجاني لمعرض عن اللقى الأثرية لهذا الصنف من الأُسود يستمر حتى أبريل/نيسان المقبل.

والمعرض هو الأول من نوعه في المغرب، إذ تم تجميع اللقى العظمية الأحفورية التي تعود إلى أسد الأطلس في مكان واحد، وعرضها للعموم لكي يتعرفوا على هذا الحيوان النادر وعلى تاريخه الممتد لآلاف السنين.

ويشير الدكتور عبد الجليل بوزوكار، مدير معهد علوم الآثار والتراث في الرباط، إلى أنه عُثِر على اللقى الأثرية لأسد الأطلس في 7 مواقع في المملكة، وهي عبارة عن بقايا عظمية أحفورية تعود لفترات زمنية مختلفة، ما مكّن من تتبع تاريخ أسلاف أسود الأطلس لفترة تتجاوز مليوني سنة. ويوضح أنه انطلاقا من 300-400 ألف سنة، تم التعرف بشكل أكثر دقة على أسد الأطلس الذي يقترب من شكله الحالي.

وكان بوزوكار قاد فريق البحث في موقع "بيزماون" (عبارة أمازيغية تعني "موطن الأسود") في إقليم الصويرة، وسط غربي البلاد، حيث عثر على اللقى الأثرية لأسد الأطلس الشهر الماضي.

ومكّنت هذه البقايا العظمية التي يعود تاريخها إلى نحو 110 آلاف سنة من التعرّف بشكل أكثر دقة على أسد الأطلس الذي يقترب من شكله الحالي، بحسب بوزوكار.

وقبل ذلك، اكتشف علماء آثار عظاما متحجّرة في موقع أهل الغلام بمدينة الدار البيضاء، يعود تاريخها إلى مليونين ونصف المليون سنة، نُسبت إلى نوع دينوفيليس، الذي يمكن أن يشكل سلفا للأسد.

واكتُشفت بقايا عظمية أخرى في مواقع أثرية عدة، كمغارة وحيد القرن (700 ألف سنة)، وجبل إيغود (300 ألف سنة)، ومغارة السنوريات (95 ألف سنة و115 ألف سنة) و"إفري ن البارود" (عبارة أمازيغية تعني "مغارة البارود") (14 ألف سنة) وكهف تحت الغار (6 آلاف و5 آلاف سنة).

ويوضح بوزوكار، في حديثه إلى "الجزيرة نت"، أن دراسة هذه اللقى أظهرت أن لأسد الأطلس قدرة هائلة على التأقلم مع مختلف التغيّرات المناخية والتضاريس.

أسد الاطلس بالحديقة الوطنية للحيوانات بالرباط/ مصدر الصورة: خاص بالموقع
أسد الأطلس في الحديقة الوطنية للحيوانات بالرباط (الجزيرة)

انقراض من الطبيعة

أُطلق على أسد الأطلس هذا الاسم نسبةً إلى جبال الأطلس التي كان يستوطنها، وتمتد من الجنوب المغربي إلى شمال تونس. ويحظى هذا الحيوان بمكانة مهمة في الثقافة المغربية، إذ كانت القبائل في الماضي تصطاد الأسود والأشبال بحكم وفرتها في مناطق كثيرة وتهديها للسلاطين عربونا على ولائها.

وأهدى سلاطين المغرب، خلال فترات تاريخية مختلفة، بعض الحيوانات إلى دول صديقة وحليفة. ففي عام 1235، قام الخليفة الموحدي محمد الناصر بإهداء 3 أسود من أسد أطلس لحديقة الحيوانات الملكية في لندن، وفي عام 1839 أهدى السلطان العلوي عبد الرحمن بن هشام أسدا ولبؤة لرئيس الولايات المتحدة الأميركية مارتن فان بيورين.

تعرض أسد الأطلس للصيد العشوائي، خصوصا في فترة الاحتلال الفرنسي للمغرب (1912-1956)، إذ كان الصيادون يصطادونها للظفر بفروها وجلدها ولتهريبها إلى دول أوروبا، إلى أن اختفى هذا الحيوان من الوسط الطبيعي، ولم تتبقَّ منه إلا أعداد محدودة جدا في حديقة الحيوانات الخاصة بالقصر الملكي في الرباط. وأصبح أسد الأطلس جزءا من شعار المملكة المغربية الذي اعتُمد عام 1957، ويتكوّن من درع وتاج تعلوه نجمة خماسية يحيط بها أسدان.

أسد الاطلس بالحديقة الوطنية للحيوانات بالرباط/ مصدر الصورة: خاص بالموقع
أسد الأطلس في الحديقة الوطنية للحيوانات بالرباط (الجزيرة)

برنامج حماية أسد الأطلس

في بداية السبعينيات، نُقلت جميع حيوانات الحديقة الملكية، بما فيها أسود الأطلس، إلى حديقة الحيوانات الوطنية بالرباط، التي يشكل حماية الأنواع الحيوانية المهددة بالانقراض إحدى مهامها الرئيسية.

يقول الطبيب البيطري في الحديقة زيد الدين محمود إن المجموعة التي حصلت عليها حديقة الحيوانات من القصر الملكي تنقسم إلى عائلتين تكاثرتا داخل الحديقة بشكل منفصل، من دون أن تختلط أي منهما مع أي عناصر دخيلة.

ويوضح زين الدين محمود، في حديث للجزيرة نت، أن هذه المجموعة تتكون حاليا من 32 أسدا ولبؤة وشبلا، وهي أكبر مجموعة أسود تحتضنها حديقة في العالم.

وكانت إدارة حديقة الحيوانات في الرباط قدمت للزوار في فبراير/شباط الماضي 5 أشبال لأسود الأطلس ولدوا في الحديقة عام 2021. وترعى الحديقة هذه الأسود وفق برنامج حماية يقوم على الحفاظ على صحة هذا النوع من السنوريات (القططيات) وإدارة معقلها لتكاثرها.

وعن العناية الصحية، يقول محمود إن معالجي الأسود يسهرون يوميا على التكفّل بغذائها ونظافة مكان إقامتها وتتبع صحتها، مشيرا إلى أن الأشبال تتلقى منذ شهرها الثالث اللقاحات الضرورية للوقاية من الأمراض المعدية التي تصيب السنوريات والطفيليات، وتخضع كل مجموعة لفحص دوري وسنوي.

ويشير إلى أن المساحة المحدودة داخل حديقة الحيوانات تفرض تقنين تكاثر الأسود، ويتم ذلك إما بعزل الذكور عن الإناث، وإما بتدخل هرموني، مضيفا "نقوم بهذا الأمر حتى نحافظ على قطيع من 30 إلى 40 فردا".

ويقول محمود إن للحديقة برامج شراكة مع حدائق عالمية، يتم وفقها إرسال واستقبال بعض أصناف الحيوانات. ويوضح: "نرسل أصنافا من أسود الأطلس إلى حدائق أخرى عبر العالم لإغناء التركيبة المعروضة من الحيوانات لهذه الحدائق، وللحفاظ على هذا الصنف الذي تتميز به المملكة المغربية وشمال أفريقيا".

المصدر : الجزيرة