رحلة البحث عن الكمأة في سوريا.. رزق مغمس بالدم

قتل 18 شخصا في ريف حماة بتاريخ 8 مارس/آذار الجاري جراء انفجار لغم أرضي بحافلة نقل كانت تتجه بهم إلى البادية بحثا عن الكمأة

تفرض قوى الأمن إتاوات تصل 40% من كميات الكمأة التي يجمعها العاملون بريف حمص الشرقي الشهير بجودة أنواعه (الأوروبية)

لم تعد رحلة البحث عن الكمأة لسكان شرقي سوريا كما السابق رحلة ترفيهية لجني المال، فهي اليوم تنطوي على مخاطر تصل إلى حد الموت للوصول لهذه الثمرة المميزة التي تنمو على امتداد البادية السورية في أرياف حمص وحماة ودير الزور والرقة، والبالغ مساحتها 75 ألف كيلومتر مربع.

فبعد أن كان جمع الكمأة متاحا لسكان البادية والمدن والبلدات المتاخمة لها، وعادة ترافق سقوط الأمطار ربيع كل عام، فإن هذا الطقس تأثر بالصراع على النفوذ العسكري بين الأطراف المتناحرة في هذا البلد الممزق، ويتطلب البحث موافقات أمنية من نظام الرئيس بشار الأسد أو قوات "سوريا الديمقراطية". لكن هذه الموافقات لا تحمي صاحبها من الموت بالألغام الأرضية أو التعرض للتصفية، أو سلب المال والكمأة في أحسن الأحوال.

البحث عن الكمأة بات محددا بشروط ومواعيد وسط تهديد المخالفين بعقوبات صارمة (الأوروبية)

رحلة الموت

مع حلول فصل الربيع، يتحضر عبد العزيز الحسين من أهالي ريف دير الزور (شرق) للذهاب إلى رحلة البحث عن الكمأة، رفقة أولاد عمه، في منطقة جبل البشري الواقعة في البادية.

ويقول الحسين (28 عاما) إن عملية البحث عن الكمأة في البادية مجازفة كبرى بالأرواح، وأشبه برحلة الموت، فالكثير من المدنيين فقدوا حياتهم دون معرفة الجهة التي تقوم بتصفيتهم في عمق البادية، وعادوا جثثا هامدة.

ويضيف -في حديث للجزيرة نت- أن عناصر مسلحة باتت تتربص بالمدنيين الباحثين عن الكمأة وتقوم بملاحقتهم وقتلهم، قبل أن تسلب منهم الكمأة والمال الذي يحصلون عليه من بيع محصولهم لتجار المنطقة، مؤكدا أن 5 من قريته قتلوا العام الماضي رميا بالرصاص أثناء جمع الكمأة في بادية دير الزور.

وفي أحسن الظروف تقوم عناصر مسلحة من الفيلق الخامس المدعوم من روسيا، وفق الحسين، بإجبار جامعي الكمأة على بيعها لهم بأسعار زهيدة لا تتجاوز ألفي ليرة للكيلو الواحد تحت التهديد بالسلاح، لأجل بيعها للتجار بأضعاف مضاعفة.

ويتراوح سعر كيلو الكمأة -بحسب جودتها وحجمها ومذاقها- ما بين 15 و70 ألف ليرة (سعر الدولار بتعاملات البنوك الرسمية 1250 ليرة للشراء و1262 ليرة للبيع) وفق أسواق دير الزور، حيث ارتفعت الأسعار على وقع انهيار قيم الليرة وصعوبة الحصول عليها.

الموافقات الأمنية لا تحمي من الموت بالألغام (رويترز)

إتاوات وشروط

في ريف حمص الشرقي الذي يسيطر عليه نظام الأسد، بات البحث عن الكمأة محددا بشروط ومواعيد، وسط تهديد المخالفين بعقوبات صارمة، خصوصا مع حلول موسم نموها المرتبط بسقوط الأمطار والعواصف الرعدية.

وبحسب شبكة عين الفرات المحلية، فإن قيادة كل من الفرقة الرابعة التابعة للنظام والموالية لإيران، والفيلق الخامس الرديف المدعوم روسيا، أبلغا الحواجز في تدمر والسخنة بضرورة ضبط إقبال الأهالي على جمع الكمأة ضمن أوقات تمتد من 8 صباحاً وحتى 4 عصراً.

وتشير إلى أن الإتاوات، التي تفرضها هذه القوات، تصل إلى 40% من كميات الكمأة التي يجمعها العاملون في ريف حمص الشرقي الذي يشتهر بجودة أنواع الكمأة مثل الزبيدي الذي يتميز بحجمه الكبير ومذاقه المميز.

عملية البحث عن الكمأة في البادية السورية مجازفة كبرى بالأرواح وأشبه برحلة موت (رويترز)

تركة ثقيلة

ورغم انحسار تنظيم الدولة الإسلامية من سوريا، فإن تركته الثقيلة لا تزال تفتك بالمدنيين الباحثين عن نبتة الكمأة، إذ إن التنظيم قد زرع في وقت سابق مئات الألغام في المناطق التي انسحب منها شرقي سوريا.

ودأب التنظيم على هذا النمط خلال معاركه، حيث قام بتفخيخ وزرع العديد من العبوات والألغام في طريق انسحابه شرقا.

وتعتبر أرياف دير الزور وحمص وحماة أكثر المناطق خطورة على حياة المدنيين، حيث لا يكاد يمر شهر دون أن يتم تسجيل حالات وفاة أو إصابة بالغة لأشخاص وهم في طريقهم لهذه البادية وما حولها.

ويقول الناشط الإعلامي صهيب اليعربي من شمال شرقي سوريا إنه وثق مقتل العشرات من المدنيين في الرقة ودير الزور، أثناء عملية جمع الكمأة، مؤكدا مقتل 12 شخصا من بلدة معدان بريف الرقة خلال العام الماضي بانفجار ألغام وحوادث قتل نسبت إلى مجهول، مما دفع أهالي هذه البلدة للعزوف عن عملية البحث.

وبحسب اليعربي فقد قتل 18 شخصا في ريف حماة بتاريخ 8 مارس/آذار الجاري، جراء انفجار لغم أرضي بحافلة نقل كانت تتجه بهم إلى البادية بحثا عن الكمأة، فكانت رحلتهم الأخيرة.

المصدر : الجزيرة