الجامع العتيق بقسنطينة الجزائرية.. المسجد الذي قاوم الاستعمار

استخدم الاستعمار الفرنسي شق الطرقات في المدينة ذريعة لبتر واجهة المسجد العتيق. وحاولت فرنسا طمس الهوية من خلال تحويل المساجد لكنائس، لكن الجزائريين تصدوا لذلك.

Algiers, Algeria: the Grand Mosque - Djamâa Kebir الجامع الكبير في الجزائر المصدر: غيتي
الجامع الكبير في الجزائر لونه من الخارج أبيض مصفر بسبب القدم ويتميز بالأقواس وزخارف النجوم الثمانية والأهلة (غيتي)

الجزائر- "احكِ لي عن بيوت الله عندك.. أقول لك من أنت" قاعدة يعتقد بها كثير من المؤرخين، فلطالما ارتبط وجود الإنسان في أي حضارة بأماكن العبادة، ولعل "المسجد العتيق" أو ما يعرف بـ"الجامع الكبير" في مدينة قسنطينة الجزائرية واحد من دلائل التحضر في البلاد.

يعود تاريخ الجامع العتيق بقسنطينة إلى القرن الـ11، يقول الدكتور الباحث بالمركز الوطني لأبحاث عصور ما قبل التاريخ والأنثروبولوجيا، حسين طوطاو للجزيرة نت: "أقدم دليل مادي لتاريخ وجود هذا المسجد هو أحد اللوحات الخشبية الموجودة بداخله".

وتعود هذه القطعة الخشبية الموجودة داخل بيت الصلاة إلى عام 455 هـجريا، الموافق لعام 1062 ميلاديا؛ أي تمتد للعهد الحمادي في البلاد، وقد تم بناء المسجد على أنقاض الحمامات الرومانية التي تم استخدام صخورها فيما بعد لبناء أعمدة المسجد العتيق.

الجامع الكبير في الجزائر حول الاستعمار الفرنسي واجهة المسجد لواجهة كنيسة المصدر: الجزيرة
حول الاستعمار الفرنسي واجهة المسجد لواجهة كنيسة (الجزيرة)

تحفة بمنارة

تحفة معمارية بوسط مدينة قسنطينة العريقة -تبدو واجهتها للوهلة الأولى كنيسة بمنارة!- في حين تعود قصة هذه الواجهة لحقبة الاستعمار الفرنسي في الجزائر الذي كان يحاول طمس الهوية من خلال تحويل المساجد لكنائس.

ولم يحول المسجد العتيق لكنيسة بسبب الحماية المشددة التي فرضها أعيان مدينة قسنطينة عليه، في حين أنه تعرض لنوع من التشويه، حيث تم هدم المنارة، وجزء من الباحة، والمكتبة التي كانت منارة للعلم في تلك الفترة.

وقد استخدم الاستعمار الفرنسي شقه للطرقات في المدينة ذريعة لبتر واجهة المسجد العتيق، التي بناها فيما بعد بطراز معماري "موريسكي"، يبدو للناظر في الوهلة الأولى كأنه واجهة كنيسة، تعلوه منارة استحدثها الاستعمار الفرنسي أيضا بعد جزه للمنارة العتيقة.

الجامع الكبير في الجزائر يعود المسجد للقرن ال11 عشر حسب الأدلة التاريخية المصدر: الجزيرة
الجامع الكبير في الجزائر يعود للقرن الـ11 حسب الأدلة التاريخية (الجزيرة)

ترميم المسجد

يرتبط سكان قسنطينة الجزائرية بعلاقة عاطفية مميزة مع المسجد العتيق أو الجامع الكبير في المدينة. كيف لا؟! وهو الذي أسهم في نشر العلوم واللغة عبر مختلف المراحل التي مرت بها البلاد، وقد تخرج منه ودرس فيه من كرسوا حياتهم لمحاربة الجهل.

شهد المسجد -لقدمه- عديدا من محاولات الترميم، ويروي الدكتور والباحث حسين طوطاو -للجزيرة نت- أن "المسجد كان تحت إدارة شيخ العرب بن الشيخ لفقون وأهله، فقد كان هو أمين ركب حجاج الجزائر".

ويضيف الدكتور طوطاو: "وكان في تلك الفترة يجتمع الجزائريون القادمون من مختلف مناطق البلاد في قسنطينة باعتبارها نقطة انطلاق الحجاج تحت إشراف الأمين الشيخ لفقون".

ولتعرض بعض أجزاء المسجد العتيق للتلف بفعل الزمن، اتفق أمين ركب الحجاج مع البايات والحكام الأتراك في مدينة قسنطينة على استقطاع جزء من المال الذي كان يجمعه الجزائريون لمكة المكرمة، لإعادة تهيئة وترميم الجامع لكبير.

الجامع الكبير في الجزائر خضع المسجد لعدة ترميمات إلا أنّ آثار السّنين لازالت تبدو عليه المصدر: الجزيرة
الجامع الكبير في الجزائر خضع  لعدة ترميمات إلا أن آثار السنين لا تزال تبدو عليه (الجزيرة)

الطراز الأول

تشكل الأقواس داخل المسجد ممرات للمصلين، تقف هذه الأقواس البيضاء على صخور أثرية تعود للعهد الروماني، ويربط الأعمدة تلك أعمدة من الخشب الصلب، وتتزين الأقواس بمربعات السيراميك الملونة بالأزرق الفاتح والأخضر الزيتوني.

في حين تتزين جدران المسجد بألوان مختلفة وزخارف، فسيفساء ورسومات بألوان زاهية، الأزرق الملكي والأصفر الفاقع والبني والأخضر وغيرها من الألوان، كما أن للجامع أبوابا خشبية بنية مزينة بقبضات باللون الذهبي، كل شيء على الطراز القديم الأول.

أما واجهة المسجد، فلا يكاد الزائر التمييز ما إن كانت لكنيسة أو جامع، إلا من خلال المنارة الصغيرة التي تعلو الجزء الأعلى المحدب. ويتلون المسجد من الخارج بالأبيض المصفر بفعل القدم، كما تتلون تفاصيله بالبني، على شكل دوائر ونجوم ثمانية وأهلة على الجوانب.

على عكس أشياء كثيرة قد تفقد قيمتها كلما مر عليها الزمن، يكتسب المسجد العتيق قيمة أعلى على مر السنوات، فيرتبط أهل مدينة قسنطينة به جيلا بعد جيل يتناقلون قصصه ويحرصون على بقائه قائما رغم شيخوخته.

المصدر : الجزيرة