مسجد قرطبة.. شاهد على عظمة الفن الإسلامي في الأندلس
بُنى مسجد قرطبة على طراز المسجد الأموي بدمشق. ويتألف من حرم عرضه 73.5 مترا، وعمقه 36.8 مترا، مقسم إلى 11 رواقاً، بواسطة 10 صفوف من الأقواس.
يعد مسجد قرطبة أكثر المعالم الأثرية المورسكية (المنهج المعماري الذي وجد في منطقة المغرب الكبير وشبه الجزيرة الإيبيرية بعد الإسلام) شهرة، حتى أنه تصدر قائمة كنوز إسبانيا الـ12 عام 2007.
وأُسس عام 170 هـ على يد صقر قريش عبد الرحمن الداخل؛ وهو أبو المطرَّف عبد الرحمن بن معاوية بن هشام بن عبد الملك الأموي القرشي (113-172 هـ / 731-788م). وأنفق على بنائه 100 ألف دينار وقيل 80 ألف دينار.
اقرأ أيضا
list of 4 itemsسحر وغموض.. مسجد الحاكم بأمر الله في القاهرة كيف أصبح بعد ألف عام؟سحر وغموض.. مسجد الحاكم بأمر ...
المسجد العمري الكبير في غزة.. اندحر الغزاة وبقي شامخاالمسجد العمري الكبير في غزة.. ...
بالصلاة والقيام ووجبات الإفطار.. مسجد عجلون الأيوبي 775 عاما من العبادةبالصلاة والقيام ووجبات ...
ويعرف "مسجد قرطبة" باسم المسجد الكبير أو كاتدرائية وجامع قرطبة. وسبب اقتران المسجد بالكاتدرائية هو أن المسلمين حين فتحوا قرطبة أقاموا صلواتهم بجوار الكنيسة وبمرور الوقت ابتنوا مسجدا في المكان. ولما زاد عدد المسلمين وضاق عليهم المسجد ابتاع عبد الرحمن الداخل المكان من النصارى بـ100 ألف دينار، فأسس عليها الجامع، وأتم أسواره في عام واحد.
تصميم عمارة المسجد
بُنى مسجد قرطبة على طراز المسجد الأموي بدمشق. ويتألف من حرم عرضه 73.5 مترا، وعمقه 36.8 مترا، مقسم إلى 11 رواقاً، بواسطة 10 صفوف من الأقواس، يضم كل منها 12 قوسا ترتكز على أعمدة رخامية وتمتد عمودياً على الجدار الخلفي؛ متبعًا في ذلك قواعد العمارة المورسكيّة (المنهج المعماري الذي وجد في منطقة المغرب الكبير وشبه الجزيرة الإيبيرية بعد الإسلام) من حيث وجود 4 حدائق في فناء المبنى وتُسمى الرياض، وزخارف هندسية وأرابيسك متقنة من الخشب والجص.
وقد انتشر هذا النمط المعماري في العواصم الرئيسية للإمبراطوريات الإسلامية مثل قرطبة والقيروان وغرناطة.
كذلك تم مد قناة لإيصال المياه من سفح جبل العروس قرب قرطبة وصولا إلى المسجد. كما تُزين الجدران والأعمدة الكثير من العبارات ومعظمها آيات قرآنية ومنها "هُوَ اللَّهُ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْمَلِكُ الْقُدُّوسُ السَّلَامُ الْمُؤْمِنُ الْمُهَيْمِنُ الْعَزِيزُ الْجَبَّارُ الْمُتَكَبِّرُ سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يُشْرِكُونَ". (سورة الحشر، الآية 23).
ويتمتع المسجد بسقف مزخرف يُزين البناء القائم على 856 عمودا من الرخام والغرانيت والعقيق. أما عن القبة؛ فقد أمر ببنائها عبد الرحمن الناصر في أقصى صحن الجامع من جهة الشمال. وهي عبارة عن برج ضخم له شرفتان للأذان، يُصعد إليها بسلم داخلي لا يزال قائمًا حتى يومنا هذا، إلا أن البرج صار يدق من أجل الكاتدرائية بعد أن وضعت يدها على المسجد بعد رحيل المسلمين.
أضيف للمسجد بعد ذلك عدد من المقصورات، منها مقصورة "دار الصدقة" غربي الجامع، وقد جعلها عبد الرحمن الداخل مركزاً لتوزيع الصدقات، ومقصورة أخرى أمام الباب الغربي كان الفقراء وعابرو السبيل يقيمون فيها كي لا يكون بين الناس متسول.
الفناء أو الرياض
يتمتع فناء المسجد بـ4 حدائق كبيرة، وكانت تعتبر تلك الحدائق درجة انتقالية يرتاح فيها المصلون من أعمال الحياة اليومية قبل دخول المسجد لأداء الصلاة. كذلك أمر صقر قريش ببناء نافورة يتجدد فيها الماء عبر قنوات صغيرة، وتحتوي على الكثير من الصنابير ليتوضأ بها المصلون.
وقد كان الفناء في البداية يُزرع بأشجار الليمون والنارنج وهو شجر مُعمر دائم الخضرة ويعرف في بلاد الشام باسم "شجر أبو صفير". ولا يزال المكان يضم العديد من شجر النارنج إلى اليوم، حتى صار يطلق على الفناء صحن النارنج.
المسجد في لوحات المستشرقين
قام الرسام الأميركي إدوين لورد ويكس (1849-1903)، الذي اشتهر بأعماله الاستشراقية، برسم لوحة لمسجد قرطبة من الداخل عام 1880 عندما كان يقيم في قرطبة. وهي لوحة كبيرة يبلغ ارتفاعها 142.2 سم، وعرضها 184.3 سم. ويظهر فيها جمع من المصلين يؤدون صلاة الجمعة أمام الخطيب الذي يحمل علما أخضرا.
يظهر في اللوحة الأقواس المزخرفة التي تُميّز المسجد إلى جانب العبارات التي تُزين مكان القبلة فوق الإمام. إلا أن ويكس لم يُحسن إظهارها بشكل جيد. وقد بدا المشهد كديكور داخلي واقعي للمسجد أثناء صلاة الجمعة لولا شيء واحد.
فقد أضاف ويكس ملحوظة في دليل لوحاته عن هذه اللوحة بالتحديد كلاما ما معناه بالعربية "يطالب حامل علم محمد الأخضر الناس بالجهاد ضد المسيحيين بينما يلعن "كلاب المسيحيين" بحماسة دينية حقيقية، ويدعو أتباع محمد لطردهم من إسبانيا".
وقد أورد متحف والتر في الولايات المتحدة -الذي يمتلك اللوحة حاليا- أن الكثير من العناصر وحتى الملحوظة التي تركها والتر مع اللوحة ملفقة وأن المشهد كان لجمع من المصلين في إحدى صلوات الجمعة، وأن ويكس كان يحاول تعزيز المفاهيم الخاطئة للمشاهدين الأوروبيين والأميركيين بأن مواقع الصلاة الإسلامية مشبعة بالعنف المحتمل والحرب المقدسة (الجهاد). وكانت تلك هي النزعة الثقافية المسيطرة على معظم المستشرقين في القرنين 18 و19.