ضد كل الأعداء

عرض/ كامبردج بوك ريفيوز
هذا الكتاب قد يكون واحدا من المسامير التي سيقال عنها أنها دقت في نعش الرئيس الأميركي جورج بوش الابن إن سقط في الانتخابات الرئاسية القادمة.

فهو أكثر من إدانة مواقفية لما تبناه بوش وإدارته إزاء مسائل "الحرب على الإرهاب" والحرب على العراق وتقدير للمخاطر الإستراتيجية الأمنية التي تواجه الولايات المتحدة مطلع القرن الحادي والعشرين. بل هو أيضا تسجيل دقيق لمجريات الأحداث والتقارير والأوامر الرئاسية التي كانت تصدر تباعا منه ومن مساعديه للتعامل مع أكبر عملية تفجير ضد أهداف فوق الأراضي الأميركية منذ الحرب العالمية الثانية, أي تفجيرات الحادي عشر من سبتمبر/ أيلول 2001.

undefined

-اسم الكتاب: ضد كل الأعداء.. رؤية من داخل الحرب الأميركية ضد الإرهاب
تأليف: ريتشارد كلارك
-عدد الصفحات: 304
-الطبعة: الأولى 2004
الناشر: فري برس، الولايات المتحدة

وأهمية هذا التسجيل تأتي من كونه بقلم المسؤول الأول عن دائرة "مكافحة الإرهاب" والذي كان من ضمن الدائرة الضيقة المحيطة بالرئيسين بيل كلينتون وجورج بوش, وكان مناطا به رسم السياسة العامة ضد "الإرهاب المعولم" الذي تصاعد مع نهاية القرن الماضي وقفز إلى مقدم لائحة الأخطار والتهديدات التي صارت تراها واشنطن مصيرية ضد مصالحها بل ووجودها أيضا.

إن أهم ما يورده الكتاب هو تجاهل إدارة بوش لتهديدات القاعدة قبل الحادي عشر من سبتمبر/ أيلول رغم التحذيرات التي كان يقدمها ريتشارد كلارك وآخرون.

فبدل تركيز الاهتمام على القاعدة الذي ربما لو تم لكان بالإمكان كشف مخططات تفجيرات سبتمبر/ أيلول, كان فريق المحافظون الجدد الواصل إلى البيت الأبيض مهووسا بخلق مسوغات كافية للهجوم على العراق.

وفي قلب عملية صنع القرار الأمني والإستراتيجي كان هناك تياران يتنافسان في إثبات أيهما أكثر خطرا على مصالح الولايات المتحدة: الإرهاب العالمي وفي مقدمته القاعدة, أم العراق وشبكة الاتهامات ضده من امتلاكه لأسلحة الدمار الشامل وحتى مزاعم صلاته بالقاعدة والإرهاب وغير ذلك.

كان بول وولفويتز نائب وزير الدفاع الأميركي وأحد أهم صقور المحافظين الجدد حامل راية الحرب على العراق وعرابها الأهم. فقد كان يستهزئ بالتقارير التي تريد لفت الانتباه إلى القاعدة عوضا عن بغداد.

وعلى ما يذكر الكتاب، كان وولفويتز ومجموعة قريبة منه يتبنون نظرية غريبة وهامشية ظهرت في كتاب صدر بعد محاولة تفجير مركز التجارة العالمي بنيويورك سنة 1993 لمؤلفة يمينية هي لوري ميلروي.


بدل أن تستيقظ الإدارة الأميركية على خطر القاعدة وتعمل على تصفيتها توجهت إلى العراق, بما أدى إلى خسارة العالم الإسلامي وخلق ميدان معركة لم يكن موجودا من قبل لصالح القاعدة أنعشها ووفر لها شرايين حياة إضافية

في ذلك الكتاب بذلت ميلروي (ص 95) جهدا خارقا لمحاولة إثبات مسؤولية العراق عن ذلك التفجير, وأن رمزي يوسف الباكستاني المتهم الأول لم يكن سوى عميلا للمخابرات العراقية, وليس أحد عناصر الحركات الإسلامية القريبة من زعيم القاعدة أسامة بن لادن غير المشهور آنذاك.

كانت النظرية تقول إن الرئيس العراقي صدام حسين أراد الانتقام من الولايات المتحدة بعد الحرب فنظم ذلك التفجير. لكن الـ CIA والـ FBI لم يكونا على قناعة بضلوع النظام العراقي بذلك, فظل الاتهام يحوم في هوامش المتطرفين اليمينيين الذين كانوا حانقين على الرئيس جورج بوش الأب بسبب عدم إسقاطه لصدام حسين في حرب الخليج الأولى.

لذلك فإن فكرة الحرب على العراق تذهب أبعد بكثير من سنة 1998 التي يراها كثيرون كنقطة ارتكاز في فهم تطور ونضوج مخطط الحرب وإسقاط النظام العراقي.

وما يجادل فيه ريتشارد كلارك في هذا الكتاب هو سيطرة ما يمكن وصفه بعماء أيديولوجي غشى النظرة الإستراتيجية الأمنية وحرفها عن إدراك المخاطر الأهم القادمة من مصادر أخرى, القاعدة تحديدا. ويقول بوضوح إن الفريق الذي أؤتمن على أمن وسلامة الولايات المتحدة لم يقم بواجبه كما ينبغي, بدءا من الرئيس بوش ومرورا بمستشارته للأمن القومي كوندوليزا رايس ووزير دفاعه دونالد رمسفيلد ثم وولفويتز, ووصولا وامتدادا إلى دوائر أوسع في عملية صنع القرار.

ومن شبه المؤكد أن الهجوم الصاعق الذي يوجهه الكتاب لكل هؤلاء سيسبب ضررا كبيرا على صدقيتهم وعلى النظرة إليهم وسط الرأي العام الأميركي, وسيشار إليه كأحد العوامل التي ساهمت في إزاحة كل ذلك الفريق عن سدة الحكم في واشنطن.

لكن الكتاب لا يتوقف عند اتهام بوش وإدارته بالتقصير في التنبؤ بتفجيرات الحادي عشر من سبتمبر/ أيلول وعدم الاستعداد لها وفقط، بل إنه يمضي في الاتهام بالتقصير في مرحلة ما بعد التفجيرات ويقول بدل أن تستيقظ تلك الإدارة على خطر القاعدة وتعمل على تصفيتها توجهت إلى العراق, بما أدى إلى خسارة العالم الإسلامي وخلق ميدان معركة لم يكن موجودا من قبل لصالح القاعدة أنعشها ووفر لها شرايين حياة إضافية.

في أول الكتاب يعود كلارك إلى علاقة الولايات المتحدة مع العراق في بدايات الحرب العراقية الإيرانية، ويسرد كيف ساهم هو شخصيا مع فريق من إدارة الرئيس ريغان في رسم ما أطلق عليها آنذاك اسم "خيارات منع هزيمة العراق".

كان خوف واشنطن الرئيس قادما من احتمال انتصار إيران وما قد يؤدي إليه من تصدير الثورة الإسلامية في المنطقة، لذلك كان لا بد من دعم العراق وهو ما تم.

في سنة 1982 أي بعد الحرب بعامين أزال ريغان اسم العراق من لائحة الدول التي تؤيد الإرهاب، سمح ذلك لبغداد بالتقدم بطلب قروض وتسهيلات مالية من أميركا تدعم المستوردات العراقية من الولايات المتحدة.

وفي عام 1983 أرسلت واشنطن مندوبا من قبلها لزيارة العراق في إشارة لدعمها للموقف العراقي في الحرب مع إيران, وكان ذلك المندوب هو وزير الدفاع الحالي دونالد رمسفيلد.

وإثر تلك الزيارة بدأت تقارير الاستخبارات الأميركية والصور الجوية التي ترصد تحركات الجيش الإيراني تتدفق على بغداد في مساعدة أميركية مباشرة ضد الإيرانيين. وفي عام 1984 كانت العلاقات الدبلوماسية بين العراق وأميركا تستأنف بشكل كامل.

ولا يترك الكتاب مزيدا لمستزيد في مجال متابعة الدور الأميركي الاستخباراتي في أكثر من منطقة بالعالم, وخاصة ما له علاقة بتطور ما يسمى "الإرهاب الإسلامي" في مراحل لاحقة خاصة دعم الولايات المتحدة لمنظمات "المجاهدين" الأفغان ضد الاتحاد السوفياتي خلال الثمانينيات, وصولا إلى تزويدهم بصواريخ ستنغر.

لكن رغم أهمية ما يكشفه الكتاب, إلا أنه يظل في نفسه العام ملتزما خطا متطرفا وضيقا في تناوله لمسألة "الإرهاب". فهو عمليا يزايد على الإدارات الأميركية المتلاحقة ويأخذ عليها تلكؤها وعدم "ضربها" لهذا الإرهاب وهو في مهده.

فمنظور التحليل العام في الكتاب أمني محدد الرؤية, رغم محاولات مسطحة هنا وهناك لإدخال عناصر تحليلية لها علاقة بالسياسة الخارجية الأميركية وأثرها في نشوء هذا "الإرهاب".

إن ريتشارد كلارك مهموم بأمن الولايات المتحدة فقط. ومن أجل ذلك كان متحمسا جدا لضرب العراق أكثر من مرة خلال سنوات التسعينيات في حقبة كلينتون, وكان يتمنى لو أن أدلة كافية تجمعت لغزو العراق آنذاك. وهو من أنصار العلاجات الجراحية الصاعقة التي لا تتردد. لهذا فإن نقده لسياسات بوش في مكافحة الإرهاب ينطلق من موقع رجل الأمن المزايد, وليس من موقع السياسي الذي يرى أكلافا سياسية ودبلوماسية لتلك السياسة.

فهو يراها تنتج مخاطر أمنية أكثر, مثلا بروز العراق كميدان جديد للقاعدة وغيرها من المنظمات المسلحة. لكنه ليس مهتما بفكرة غزو دولة ذات سيادة وما يترتب عليها من انقلابات جيوبوليتيكية وسياسية, وارتباط ذلك بالأمن الكلي للمنطقة العربية والشرق أوسطية.

بل إن كلارك يبدو مناقضا لنفسه حين ينتقد سياسة بوش في استهداف قائمة من كبار مسؤولي القاعدة, على غرار قائمة ورق اللعب التي ضمت المسؤولين العراقيين والظن التفاخري الذي يتم تسويقه بأنه فور قتل أو أسر كل من في القائمة فإن الهدف يتحقق, وهو أمن وأمان أكبر للأميركيين.

وهو -أي كلارك- كان يريد إجراء عمليات التصفية في وقت مبكر, أي قبل أن يتطور "الإرهاب" إلى مرحلة يستعصي فيها على القلع.


زودت إسرائيل الأمم المتحدة والـ CIA بمعلومات تفصيلية عن برامج أسلحة الدمار الشامل العراقية في سنوات ما بعد تلك الحرب, وكانت تلك المعلومات أساس عمل فرق التفتيش الأممية

إضافة إلى ذلك, فإنه يبالغ بشكل مثير في توصيف خطر إرهاب القاعدة على الولايات المتحدة, حيث يصفه بأنه "خطر وجود" (existential threat). فمثل هذا التوصيف خفيف الوزن ولا يمكن الاقتناع به. إذ يمكن أن يقبل المرء وصفا بأن القاعدة تمثل تهديدا للمصالح الأميركية داخل وخارج أميركا، أو أن تمثل خطرا على أمن المدنيين الأميركيين في كل مكان. لكن أن توصف بأنها خطر على وجود أميركا, أو أن يستنتج مثل هذا الوصف من كتابه فإن في ذلك استخفافا بعقل القارئ.

الأمر الآخر اللافت في الكتاب في أكثر من فصل, هو الثناء المباشر أو المتضمن على إسرائيل. هذه المرة يأتي الإطراء من منظور أمني، فإسرائيل بالنسبة لكلارك كانت أكثر يقظة من الولايات المتحدة في مجال الانتباه للمخاطر العراقية أو الإرهابية على حد سواء.

فهي انتبهت للبرنامج النووي العراقي في منتصف السبعينيات, ثم دمرته في أواخرها. (وكلارك يصف ضابط المخابرات الإسرائيلي المشرف على تلك العملية أوصافا بطولية, لأنه عمل معه أوائل الثمانينيات في برنامج الشراكة الإستراتيجية الأميركية الإسرائيلية).

وإسرائيل كانت تحذر دوما من خطر "الإرهاب الإسلامي" في الوقت الذي كانت فيه الولايات المتحدة تظن أن تلك التحذيرات مبالغ فيها.

وإسرائيل كانت مستعدة لأي هجوم عراقي بأسلحة غير تقليدية كيميائية مثلا عن طريق توفير الأقنعة واللقاحات المضادة, بخلاف الولايات المتحدة التي لم تكن مستعدة لذلك والتي أرسلت جنودها للحرب ضد العراق في حرب الخليج الأولى وهم غير مجهزين.

كما أن إسرائيل هي التي زودت الأمم المتحدة والـ CIA بمعلومات تفصيلية عن برامج أسلحة الدمار الشامل العراقية في سنوات ما بعد تلك الحرب, وكانت تلك المعلومات أساس عمل فرق التفتيش الأممية. كما يشير كلارك إلى دوره في استصدار قوانين تحظر على الجمعيات الفلسطينية والإسلامية في الولايات المتحدة جمع التبرعات لأنها تصب في صالح "الإرهاب", ويفصل في كيفية ممارسته الضغوط على الجهات القانونية لحظر عمل صندوق الأرض المقدسة الفلسطيني.

يبقى أن كتاب كلارك مهم على صعيد النقاش الأميركي الأميركي, فهو في نهاية المطاف يصعد خلافا داخليا يمكن اعتباره داخل معسكر الصقور, وليس بين الصقور وخصومهم. لكن ما يثير الأسى أن التحليل السياسي غائب عنه, ويظل غير مفيد في أي إطار غير الإطار الأمني. فمعالجته للعلاقة مع العالم الإسلامي سطحية ورثة في آن معا.

المصدر : غير معروف