بيت الناي بالأردن.. صناعة محلية من القطف إلى اللحن

ربيع زريقات يعمل على صناعة آلة الناي
ربيع زريقات يعمل على صناعة آلة الناي (الجزيرة)

همام العسعس-عمان

"في طبيعة عملنا نؤمن بتبني المصادر والإنتاجية (..) شاهدت أجدادنا بالصور القديمة بعزفو على آلة الناي، وسألت موسيقيين ليش ما في تصنيع للناي في الأردن (..) حكولي ما في قصب مناسب، ومن هون بلشت أبحث على عينات" بعباراته المحلية، يروي ربيع الزريقات (38 عاما)، بداية قصته مع آلة الناي.

يضيف ربيع في حديثه للجزيرة نت، أن شغفه بتعلم العزف على آلة الناي، بدأ منذ عشرينيات عمره، وانتقل شغفه إلى مرحلة جديدة بعد التحاقه بإحدى الدورات التي أقامها الموسيقي وعازف الناي ليث سليمان، ومنها بدأ حلم صناعة الناي يختمر في مخيلته.

ربيع الذي أنهى دراسته الجامعية متخصصا في مجال التسويق، لم يستمر طويلا كموظف في شركة خاصة، بعد أن شعر بالتهميش الذي تعاني منه بعض المناطق الفقيرة في محافظات المملكة، ما دفعه لاعتزال الوظيفة والتوجه للعمل المجتمعي.

تمكن ربيع من إيجاد ضالته في كل من وادي شعيب ووادي الأردن، القريبين من منطقة البحر الميت، لما يتميزان به من ظروف مناخية، تساعد على نمو القصب المناسب لصناعة آلة الناي.

يستغرق ربيع ست ساعات لإيجاد قصبة مناسبة، فمن بين كل مئة قصبة يمكن الحصول على أربع تصلح لصنع الناي، ناهيك عن استغراقه في العمل على تهيئة القصبة لمدة تزيد عن سبعة أشهر.

تجارب ربيع الأولى بدت كمكتشف للناي من العصر القديم، وبمساعدة صديقه الموسيقي ليث سليمان من وحي تجربته الأكاديمية، بدأت صناعته تبصر النور بصوتٍ عذب يخرج من فوهة قصب الناي المتواضع الصنع، وبأقل الإمكانيات.

نجاح ربيع في صناعة أول آلة ناي من قصب أردني المنبت، دفعه لتطوير هذه الصناعة، وقصد كل من سوريا ومصر ولبنان وفرنسا، للاستفادة من خبرات صانعي الناي المحترفين.

مقر تصنيع
بغرض توفيرها للجميع، بدأ ربيع يفكر بتأمين مقر لتصنيع آلة الناي، قاصدا وزارة الثقافة، لطلب المساعدة والدعم، دون أن يحصل على أكثر من الوعود، التي يقول إنها تلاشت مع مرور الوقت. لتتبنى مبادرته فيما بعد مؤسسات وشركات من المجتمع المدني.

"جيل اليوم وجد الموسيقى غربية، بسبب الإعلام ومجموعة من الناس الذين يعتقدون أن الحداثة في تقليد الغرب بكل شيء، لكن هناك أمور في ثقافتنا وحضارتنا يتعلم الغرب منها، وفي مشروعنا نعزز مفهوم القيم الموسيقية العربية الشرقية وتنوعها واختلافها"، يقول الموسيقي ليث سليمان (34 عاما)، معقبا على إيمانه بمشروع ربيع.

‪الموسيقي ليث سليمان يعزف على آلة الناي في بيت الناي‬ (الجزيرة)
‪الموسيقي ليث سليمان يعزف على آلة الناي في بيت الناي‬ (الجزيرة)

تعرف ليث على ربيع قبل ثلاثة أعوام، وبدا طالبا يملؤه الشغف بآلة الناي كما يصفه ليث.

وقال إنهما تواصلا مع الفنان العراقي نصير شمة لأخذ الإذن منه، بغرض إنشاء ما يعرف "ببيت الناي"، القريب كفكرة من مشروع "بيت العود" الذي يهدف لنشر آلة العود الموسيقية من عزف وصناعة، وقد رحب الموسيقي نصير شمة بذلك وأرشدهم من وحي تجربته.

شُح التعليم
رغم عدم وجود أساتذة متخصصين في تدريس آلة الناي، أصر ليث أن يتخصص بآلة الناي الموسيقية في مرحلة البكالوريوس، لكن ذلك لم يشبع جوعه لهذه الآلة، ليسافر إلى مصر، مكملا دراسة الماجستير، وقد كانت رسالته فيها، تعنى بمقارنة أساليب عازفي الناي بين مصر وبلاد الشام. 

ظل ليث مقيما في مصر لثماني سنوات، عمل خلالها مع كبار الفنانين، كالفنان علي الحجار والفنان العراقي نصير شمة، داخل "بيت العود العربي"، إضافة لمشاركته في مجموعة من التسجيلات الغنائية مع كل من الفنانين: حمزة نمرة، وسامي يوسف، وماهر زين.

بعد أن ساءت الظروف السياسية بعد الانقلاب العسكري في مصر، اضطر أغلب أصدقاء ليث للهجرة والسفر، وعاد ليث للأردن، مكملا مسيرته لكن في تدريس آلة الناي هذه المرة.

‪الأطفال يتدربون على آلة الناي ضمن مشروع الهوية الموسيقية الشعبية‬ (الجزيرة)
‪الأطفال يتدربون على آلة الناي ضمن مشروع الهوية الموسيقية الشعبية‬ (الجزيرة)

نشر ثقافة الناي
يعمل ليث على تدريس ثمانية طلاب من مختلف المحافظات الأردنية، كيفية استخدام آلة الناي والعزف عليها، والتعريف بتاريخها وارتباطها بتراث المجتمع الأردني قديما، فيما يعمل ربيع على تعليمهم صناعتها، ليتحول الطلبة بعد عام من التدريب إلى معلمين وصانعي ناي في محافظاتهم، وبهذه العملية يتحقق الاكتفاء الذي يسعى "بيت الناي" لنشره.

لا يكتفي ربيع وليث بالبقاء داخل بيت الناي وانتظار المرتادين، إذ يفتش ربيع عن شركاء محليين كجمعيات ومراكز تنموية، للتعاون معهم في استقطاب مشاركين جدد، ضمن ما يعرف بمشروع "الهوية الموسيقية الشعبية".

يطوف ليث وربيع المحافظات الأردنية لعقد جلسات عن كيفية صنع الآلة والعزف عليها، وعن تاريخ الآلة وقصص وقيم مرتبطة بالأغاني الشعبية الموروثة عنها، مثل قيم التكافل والبطولات الوطنية، وأغاني عن حصاد الزرع التي كانت تُغنى في موسم القطاف. 

يمنح ربيع وليث في نهاية الجلسات التدريبية، تلك المراكز آلة خاصة تساعد على صناعة الناي، ليتمكن الجميع من الاعتماد على مواردهم في صناعة آلاتهم الموسيقية دون مقابل.

‪زريقات يوضح لزوار بيت الناي مواصفات القصب المناسب لآلة الناي‬ (الجزيرة)
‪زريقات يوضح لزوار بيت الناي مواصفات القصب المناسب لآلة الناي‬ (الجزيرة)

ويعبر ربيع عن استيائه من عدم تمكن الفقراء من امتلاك الآلات الموسيقية الأمر الذي يحرمهم من ممارسة الأنشطة المتعلقة بها.

ويوضح أن فكرة تعليمهم صناعة هذه الآلات بمواردهم المتاحة، جاء بدافع لبناء ثقافة الإنتاجية لدى المجتمع، وتحويله إلى شعب منتج، فالناي بحسب ربيع، ثقافة وقصة صناعة، أكثر من كونها أداة للعزف والطرب. 

يختم ربيع حديثه للجزيرة نت قائلا "استخدام الموارد المتاحة يجعل منا دولة قوية تسيطر على مصادرها وتخلق شعورا مليئا بالكرامة، وهذا هو مبدأ مشروع بيت الناي".

المصدر : الجزيرة