هل نذهب إلى جنيف؟

هل نذهب إلى جنيف؟ الكاتب: عبد الجليل المرهون - المجتمع الدولي معني بالدفع باتجاه التسوية السلمية على النحو الذي يوفر على شعبنا المزيد من التضحيات ويضع حداً لمعاناة طال أمدها

 undefined

كيف حدث الالتقاء الأميركي الروسي؟
عناصر اتفاق جنيف
كيف تحوّل المسار؟
إلى أين نحن ذاهبون؟

في السابع من مايو/أيار 2013، اتفقت الولايات المتحدة وروسيا على عقد مؤتمر دولي لإنهاء الحرب و"منع تفكك سوريا". وقد أعلن الاتفاق كل من وزير الخارجية الأميركي جون كيري ونظيره الروسي سيرغي لافروف بعد محادثات في موسكو، التقى قبلها كيري الرئيس الروسي فلاديمير بوتين.

كيف حدث الالتقاء الأميركي الروسي؟
يهدف المؤتمر المزمع عقده إلى إحياء اتفاق جنيف، المعروف أيضاً بـ"بيان جنيف"، الذي جرى التوصل إليه في يونيو/حزيران 2012، ولم يجد طريقه إلى التنفيذ، بسبب عدم حسم مسألة مصير الرئيس السوري بشار الأسد.

وقد رأى الوزير كيري أن القوى الكبرى لها "مصالح مشتركة مهمة للغاية"، تدفعها للسعي إلى إيجاد تسوية سياسية، وأن البديل عن هذه التسوية هو اقتراب البلاد أكثر من الهاوية، و"ربما تفكك سوريا".

والسؤال هو: لماذا ذهب الأميركيون والروس في هذه اللحظة إلى بيان جنيف، وأشاروا إليه باعتباره "خريطة طريق" لمقاربة الحل في سوريا؟ هناك أسباب مختلفة يبدو أنها دفعت، منفردة أو مجتمعة، إلى اللقاء الأميركي الروسي على بيان جنيف.

إدراك كل من أميركا وحلفائها الغربيين أن البيئة الجيوسياسية للنزاع قد اتجهت إلى مزيد من التعقيد، وأن الوضع في سوريا تصعب السيطرة عليه، دفع الجميع للبحث عن تسوية سياسية

أول هذه الأسباب يتمثل في تحييد الضغوط التي يواجهها الرئيس الأميركي باراك أوباما من أجل التدخل عسكرياً في الأزمة. وهذه الضغوط نابعة، بالدرجة الأولى، من قيادات الحزب الجمهوري، في حين تشير استطلاعات الرأي إلى غالبية أميركية معارضة للتورط العسكري.

وفي الأصل، فإن الخيار السياسي ينسجم مع رؤية الرئيس أوباما لمبدأ التعددية في العمل الدولي. ولنتذكر أيضاً أن أوباما انتخب لأول مرة بناءً على وعده الشعب الأميركي بالسلام، وإعادة الجنود للوطن، والتصدي للتحديات الاقتصادية التي أفرزتها سنوات الحرب.

وثاني الأسباب، التي يُمكن افتراضها الآن، يتمثل في إدراك كل من الولايات المتحدة وحلفائها الغربيين أن البيئة الجيوسياسية للنزاع قد اتجهت إلى مزيد من التعقيد، وأن الوضع في البلاد بدأ يتجه إلى صورة الاشتباك المتعدد الأطراف، الذي تصعب السيطرة عليه، والذي قد يضع سوريا ذاتها على طريق التفكك والتجزئة.

ثالث أسباب اللقاء الأميركي الروسي على بيان جنيف، يتمثل في عدم استقرار اتجاهات المشهد العسكري على الأرض، حيث تتقلب موازين القوى، على نحو يتعذر معه تحديد أين تقف الأطراف المختلفة.

السبب الرابع يتجسد في الخشية الأميركية من أن قوى راديكالية بعينها قد باتت ذات مكانة ونفوذ في سوريا الراهنة، وأنها قد تستفيد من نفوذها المستجد من أجل تعزيز دورها في دول ومناطق أخرى، بما في ذلك الولايات المتحدة ذاتها. 

على خلفية ذلك كله، يُمكننا فهم الحرص الأميركي على الذهاب نحو خيار التسوية السياسية. وبالطبع، ليس صحيحاً القول إن لقاءات كيري في موسكو كانت مجرد مناورة أميركية.

عناصر اتفاق جنيف
ودعونا الآن نرى ما هو بيان جنيف؟ في يونيو/حزيران 2012 وصف المبعوث الدولي والعربي السابق إلى سوريا كوفي عنان بيان جنيف بأنه "عبارة عن اتفاق على مبادئ مسار انتقال سياسي، يتحكم فيه السوريون".

صدر هذا البيان عن اجتماع احتضنه مقر الأمم المتحدة في جنيف، وضم وزراء خارجية الدول الدائمة العضوية في مجلس الأمن، والعراق وقطر والكويت وتركيا، والأمين العام للأمم المتحدة، والأمين العام لجامعة الدول العربية، والمبعوث الدولي إلى سوريا، وممثلة الاتحاد الأوروبي للشؤون الخارجية والسياسة الأمنية.

قال بيان جنيف، في بنده الرابع، إن مجموعة العمل اتفقت على "مبادئ وخطوط توجيهية للقيام بعملية انتقالية سياسية، تلبي التطلعات المشروعة للشعب السوري". وحدد البند الخامس من البيان معالم العملية الانتقالية على النحو التالي:

أ- تتيح منظوراً مستقبلياً يُمكن أن يتفق عليه الجميع في سوريا.
ب- تُحدِّد خطوات واضحة وفق جدول زمني مؤكد نحو تحقيق ذلك المنظور.
ج- يُمكن أن تنفَّذ في جو يكفل السلامة للجميع ويتسم بالاستقرار والهدوء.
د- يمكن بلوغها بسرعة، دون مزيد من إراقة الدماء، وتكون ذات مصداقية.

ظلت وثيقة جنيف طي النسيان عاما كاملا بسبب اختلاف الموقف الأميركي والروسي، فالأميركيون يرفضون مشاركة بشار في المفاوضات في حين يؤيد الروس حضوره

أما خطوات إنجاز العملية الانتقالية، فقد جرى تحديدها على النحو التالي:
أ- إقامة هيئة حكم انتقالية، يُمكنها أن تُهيّئ بيئة محايدة تتحرك في ظلها العملية السياسية، وأن تمارس كامل السلطات التنفيذية. ويمكن لهذه الهيئة أن تضم أعضاء من الحكومة الحالية والمعارضة، ومن المجموعات الأخرى. ويجب أن تُشكّل على أساس الموافقة المتبادلة.
ب- الشعب السوري هو من يقرر مستقبل البلاد. ولا بد من تمكين جميع فئات المجتمع ومكوناته من المشاركة في الحوار الوطني.  
ج- يُمكن أن يعاد النظر في النظام الدستوري والمنظومة القانونية السائدة حالياً. وأن تُعرض نتائج الصياغة الدستورية على الاستفتاء الشعبي العام.
د- بعد إقامة النظام الدستوري الجديد، من الضروري الإعداد لانتخابات، حرة ونزيهة وتعددية، لشغل المؤسسات والهيئات التي جرى تأسيسها.

وقالت الوثيقة إن أعضاء مجموعة العمل يعارضون "أي زيادة في عسكرة النزاع"، ويدعون الأطراف المختلفة لأن تكون جاهزة لتقديم "مُحاورين فعليين"، لتعجيل الوصول إلى تسوية "بقيادة سورية". وأن تكون العملية شاملة، كي يتسنى إسماع آراء "جميع مكونات المجتمع السوري" فيما يتعلق بصوغ التسوية السياسية، الممهدة للعملية الانتقالية.

ودون حاجة لمزيد من التفصيل، يُمكن القول إننا بصدد وثيقة تاريخية على قدر كبير من الأهمية السياسية والقانونية، والسؤال هو: لماذا ظلت هذه الوثيقة طي النسيان لنحو عام من الزمن؟
 
تلقائياً، تحال الإجابة إلى العبارة التي تقول إن الهيئة الانتقالية المزمعة "يجب أن تُشكّل على أساس الموافقة المتبادلة". هذه العبارة فسّرها الروس على أنها تصريح بمشاركة كافة الشخصيات السورية في العملية الانتقالية، بما في ذلك الرئيس السوري بشار الأسد وأفراد دائرته الضيقة. في المقابل، رفض الأميركيون هذا التفسير، ومعهم بقية القوى الغربية، كما رفضته أطراف المعارضة السورية ذاتها.

كيف تحوّل المسار؟
لقد ظل الروس على موقفهم، وإن كرروا عبارة أنهم غير متمسكين "بأفراد معينين"، في إشارة إلى الرئيس السوري. الأميركيون استمروا في القول إنهم لا يرون مكاناً للأسد في أية حكومة انتقالية. لكنهم قالوا لاحقاً –وهذا هو الجديد– إنهم لا يمانعون في أن يكون طرفاً في الحوارات الممهدة للعملية الانتقالية. إذاً، ثمة تغيّر ناعم قد حدث للتو في المقاربة الأميركية. 

وفي الأصل، كان الوزير كيري واضحاً في القول إنه من دون القبول بذلك فإن سوريا قد تكون في طريقها إلى التفكك، وإن ملايين إضافية من الناس قد يكونون في طريقهم إلى المعاناة. 

ولكن ماذا عن روسيا، هل ثمة ثمن دفعته مقابل هذا التغيّر الناعم في الموقف الأميركي؟ إضافة للحسابات الأميركية التي سبقت الإشارة إليها، فإن واشنطن ربما تكون قد حصلت من الروس على مقابل ما، يتصل بسوريا ذاتها، أو بقضايا أخرى في الساحة الدولية. وما يُمكن ترجيحه اليوم هو أن الأمر لا يرتبط بسوريا، بل بالجيوبوليتيك الدولي عامة. وهل هذه صفقة سياسية؟ الأمر ليس كذلك، بل هو نوع من التفاهمات العامة، التي تفرضها التحديات المشتركة.

إلى أين نحن ذاهبون؟
والسؤال الآن هو: هل سيعقد مؤتمر جنيف الثاني، الذي وعد به الوزير كيري؟ هذا ما يُريده الأميركيون والروس، وما تريده دمشق حليفة موسكو.

ولكن ماذا عن المعارضة السورية؟ لم تشارك المعارضة في مؤتمر جنيف الأول عام 2012، وكان ذلك خطأ في التقدير الدولي. اليوم هي مدعوة أميركياً وروسياً لمؤتمر جنيف الثاني، الذي سيكون عقده نتاج توافق دولي نادر، فإما أن تذهب وتقول ما تريد، وإما أن ترفض وتتعامل لاحقاً مع معطيات ليست طرفاً في صياغتها. بل حتى إذا قدر للمقاطعة أن تفشل المؤتمر من أساسه، فتلك أيضاً نتيجة سياسية لها تبعاتها المختلفة، التي قد لا تكون حميدة على أهلنا في داخل البلاد وخارجها.

الحوار لا يدور في جوهره بين مجموعة أطراف، بل بين طرفين، هما السلطة والمعارضة. لذا لا بد أن يكون هناك وفد ذو تمثيل عريض لكافة القوى والفعاليات الوطنية في الداخل والخارج

وقد يقول قائل إن مستقبل بلادنا تصنعه التطوّرات على الأرض. وهذا صحيح من حيث المبدأ. ولكن الصحيح أيضاً هو أننا لسنا في جزيرة معزولة، فهناك حراك دولي وإقليمي يؤثر علينا بأشكال مختلفة، وإذا كنا حريصين على تحديد صورة الداخل باتجاه إيجابي، فالأولى أن نسعى للتأثير على هذا الحراك.

ومن هنا، نحن نرى أن المشاركة في مؤتمر جنيف تمثل فرصة لا ينبغي تفويتها على شعبنا. وعلينا أن نستهدي بتجارب العالم من حولنا، ففيها قدر كبير من العبر، التي تساعدنا على قراءة الموقف قراءة متأنية لا انفعال فيها.

ونحن جميعاً ندرك اليوم أن أي وفد يذهب إلى جنيف لن يُعبر منفرداً عن كافة القوى والفعاليات الوطنية. بيد أن الحوار لا يدور في جوهره بين مجموعة أطراف بل بين طرفين، هما السلطة والمعارضة. لذا لا بد أن يكون هناك وفد ذو تمثيل عريض لكافة القوى والفعاليات الوطنية، وقادة الرأي العام، في الداخل والخارج. وهذه مهمة ليست سهلة، لكنها بالتأكيد غير مستحيلة.

لا بد أن يتحرك الجميع على هذا الأساس، إذ إن البديل عن الاتفاق بين القوى الوطنية هو فشل المؤتمر، بل ربما عدم عقده من الأساس. من جهته، فإن المجتمع الدولي معني بالدفع باتجاه التسوية السلمية، على النحو الذي يوفر على شعبنا المزيد من التضحيات، ويضع حداً لمعاناة طال أمدها.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.