خارطة الدم

خارطة الدم

 undefined

فشل الانقلابيين
زواج المال بالسياسة
الكنيسة والفتنة
نوع جديد من الحروب

تحولت "خارطة مستقبل" أهل الانقلاب إلى رسم بلون الدم يمتد بطول مصر وعرضها، تلك الخارطة التي استدعى لها أهل الانقلاب اسما صهيونيا، ربما تبركا بخارطة الطريق التي رسمتها كل من واشنطن وتل أبيب للسلطة الوطنية الفلسطينية منذ أعوام طويلة من أجل تحقيق تسوية للقضية الفلسطينية.

بيد أن تلك التسوية تتعثر منذ سنوات طويلة، وتظل بنود الخارطة الفلسطينية تراوح مكانها، وذلك في ظل اعتداءات "إسرائيلية" متواصلة على أهلنا بفلسطين المحتلة.

ولذلك فإن المتابع للشأن المصري يلاحظ أن نموذج التعامل الصهيوني مع الفلسطينيين يطبقه الانقلابيون بحذافيره على أنصار الشرعية بمصر.

منذ إعلان الانقلاب ودماء أبناء مصر المناصرين للشرعية تتدفق مثل الشلالات بشكل مستمر، في وقت يظل فيه القاتل مجهول الهوية من الناحية القانونية

ومن هنا نلاحظ أنه منذ إعلان وزير الدفاع الفريق أول عبد الفتاح السيسي عن الانقلاب في الثالث من يوليو/تموز من العام الماضي، ودماء أبناء مصر المناصرين للشرعية تتدفق مثل الشلالات بشكل مستمر، في وقت يظل فيه القاتل مجهول الهوية من الناحية القانونية.

وإن كان الثوار من أنصار الشرعية يعلمون جيدا من هو الجاني الذي قتل الآلاف منهم ولا يزال يقتلهم بدم بارد.

فشل الانقلابيين
ولأن تظاهرات أنصار الشرعية تكبر وتتسع وتتشعب وتتجذر بمختلف أرجاء مصر مع مرور الوقت تحت وطأة معاناة الناس جراء فشل سياسات حكومة الانقلاب وتردي الأوضاع الحياتية لجموع الشعب المصري، فإن أهل الانقلاب يفقدون توازنهم ويرتكبون المزيد من الحماقات والأخطاء الظاهرة للعيان والتي تضاعف من أعداد أنصار الشرعية الناقمين على سياساتهم، وآخر تلك الحماقات التي ارتكبها قادة الانقلاب تسييس القضاء والحكم بحبس قيادات بحركة السادس من أبريل، وتجميد أموال المئات من الجمعيات الأهلية الإسلامية في مصر التي تساعد آلاف الفقراء والمستضعفين.

إضافة للاتهامات التي وجهت لهم من قبل أنصار الشرعية بتزوير الاستفتاء على الدستور، وهي اتهامات لها معطيات على الأرض أكدتها تقارير دولية ومحلية محايدة فور انتهاء الاستفتاء.

زواج المال بالسياسة
وفي مواجهة هذا الزخم الجماهيري لأنصار الشرعية, والذي عكسته التظاهرات في الميادين والشوارع والجامعات بكافة أرجاء مصر، وتجلت نتائجه في الارتباك الرسمي الحكومي وعجز أجهزة الشرطة عن السيطرة على مجريات الأمور وفشل قانون التظاهر الذي أصدرته حكومة الانقلاب قبيل عدة أسابيع.

لم يكتف قادة الانقلاب بتلك الاعتداءات الدموية المتواصلة على الحريات العامة للناس، فقرروا اللعب بالنار وبورقة الفتنة كما يقول الثوار، حيث خرج علينا رجال أعمال ومن بينهم ملياردير معروف من الضالعين في الانقلاب بتصريحات أثارت حفيظة غالبية أبناء مصر.

فقد قال رجل الأعمال "المسيحي" نجيب ساويرس: "حتى الآن لم ننزل مظاهرات في الشارع المصري ضد الإخوان المسلمين، ولكن ممكن ننزل ونوريهم العنف".

وهنا لا بد أن نتوقف ونشير من خلال رصدنا للواقع إلى أنه منذ وقوع انقلاب الثالث من يوليو/تموز من العام الماضي في مصر، فإننا لم نرصد واقعة واحدة مارس خلالها أنصار الشرعية وفي صدارتهم جماعة الإخوان المسلمين أية أعمال عنف أو إرهاب ضد خصومهم السياسيين أو ضد الأجهزة الأمنية.

في حين أن كل عمليات الإرهاب والقتل والسحل والتعذيب تمت ضد أنصار الشرعية وضد الإخوان, إما على أيدي الأجهزة الأمنية, أو على أيدي البلطجية المحميين من خلال تلك الأجهزة.

وعلى كل، فإن تلك التصريحات تعكس الدور الذي يلعبه هذا الملياردير المسيحي نجيب ساويرس، وتلعبه الكنيسة الأرثوذكسية في الانقلاب على نظام حكم ثورة ٢٥ يناير بقيادة الرئيس المختطف محمد مرسي المنتمي للتيار الإسلامي، وهو ما يثير حفيظة أنصار الشرعية، ويساهم في إشعال الفتنة الطائفية.

كما أن تصريحات نجيب ساويرس وغيره من رجال الأعمال المعادية لأنصار الشرعية, تعكس ارتباطا بات وثيقا بين رجال المال والسياسة عبر شريحة من رجال الأعمال تنتسب لعهد الرئيس المخلوع حسني مبارك، باتت ترى في انقلاب الثالث من يوليو إعادة إنتاج لنظام مبارك من جديد، ومن ثم فهي تخشى من الفشل المحتمل الذي يواجهه الانقلاب.

الكنيسة والفتنة
وثمة ملاحظة أخرى تجعل أنصار الشرعية في مصر يستقبلون تصريحات نجيب ساويرس أو أي شخصية مسيحية تقف مع الانقلاب وتكون مقربة من الكنيسة بحساسية شديدة، وذلك نظرا للدور الداعم للانقلاب والذي لعبته الكنيسة الأرثوذكسية الأم، والذي تسبب في عزل أول رئيس ينتمي للتيار الإسلامي يحكم مصر وينتخب بشكل ديمقراطي وحر ونزيه من عامة الشعب.

منذ وقوع الانقلاب لم نرصد واقعة واحدة مارس خلالها أنصار الشرعية وفي صدارتهم جماعة الإخوان أية أعمال عنف أو إرهاب ضد خصومهم السياسيين أو ضد الأجهزة الأمنية

ولذلك فإن التحالف الوطني لدعم الشرعية لم يتأخر في تحديد موقفه من تصريحات نجيب ساويريس أيضا حيث أكد أن تلك التهديدات التي تستهدف إشعال الفتنة الطائفية وزيادة حدة الانقسام المجتمعي الذى تعيشه مصر لا يمكن أن تقرأ بمعزل عن أحداث العنف والتحريق التي تشهدها مصر يوميا.

وفي ذات السياق ومن خلال تحليل المعطيات اليومية علي أرض الواقع يرى ساسة بالقاهرة من أنصار الشرعية أن سلطة الانقلاب بعد أن أخفقت في أن تجر الثوار إلى تبني خيار العنف من أجل إفقادهم مصداقيتهم محليا ودوليا، وفي مواجهة تمسكهم بالسلمية، تسعى تلك السلطة لاستثمار معطيات الفتنة الطائفية وتوظيفها لخدمة أجندة الانقلاب الخاصة، حتى لو أدى ذلك إلى تهديد وحدة مصر.

وقد يقول قائل ولماذا يخطط أهل الانقلاب لإشعال فتنة طائفية أو حرب أهلية بمصر؟

والإجابة ببساطة تشير إلى أن "الولايات المتحدة الأميركية حليف إستراتيجي لقادة الجيش المصري منذ توقيع اتفاقية كامب ديفد في ٢٦ مارس/آذار من عام ١٩٧٩ وهم من يضمنونها.

ومن خلال دراسة للمخابرات الأميركية "سي آي أي" تتعلق بتجربة الإدارة الأميركية مع نظام الرئيس المنتخب محمد مرسي الذي رفع شعارات إنتاج الغذاء والسلاح والدواء، أيقنت المخابرات الأميركية أنه يتوجب الخلاص من هذا الرئيس".

هذا ما أكدته لنا قيادات بارزة في جماعة الإخوان المسلمين مرارا، وبناء عليه كانت الإدارة الأميركية هي القائد الحقيقي لانقلاب الثالث من يوليو/تموز العام الماضي في مصر، ومن خلفها وقفت تل أبيب تتابع وتساعد في الخفاء وتشعر بالابتهاج لأنها تخلصت من أول رئيس إسلامي لمصر تظنه يضمر لها عداء مبينا.

نوع جديد من الحروب
وما سبق يقودنا أيضا إلى الأسباب الإستراتيجية الأكثر أهمية لضلوع واشنطن في هذا الانقلاب العسكري بمصر، وهو استثمار الولايات المتحدة لطموحات قادة عسكريين بمصر ورغبتهم في الاستحواذ على السلطة, في النيل من مصر جيشا وأرضا وشعبا، وذلك عبر استخدام هؤلاء القادة في الوقيعة بين أهل مصر وشقهم إلى نصفين والتفرج عليهم وهم يتطاحنون ويقتتلون وتسيل دماؤهم بغزارة إن أمكن.

هذا إضافة إلى الوقيعة أيضا ما بين الجيش والشعب، لكون أن ذلك يخدم المصالح الإستراتيجية لواشنطن وتل أبيب، وهو حلم لا يزال يراود أعداء مصر والأمة العربية، ويشكل هذا التفكير نوعا جديدا من الحروب بديلا عن التدخل الأميركي المباشر.

ما يحمي مصر الآن هو وجود جماعة الإخوان المسلمين التي تصر على سلمية تحركات أنصار الشرعية، وعدم انخراطها في مخطط حرب أهلية

وهذا التفكير الإستراتيجي تتبناه واشنطن بعد الخسائر التي مني بها الجيش الأميركي في أعقاب تدخله المباشر في العراق وأفغانستان، وهذا النوع الجديد من الحروب تمارسه واشنطن أيضا الآن في سوريا وليبيا واليمن ومصر، وتستهدف من خلاله القضاء على جيوش تلك البلدان وتفتيتها وإضعافها.

وإن كانت واشنطن تحرز نجاحات في سوريا وليبيا واليمن, فإن ما يحمي مصر الآن هو وجود جماعة الإخوان المسلمين التي تصر على سلمية تحركات أنصار الشرعية، وعدم انخراطها في مخطط حرب أهلية، وتعلم أن مصر الجيش والشعب والأرض مستهدفة.

وتشير الخلاصة إلى أن خارطة طريق انقلاب الثالث من يوليو تحولت منذ ظهورها إلى خارطة للرصاص والدم تستثمرها قوى إقليمية ودولية ضد مصلحة مصر وأمنها القومي ولصالح الأجندة الخاصة بتلك القوى.

وتشهد على ذلك المذابح التي ارتكبها أهل الانقلاب ضد أبناء شعبنا من أنصار الشرعية، والتي أسفرت عن وقوع أكثر من سبعة آلاف ممن نحسبهم شهداء من أنصار الشرعية وفق إحصائيات الثوار، وأكثر من ألف شهيد وفق الرواية الرسمية للانقلابيين فضلا عن الجرحى الذين تقدر أعدادهم بعشرات الآلاف, وذلك بعد أن اتهم الانقلابيون في مصر كل من رفض أن يبارك انقلابهم البغيض بممارسة الإرهاب والعنف, وأعلنوا الحرب على الشعب المصري الثائر.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.