التقدير الأميركي لبرنامج إيران النووي

تصميم بالعنوان: التقدير الأميركي لبرنامج إيران النووي

undefined

أولاً- التقديرات الخاصة بحجم اليورانيوم الإيراني
ثانياً- إشكالية الوسائط الناقلة
ثالثاً- الخيارات الأميركية بين الاحتواء والمصالحة

كيف تقدر الولايات المتحدة واقع وآفاق البرنامج النووي الإيراني؟ كيف تقارب خياراتها المختلفة حيال إيران؟ وأين أضحت مكانة الخيار العسكري من المقاربات السائدة؟

أولاً- التقديرات الخاصة بحجم اليورانيوم الإيراني
في العام 2009، عندما تولى الرئيس الأميركي باراك أوباما مهامه الرئاسية، كان الاعتقاد السائد لدى دوائر الاستخبارات الأميركية، أن لدى إيران مخزوناً من اليورانيوم المخصب يكفي لإنتاج قنبلة نووية واحدة. 

أما في نهاية العام 2011، فقد انتهت التقديرات الأميركية إلى القول بأن في حوزة إيران من هذا اليورانيوم ما يكفي لصنع أربع قنابل نووية، كحد أدنى.

ولكن هل إيران ماضية في طريق حيازة سلاح نووي؟ وإذا كان الأمر كذلك، فمتى ستصل إلى القنبلة.؟ 

من الثابت أن لدى إيران مخزوناً من اليورانيوم المنخفض التخصيب ما يكفي لصنع بضع قنابل نووية، بيد أنه من غير الواضح حجم اليورانيوم العالي التخصيب الذي بحوزتها

حتى اليوم، تتردد دوائر الاستخبارات الأميركية في إعطاء إجابة قاطعة على أي من السؤالين، خشية أن تقود استنتاجاتها إلى اتخاذ قرار بالحرب، على النحو الذي حدث مع العراق. 

ومن الزاوية العملية، ليس هناك من طريقة أكيدة لقياس الفترة اللازمة لوصول دولة معينة إلى مرحلة حيازة القنبلة النووية. وهناك ثلاث خطوات لا بد من اجتيازها على هذا الطريق، وهي: حيازة المعرفة الخاصة بتصميم القنبلة النووية، وامتلاك اليورانيوم العالي التخصيب الذي يُمكن استخدامه في التصنيع العسكري، والحصول على وسيلة إيصال حاملة لهذه القنبلة.

بالنسبة لإيران، ربما تكون قد امتلكت الخبرات العلمية القادرة على تصنيع القنبلة النووية، وهذا هو الراجح في التقديرات الأميركية.

من جهة أخرى، من الثابت أن لدى إيران مخزوناً من اليورانيوم المنخفض التخصيب يكفي لصنع بضع قنابل نووية، إذا خضع لمزيد من المعالجة. بيد أنه من غير الواضح حجم اليورانيوم العالي التخصيب الذي بحوزة إيران.

وما هي الفترة التي قد تصل فيها ذاتياً لحيازة هذا اليورانيوم -على افتراض عدم حصولها عليه حتى الآن- على النحو الذي يُمكنها من إنتاج القنبلة النووية؟

تشير التجارب العالمية إلى أن الدول الساعية للحصول على القنبلة النووية، عادة ما تتغلب على مشكلة اليورانيوم العالي التخصيب بإحدى طريقتين: الحصول على هذا اليورانيوم من دولة أخرى أو عبر السوق السوداء، واللجوء إلى فصل البلوتونيوم عبر إعادة معالجة اليورانيوم المستنفذ، المستخدم في محطات الطاقة النووية. وتكفي أربعة كيلوغرامات من البلوتونيوم لإنتاج قنبلة نووية بقوة عشرين كيلو طن.

بالنسبة لإيران، تشير التقديرات الأميركية إلى أنه حتى بافتراض عدم تمكنها من الحصول على نظائر يورانيوم صالحة للاستخدام العسكري من طرف خارجي، وعدم استطاعتها في الوقت ذاته فصل البلوتونيوم عبر إعادة معالجة اليورانيوم المستنفذ، سيكون الوقت كفيلاً بوصولها -كحد أدنى- إلى الإنتاج العسكري الذاتي من نظائر اليورانيوم، استناداً إلى وفرة مخزونها من اليورانيوم المنخفض التخصيب.

بيد أن هذا الاستنتاج لا ينهي المعضلة، فثمة تحدٍّ آخر يرتبط بمدى قدرة طهران على تصميم رأس حربي نووي يتلاءم مع صواريخها الحاملة.

ثانيا- إشكالية الوسائط الناقلة
نحن هنا بصدد معضلة مركبة، ترتبط بمدى القدرة على تصميم الرأس الحربي، ومدى توفر وسائط نقل هذا الرأس، ممثلة -بالنسبة لإيران- في الصواريخ البالستية على نحو شبه حصري، إذ ليس بمقدور طهران في المدى المنظور إنتاج صواريخ جوالة متوسطة المدى، أو حتى قريباً من ذلك. كما ليس من الوارد حصولها على طائرات قاذفة يُمكن استخدامها لهذا الغرض.

تقول التقديرات الأميركية إن إيران باتت قادرة على إنتاج صواريخ بعيدة المدى بمساعدة خارجية ضئيلة.

ويرى المركز القومي للاستخبارات الجوية والفضائية (NASIC)، أن الصاروخ "سفير-2" الذي أطلقته إيران في فبراير/شباط 2009 لوضع القمر الصناعي "أوميد" في المدار، يمكن استخدامه لاختبار تقنية الصواريخ البالستية البعيدة المدى، ويمكن تحويله إلى صاروخ عابر للقارات يحمل شحنات نووية.

ولعل المقصود بتقرير المركز القومي أن المحرك المستخدم في الصاروخ "سفير-2" يُمكن استخدامه مبدئياً في تصميم صاروخ عابر للقارات.

في الوقت الراهن، يعتبر الصاروخان "شهاب-3″، و"سجيل-2" أبرز الصواريخ المعروفة لدى إيران.

يتراوح مدى الصاروخ "شهاب-3" بين 1500 إلى 2500 كلم، وهو نسخة محسنة من الصاروخ "نودونغ" (Nodong) الكوري الشمالي، وقد دخل الخدمة عام 2007.

أما الصاروخ "سجيل–2" فيصل مداه إلى 2200 كلم، ويعمل بالوقود الصلب وهو مجهز بمحركين. ويُعد هذا الصاروخ من الناحية العملياتية، الأكثر تطوراً في منظومة الصواريخ الإيرانية، ويمكن توجيهه بواسطة الأقمار الصناعية.

يعد صاروخ سجيل–2 المرشح للاستخدام كحامل للقنبلة النووية الإيرانية، إذا جرى تصنيع هذه القنبلة قبل بلوغ إيران مرحلة الصواريخ البالستية البعيدة المدى، أو العابرة للقارات

وتتحدث التقارير الأميركية عن الصاروخ "سجيل–2" باعتباره المرشح للاستخدام كحامل للقنبلة النووية الإيرانية، إذا جرى تصنيع هذه القنبلة قبل بلوغ إيران مرحلة الصواريخ البالستية البعيدة المدى، أو العابرة للقارات.

في السياق ذاته، أشارت تقارير ألمانية إلى أن إيران حصلت من كوريا الشمالية على 18 صاروخا من طراز "بي.أم-25" القادر على حمل رؤوس نووية، وهو نسخة مطوّرة من الصاروخ الروسي "أس.أس.أن6" الذي يُمكن إطلاقه من الغواصات، والذي يبلغ مداه 2500 كلم.

ويقال إن هذا الصاروخ الذي يعمل بالوقود السائل، يعادل في خصائصه صاروخ "بولاريس" الأميركي الذي تطلقه الغواصات أيضاً. 

كما يتردد أن إيران حصلت أثناء انهيار الاتحاد السوفياتي، على ما يتراوح بين ستة وثمانية صواريخ جوالة (كروز) من نوع "كي.إتش55" الذي يطلق عليه حلف الناتو اسم "كانت". ويبلغ مدى هذا الصاروخ نحو ثلاثة آلاف كيلومتر، وهو بذلك يُعد معادلاً لصاروخ "توماهوك" الأميركي. ويرجح أن مصدر تسريبه أوكرانيا.

وغير بعيد عن هذا المناخ، كُشف النقاب قبل نحو عام من الآن، عن منشأة إيرانية لإنتاج ألياف الكربون، وهي مادة إستراتيجية لإنتاج أغلفة خفيفة الوزن لمحركات الصواريخ العاملة بالوقود الصلب. كما تستخدم في بناء أجهزة الطرد المركزي الخاصة بتخصيب اليورانيوم.

أياً يكن الأمر، فثمة خيط يفصل بين إمكانية إنتاج القنبلة النووية وبين إنتاجها الفعلي، وهذا الفاصل سياسي بالدرجة الأولى.

ترى التقديرات الأميركية أن إيران لم تقرر بعد صنع أسلحة نووية، لكنها تسعى لامتلاك التقنية التي تسمح لها بذلك.

وكان التقرير الاستخباري الأميركي لعام 2007 قد خلص إلى أن إيران كانت قد أوقفت سعيها لإنتاج سلاح نووي منذ بضع سنوات. وظل الاعتقاد على حاله في تقييم الاستخبارات الوطنية الصادر عام 2010، والذي استند إلى تقديرات 16 وكالات الاستخبارات الأميركية.

كذلك، تفيد التقديرات الأميركية بأنه حتى لو اتخذت إيران قراراً بصنع سلاح نووي، فإنها قد تبقى في حالة انتظار، وتجمع ما يكفي لبناء ترسانة صغيرة، إذ إن قنبلة واحدة لا يمكنها خلق معادلة ردع نووي متين.

من جهة أخرى، يرى الأميركيون أن إيران ربما تسعى عن قصد إلى ترسيخ إستراتيجية غموض نووي، عبر زرع الشك في نواياها النووية لدى الدول الأخرى، مما يتيح لها زيادة نفوذها الإقليمي. وكانت مثل هذه السياسة معتمدة من قبل الهند وباكستان، قبل إعلانهما الرسمي عن امتلاك السلاح النووي عام 1998.

ثالثا- الخيارات الأميركية بين الاحتواء والمصالحة
على صعيد الخيارات الأميركية للتعامل مع إيران وملفها النووي، قال الرئيس أوباما في أواخر فبراير/شباط الماضي، إن بلاده على استعداد للجوء إلى الخيار العسكري كملاذ أخير، إذا فشلت العقوبات والضغوط الدبلوماسية في ردع إيران عن تطوير سلاح نووي. 

بيد أن أوباما بدا حذراً في مقاربته لهذا الخيار، ورأى أن الدول عادة ما تميل إلى التخلي عن طموحاتها بتطوير أسلحة نووية من تلقاء نفسها، نتيجة لمراجعات إستراتيجية تقوم بها، وليس نتيجة لعمل عسكري يشن عليها. وضرب مثالاً على ذلك بليبيا وجنوب أفريقيا. 

وكان زعيم الجمهوريين في مجلس الشيوخ ميتش ماك كونيل، قد دعا الكونغرس إلى إجازة استخدام القوة ضد إيران.

وهنا، رد أوباما بالقول إن "هؤلاء الناس ليس لديهم الكثير من المسؤولية.. هؤلاء ليسوا قادة.. عندما أرى الاستهتار في حديث بعض هؤلاء الناس عن الحرب، أستحضِر تكاليفها".
 
وفي الولايات المتحدة -كما في أنحاء أخرى من العالم- يختلف الخبراء حول طبيعة الأثر الذي يُمكن أن تخلفه حملة قصف جوي على المنشآت النووية الإيرانية.

وهناك تقاطع بين معظم التقديرات التي أجراها علماء أميركيون، مفاده أن حملة من هذا القبيل لن تكون ذات نتيجة حاسمة. فإيران ستحتفظ حينها -وفق أغلب التقديرات- برأسمالها البشري وقاعدة الإنتاج الأساسية، وستكون قادرة على إعادة بناء برنامجها النووي. بل إن العمل العسكري قد يصبح عامل تحفيز لامتلاك السلاح النووي، وتوحيد الجبهة الداخلية خلف خيار من هذا القبيل. هذا فضلاً عن أن ضربة عسكرية لإيران قد تضع المنطقة أمام احتمالات حرب إقليمية، تجلب قدراً هائلاً من الدمار.

وفي ضوء هذه القراءة، ذهب بعض الخبراء الأميركيين إلى القول بأن الولايات المتحدة يُمكنها احتواء إيران حتى بافتراض امتلاكها سلاحاً نووياً، وذلك عبر وضع خطوط حمراء صارمة أمامها، يؤدي تجاوز أي منها إلى تعريضها لانتقام قاس وغير محتمل.

ومن هذه الخطوط أو المحظورات: استخدام إيران للسلاح النووي، أو نقله إلى طرف ثالث، أو غزو جيرانها، أو زيادة دعمها للمجموعات المسلحة غير النظامية.

بعض المسؤولين السابقين في البيت الأبيض يدعون إلى صفقة أميركية إيرانية تستند إلى فلسفة الحد الأدنى الممكن، وتنهي سياسة الحافة التي تنذر بالانزلاق غير المحسوب إلى الحرب

في السياق ذاته، دعا بعض المسؤولين السابقين في البيت الأبيض إلى "صفقة" أميركية إيرانية تستند إلى فلسفة الحد الأدنى الممكن، وتنهي "سياسة الحافة" التي تنذر بالانزلاق غير المحسوب إلى الحرب. وقال هؤلاء إن الصفقة المقترحة تقوم على ستة بنود، هي:

1- التجميد مقابل التجميد: أي تجميد تخصيب اليورانيوم مقابل تجميد العقوبات.
2- شراء إيران للوقود النووي من السوق الدولية.
3- وقف المناوشات بين السفن الأميركية والإيرانية في مياه الخليج.
4- التعاون في مجال مكافحة تهريب المخدرات من أفغانستان.
5- التعاون في مواجهة المجموعات العسكرية في العراق.
6- مشاركة إيران وإسرائيل في مؤتمر يهدف إلى جعل منطقة الشرق الأوسط خالية من أسلحة الدمار الشامل، ويكون في إطار معاهدة حظر الانتشار النووي.

وربما يكون بعض ما أورده هؤلاء الساسة حاضراً بالفعل في مقاربة الإدارة الأميركية الراهنة، بيد أن غياب الثقة حال حتى الآن دون بلورة مقاربة متكاملة للقضايا العالقة.

وما يُمكن قوله خلاصة، أن مضامين الصدام والاحتواء ما زلت متقاربة في سياسة الولايات المتحدة حيال إيران، أما خيارات المصالحة فتبدو في مرتبة متأخرة، وهي لا تزال أسيرة أروقة مراكز البحث العلمي الأميركية.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.