هل سيغير غلاء الأسعار في عادات الزواج لدى المصريين؟

بسبب غلاء الأسعار أصبح من الواجب على العروسين وأهلهما الرفق والتيسير في الزواج لحل مشكلة العنوسة.

لجأت الأسر المصرية إلى بدائل كثيرة لتجاوز عقبة غلاء شبكة العروس (الجزيرة)

القاهرة- ألقت تداعيات استمرار تراجع الجنيه المصري أمام الدولار بظلالها على تكاليف الزواج، في بلد يشهد سنويا نحو مليون عقد قران، بعد ارتفاع أسعار الذهب والأثاث والأدوات الكهربائية ومستلزمات الزواج ما بين 30% و40%، إضافة إلى السكن، مما جعل استمرار تمسك غالبية الأسر المصرية بعادات وتقاليد الزواج أمرا عسيرا في ظل هذا الغلاء.

ويتقاسم العروسان في مصر تكاليف الزواج، لكن هناك اختلاف كبير بين الأقاليم سواء في الصعيد (جنوبي البلاد) أو الدلتا (شمالها) أو حتى في العاصمة الكبرى التي تضم محافظات القاهرة والجيزة والقليوبية، حول تفاصيل هذه الشراكة ونسبتها وحصة كل طرف.

وسجل سعر غرام الذهب عيار 21، الأكثر شيوعا في "شبكة العروس" أعلى نقطة سعرية له في مصر بعد أن بلغ 1100 جنيه (59.5 دولارا)، دون المصنعية، وارتفع سعر الأثاث أكثر من 30% بجميع أنواعه، وقفزت أسعار الأدوات الكهربائية والمنزلية وأدوات المطابخ وغيرها من مستلزمات تأثيث المنزل بالنسبة نفسها تقريبا.

واضطرت مصر إلى تخفيض قيمة الجنيه في مارس/آذار الماضي 14% قبل أن يواصل التراجع إلى 19%، ليهبط إلى نحو 18.75 جنيها لكل دولار من مستوى 15.75 جنيها؛ نتيجة تداعيات الحرب الروسية على أوكرانيا واضطراب أسواق السلع الأولية والأساسية وسلاسل الإمداد.

حملات أزهرية للتوعية

كان الأزهر انتبه إلى تلك الإشكالية مطلع عام 2020، أي قبيل اندلاع جائحة كورونا في مصر والعالم وظهور تداعياتها الاقتصادية، وأطلق مركز الأزهر العالمي للفتوى الإلكترونية حملة توعوية لمواجهة غلاء المهور وتكاليف الزواج، تحت عنوان "أكثرهن بركة"؛ إحياء لهدي سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم في هذا الشأن.

منذ ذلك الوقت، لم تتوقف الحملة، وبادر الأزهر بإطلاق حملات مشابهة، كان آخرها إطلاق برنامج تأهيل "المقبلات على الزواج"، من خلال إلقاء محاضرات في العديد من المحافظات حول التوعية بضرورة مواجهة ظاهرة غلاء المهور وتكاليف الزواج.

وكان شيخ الأزهر الدكتور أحمد الطيب، قد دعا في وقت سابق إلى إطلاق حملة توعوية في هذا الشأن؛ لأن هذه المغالاة تدمر الأسرة قبل بنائها، وتتسبب في عدم قدرة بعض الشباب والأسر على هذه التكاليف، وبالتالي تأخر الزواج وارتفاع نسب العنوسة.

وفند الأزهر نظرة بعض الأسر تجاه غلاء المهور وارتفاع قيمة قائمة المنقولات، على أنه تأمين للفتاة من غدر الزوج، موضحا أن الأولى من ذلك هو اهتمام ولي الأمر ببعض الأمور التي يجب التروي فيها عند الزواج، وهي حسن اختيار الزوج، فماذا يفيد تأمين الفتاة إذا تزوجت من رجل عديم النخوة والخلق، أو لا يتحمل المسؤولية ولا الأمانة.

قفزت أسعار الأدوات المنزلية في مصر بأكثر من 30% (الجزيرة)

كيف قفزت تكاليف الزواج؟

وبات السؤال الآن أمام ملايين الأسر المصرية كيف سيتأقلمون مع زيادة تكاليف الزواج في ظل أزمة الغلاء المستمرة كل يوم، هل سيتخلون عن بعض متطلباتهم فيما يتعلق بتأثيث عش الزوجية بعدد معين من الغرف والاقتصاد في حجم وعدد الأجهزة الكهربائية والمنزلية، وتقليل قيمة المهور، واللجوء إلى الأسواق الشعبية والابتعاد عن المعارض الكبيرة؟

يقول الصائغ جورج رزق الله الذي يملك محلا لبيع الذهب في أحد أحياء مدينة الجيزة، ثاني أكبر محافظة بالبلاد بعد القاهرة من حيث عدد السكان بنحو 9.5 ملايين نسمة، إن "الإقبال على شراء الذهب ضعيف؛ بسبب ارتفاع سعر غرام الذهب، حتى من قبل الشبان المقبلين على الزواج، وفي بعض المناسبات مثل عيد الأم وغيرها".

وأوضح في حديثه للجزيرة نت، أن بعض الأسر لجأت إلى بدائل كثيرة لتجاوز عقبة غلاء شبكة العروس، مثل كتابة قيمتها الاسمية في قائمة المنقولات وشراء كمية محدودة، أو الاتفاق على نقود وليس عدد غرامات، أو التوافق حول اختيار أوزان أخف، خاصة أن حلية الذهب للعروس لا يمكن تجاوزها.

كذلك الحال بالنسبة للأثاث والأدوات الكهربائية والمنزلية وغيرها التي طالها الغلاء، مما دفع الأسر المصرية إلى التفكير في بدائل عديدة، من بينها تقليل العدد والكمية والانحياز للأنواع الأقل سعرا مع الاحتفاظ بحد أدنى للجودة وفق قدرات كل أسرة، بحسب تجار وأصحاب معارض تحدثوا لمراسل الجزيرة نت.

وقال المعلم أبو أحمد السوري، الذي يمتلك معرضا وورشة للأثاث، في إحدى ضواحي مدينة الجيزة، إن "أسعار الخشب بأنواعه زادت بأكثر من 30%، وأحيانا لا نجد الخامات التي نحتاجها للتصنيع بسبب نقصها في الأسواق، ولذلك يزيد سعر غرفة النوم أو المطبخ يوما بعد يوم، وبات التعامل الآن بإطلاع الزبون على السعر الجديد طوال فترة التصنيع".

وأضاف للجزيرة نت أن البعض يفضل الأثاث الجاهز حتى يتجنب الزيادات اليومية، والبعض الآخر يلجأ إلى أنواع الخشب الأقل سعر، ومتوسط الجودة مثل خشب "الكونتر"، والبعض الآخر يستغني عن غرفة أو غرفتين أو سفرة الطعام وملحقاتها، ويتميز الأثاث بمرونة كبيرة في الأسعار بحسب المطلوب والقدرات المادية.

ارتفعت أسعار الأثاث خلال الشهر الماضي بنسبة تتراوح بين 30% و40% (الجزيرة)

وفيما يتعلق بالأدوات المنزلية، قال أحد البائعين في أحد التجمعات التجارية الشهيرة بالجيزة، "تعد الأدوات المنزلية التي تقع على عاتق العروسة من الأدوات غالية الثمن ولكن بعضهن يفضل الأدوات المنزلية المحلية والأقل سعرا، وهناك من يحرصن على شراء الأدوات غالية الثمن لأنها الأكثر جودة والأطول عمرا".

وأشار، في حديثه للجزيرة نت، إلى أن موسم التخفيضات الذي يتكرر في أكثر مناسبة طوال العام؛ مثل عيد الأم، أو نهاية العام، أو الجمعة البيضاء، يعتبر فرصة ذهبية للذين يبحثون عن توفير النقود وشراء أشياء أخرى بديلة، وتقليل الفاتورة.

الطلاق في تزايد

ويبلغ عدد السكان في مصر 103 ملايين نسمة، ويصل عدد الإناث منهم 48.5 مليون أنثى، أي أن هناك 106 ذكور لكل 100 أنثى، حتى نهاية فبراير/شباط الماضي، بحسب الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء (حكومي) في تقريره بمناسبة اليوم العالمي للمرأة.

وارتفع عدد عقود الزواج عام 2021 إلى 948 ألفا و222 عقدا مقارناً بعام 2020 حيث كان 876 ألفا و15 عقدا، بنسبة ارتفاع نحو 12.3%، وفقا للبيانات الأولية لنشرة الزواج والطلاق.

وارتفع عدد إشهادات الطلاق إلى 255 ألفا و4 إشهادات عام 2021 مقارناً بعام 2020 حيث كان 222 ألفا و36 إشهادة، بنسبة ارتفاع نحو 15%.

عند مقارنة تلك الأرقام بإحصاءات عام 2016، قبل ظهور تداعيات أزمة تعويم الجنيه في نوفمبر/تشرين الثاني من العام نفسه، تبدو بعض الأرقام مقلقة، إذ بلغ عدد عقود الزواج حينها 938 ألف عقد مقارنة بنحو 948 ألفا، أي بزيادة ضئيلة، مع الأخذ في الاعتبار أن عدد السكان كان أقل بنحو 10 ملايين نسمة، وبلغ عدد إشهادات الطلاق عام 2016 نحو 198 ألف حالة فقط مقارنة بنحو 255 ألف حالة، أي بزيادة قدرها 28.7%.

تزايدت الرسوم والأعباء في مشروعات الزواج مما أثار الخشية من عزوف الشباب (الجزيرة)

التعامل مع الزواج كسلعة

تحدث مراسل الجزيرة نت إلى أحد الشباب المقبلين على الزواج -ويدعى مصطفى- حول خططه لاستكمال مشروع العمر، لكنه أكد أن "المشروع لم يكتمل للأسف، رغم التوافق الكبير بيني وبين خطيبتي، والاتفاق على الخطوط العريضة مثل الشبكة والأثاث والأدوات المنزلية والكهربائية والستائر والسجاد والنجف".

وأوضح أن والد العروسة أخبره بقرار زيادة قائمة المنقولات والتغيير فيها و"طلب أشياء لم نتفق عليها بدعوى أن الأسعار زادت كثيرا وأن القائمة الحالية لا تليق بابنته، وللأسف ذهبت كل محاولات الأسرة في أن يعدل عن رأيه هباء، واضطررت لفسخ الخطوبة لهذا السبب.. الأسعار زادت".

موروثات وعادات تفضي إلى السجن

نتيجة بعض الموروثات والعادات والتقاليد المجتمعية، تتجشم بعض الأسر المصرية أعباء كبيرة في مسألة تجهيز أبنائها سواء من الشباب أو الشابات، والبعض يبالغ في الإنفاق مما أدى إلى وجود ظواهر سلبية مثل "ظاهرة الغارمات".

ويصل عدد الغارمات نحو 30 ألف غارمة، وفق الصحف المحلية، تمثل نسبة 30% من عدد المسجونات داخل السجون المصرية، حيث تقوم بعض الأمهات بتحرير إيصالات أمانة بما تبقى عليهن من نقود اقترضنها نظير شراء مستلزمات الزواج، والبعض الآخر يكافحن من أجل السداد لسنوات.

نتيجة بعض الموروثات والعادات والتقاليد المجتمعية، تتجشم بعض الأسر المصرية أعباء كبيرة لتجهيز أبنائها (الجزيرة)

تحول الزواج إلى مزاد

ترى المستشارة الأسرية والاجتماعية الدكتورة منال خضر، أن الأزمة في المغالاة وليست في الغلاء، قائلة "الأصل في الإسلام هو التيسير في الزواج، "فأقلهن مهرا أكثرهن بركة"، وكانت عادات وأعراف الشعب المصري طوال عشرات السنوات هي التيسير والتسهيل، وكان ينتهي عند كثير من الأسر بجملة "خير البر عاجله"، وكان هو عنوان الأسر المصرية".

وألقت باللوم، في حديثها للجزيرة نت، على الإعلام وخاصة الدراما التي روجت للمغالاة وغيرت في أعراف وعادات المصريين، فصدرت القصور والفلل والسيارات والمجوهرات الفارهة، ومعايرة بعض أشباه الرجال زوجاتهم بأنهن رخيصات الثمن وأن أهلها زوجوها بلا ثمن وأصبحت من وسائل إهدار كرامة الزوجة وقت الخلافات، فأصبحت الأسر تفرض على العريس أثقالا وبالمقابل فرض أحمال على العروس، وتحول الزواج إلى مزاد بين الأسر المصرية.

ورأت خضر أنه بسبب غلاء الأسعار أصبح من الواجب على العروسين وأهلهما الرفق والتيسير في الزواج على الشباب لحل مشكلة العنوسة وإحجام الشباب عن الزواج بسبب الغلاء الفاحش وضعف دخولهم، ومن "موقعي كمستشار أسري، أرى أن الشباب أصبحوا أكثر نضجا وواقعية وتخففوا من الكثير من الأحمال والأثقال، وسيسير الآباء والأمهات خلف أبنائهم".

ومن أجل مواجهة ظاهرة الغلاء في المهور وتكاليف الزواج، دعت أستاذة علم الاجتماع بجامعة عين شمس سامية خضر، إلى زيادة الوعي لدى الأسر المصرية في الريف والمدن بشأن عدم المغالاة في طلبات الزواج.

وانتقدت في تصريحات صحفية المغالاة غير المسبوقة في المجتمع المصري في تجهيز العرائس، مشيرة إلى أن ما تقوم به بعض الأسر لا يتناسب مع دخلها، فتقع في فخ الاستدانة وتوقيع إيصالات أمانة تكلفها حريتها.

المصدر : الجزيرة