في ظل أزمة كورونا والحظر الليلي.. مسحراتي الأردن يضيء ليل الصائمين ويفرح الأطفال

المسحراتي الأردني مصباح السرساوي
المسحراتي الأردني مصباح السرساوي وحوله الأطفال خلال أداء عمله في ليالي رمضان (الجزيرة)

ما إن ينتصف الليل في العاصمة الأردنية (عمان)، حتى يتجهز المسحراتي للبدء بعمله في إيقاظ الناس لتناول وجبة السحور، استعدادا لصيام يوم رمضاني جديد، يردد الأدعية والمدائح النبوية، التي تدعو النائمين للاستيقاظ وذكر الله.

وبمجرد سماع صوت المسحراتي بالشارع، يتجمع الأطفال حوله ينشدون معه، يقابلونه بالحب، ويقابلهم بالضحك وتوزيع الحلوى.

وعلى مدى 20 عاما يحمل المسحراتي الأردني مصباح السرساوي (35 عاما) طبله وعصاه الخاصة، ويتجول في أزقة وشوارع مخيم البقعة للاجئين الفلسطينيين (شمال العاصمة الأردنية عمّان)، يدعو النائمين للاستيقاظ، يشعرهم بروحانية الشهر الفضيل وطقوسه.

طقس رمضاني محبب

وأثرت كورونا على عمل المسحراتي شأن باقي مناحي الحياة، ففي شهر رمضان الماضي خرج المسحر السرساوي لتسحير الناس عدة أيام فقط، ومنعه من ذاك الحظر الشامل ومنع التجول، أما في هذا العام فبدأ مرتديا كمامته الطبية بممارسة طقوسه بالتسحير رغم الحظر الليلي؛ لكنه حصل على تصريح يسمح له بالعمل ليلا.

والمسحراتي مهنة ارتبطت بشهر رمضان المبارك، تعرف في بلاد الشام ومصر بـ"المسحراتي"، بينما تعرف بالمغرب العربي بـ"النفّار"، تذكر كتب التاريخ أنها بدأت في مصر عام 228 للهجرة، عندما أمر والي مصر في ذلك الحين عتبة بن إسحاق بالمناداة على الناس للسحور، واستُخدم الطبل لذلك.

ابتهاج وسرور

وفي حي -مضاء بأحبال الزينة والفوانيس والأهلة- من أحياء المخيم، قال السرساوي للجزيرة نت "أقوم بعملية تسحير الصائمين لأحيي بذلك شعيرة من شعائر الصيام، وأدخل البهجة على الصائمين والأطفال الذين يشعرون بقدسية الشهر الفضيل".

ويتابع "يستقبلني الأهالي بالضيافة والسحور وأكواب الشاي والعصير، ويبتهج الناس بسماع أناشيد المسحراتي، وأقوم بعملي متطوعا لوجه الله تعالى بدون مقابل مالي"، ويحافظ السرساوي وغيره من المسحراتية على هذا الطقس الرمضاني رغم وجود وسائل التكنولوجيا الحديثة من منبهات وأجهزة خلوية تقوم مقام عمل المسحراتي في إيقاظ الناس للسحور.

المسحراتي الأردني مصباح السرساوي
مصباح السرساوي حصل على تصريح عمل ليلي ليتمكن من القيام بعمل المسحراتي (الجزيرة)

يا نايم وحد الدايم

يردد المسحراتي عبارات جميلة تضيف سحرا لوقت السحر "يا نايم وحّد الدايم، يا غافي قوم اذكر الله، يا نائمين قوموا إلى سحوركم جاء رمضان يزوركم، يا نايم وحّد مولاك إلّي خلقك ما بنساك"، وغيرها من الابتهالات الإيمانية مع صوت الطبل.

وتفتقد أحياء عمّانية صوت المسحراتي بسبب الحظر الليلي الشامل وانتشار فيروس كورونا، وعلى مدى الشهرين الماضيين يعاني الأردن من ارتفاع نسب الإصابة بكورونا وارتفاع عدد الوفيات، مما دعا بالسلطات الأردنية لاتخاذ إجراءات وقائية لمنع مزيد من الانتشار، أبرزها الدخول بحظر ليلي شامل يومي يبدأ من الساعة 7 مساء، وحتى 6 صباحا، وإغلاق المساجد ومنع إقامة صلاة العشاء والتراويح جماعة فيها.

المسحراتي الأردني مصباح السرساوي
الأردني مصباح السرساوي منذ 20 عاما يمارس عمل المسحراتي في رمضان (الجزيرة)

غياب مؤلم

في منطقة شارع الشهيد وصفي التل بمنطقة الجاردنز (شمال العاصمة الأردنية عمان)، يفتقد المسحراتي سليم الحدق عمله بسبب الحظر المسائي في ليالي رمضان، وعدم حصوله على تصريح لممارسة مهنته المحببة في هذا الشهر.

يقول الحدق للجزيرة نت "للأسف كورونا والحظر الليلي نغّصا علينا فرحة الأُنس بليالي الشهر الفضيل، كنت أحيّيها بالذكر والمدائح النبوية والابتهالات من خلال تسحير الصائمين في شوارع منطقة الجاردنز، يستقبلني الأهالي والأطفال يرددون معي الابتهالات والأناشيد ويضربون على الطبل".

ويتابع "في ليلة القدر باليوم الـ27 من رمضان، كنت أقوم بتوزيع ما يتوفر من تبرعات على الفقراء والمحتاجين لشراء ملابس وحاجيات العيد، وصباح يوم العيد أحتفل مع المصلين في مصلى العيد بالابتهالات والأناشيد الدينية".

وعلى مدى أكثر من 5 أعوام مارس الحدق طقوس التسحير الرمضاني متطوعا بدون أي مقابل مالي؛ لكنه توقف خلال العامين الماضي والحالي بسبب وباء كورونا والحظر الليلي.

وتزامن حلول شهر رمضان المبارك في ظل استمرار أزمة وباء كورونا، وغياب الطقوس الرمضانية واللقاءات العائلية والخيم الرمضانية، وإغلاق المطاعم ومحال الحلويات، ومنع صلاة التراويح بالمساجد، وعلى الرغم من ذلك يسعى الأردنيون للابتهاج والفرح بالشهر الفضيل، تارة بالمسحراتي وأخرى بزينة رمضان، واجتماع العائلة لصلاة التراويح في البيت.

المصدر : الجزيرة