التهديد الإسلامي: خرافة أم حقيقة؟

عرض/ إبراهيم غرايبة
هذا الكتاب هو الطبعة العربية الثانية، وقد صدرت الطبعة الأولى منه عام 2001، وكانت طبعته الإنجليزية الثالثة قد صدرت عام 1998 مغطية معظم أحداث التسعينات مثل ظهور الأفغان العرب وأسامة بن لادن والعمليات العسكرية التي استهدفت مقرات الجيش الأميركي في السعودية والسفارات الأميركية عام 1998 والقصف الأميركي للسودان وأفغانستان وتفجير مبنى مركز التجارة العالمي عام 1993.


undefined-اسم الكتاب: التهديد الإسلامي: خرافة أم حقيقة؟
–المؤلف:جون ل. سبوزيتو، ترجمة: قاسم عبده قاسم
-عدد الصفحات: 421
-الطبعة:
الأولى 2002
الناشر: دار الشروق، القاهرة

ويدرس الكتاب الحركات الإسلامية تاريخيا وجغرافيا، ويناقش محاولات الإسلاميين المعاصرين من الإصلاحيين والتجديديين إعادة تفسير المبادئ الأساسية في الإسلام لتقدم حلولا جديدة وعصرية للمشكلات التي يواجهها المسلمون في العصر الحديث، ويعرض تاريخ العلاقة بين الإسلام والغرب، ويناقش فكرة الخطر الإسلامي.

وفي رأي المؤلف فإن التفكير النمطي والركون إلى الأفكار الجاهزة كانا وراء بروز خرافة التهديد الإسلامي بديلا عن التهديد الشيوعي.. وهو بالتالي يحاول الإجابة على أسئلة مثل: هل الإسلام والغرب على طريق تصادم حتمي؟ هل الأصوليون الإسلاميون متعصبون من النوع الذي عرفته العصور الوسطى؟ هل الإسلام والديمقراطية لا يتوافقان؟ هل تشكل الأصولية الإسلامية تهديدا للاستقرار في العالم الإسلامي وللمصالح الأميركية في المنطقة؟.

لقد استحوذت رؤية الجماعات الإسلامية المقاتلة من إيران إلى طالبان وأخيرا أسامة بن لادن على تصورات الحكومات الغربية ووسائل الإعلام، وقبل ذلك كانت العلاقات الإسلامية المسيحية على مدى التاريخ مليئة بالصراعات.

ويضع المؤلف التحدي أو التهديد الإسلامي في منظور شامل ويناقش حيوية الإسلام باعتباره قوة عالمية، وتاريخ علاقاته مع الغرب، ودراسة الحالة من البلاد الإسلامية والحركات الإسلامية تكشف عن تباين في الجغرافيا والسياسية والتوجهات الأيديولوجية والتنظيمية والتكتيك والسياسة الخارجية للصحوة الإسلامية.

ويمكن على ضوء ذلك صياغة أسئلة أخرى غير تلك التي وردت من قبل من مثل هل يتقاسم الغرب والعالم الإسلامي مصالح مشتركة وقيما مشتركة، أم أن هناك صداما في الرؤى العالمية يخيم على الأفق؟ هل الاتجاه للتحرر والديمقراطية في العالم الإسلامي من جانب الحركات الإسلامية مجرد وسيلة تكتيكية في سبيل غاية معينة؟ ما الذي ستكون عليه التزامات المجتمعات الإسلامية تجاه التعددية وحقوق الإنسان ووضع المرأة والأقليات؟ كيف يمكن لسياسة الولايات المتحدة أن تحول شبح التهديد الإسلامي إلى عملية متابعة لمستقبل عالمي مشترك؟


لماذا تتمتع الحركات الإسلامية بهذا التأييد واسع المدى؟ ولماذا كان التأثير الكبير للإسلام في دول تبدو علمانية مثل مصر ولبنان وإيران وتونس؟

بين الإصلاح والثورة
يطلق وصف الأصولية على الحركات الإسلامية والدول التي قامت على أساس إسلامي، وهو وصف مستمد من التسمية الغربية لحركات مسيحية تؤكد على حرفية الكتاب المقدس باعتباره أصلا للحياة والتعليم المسيحي، ولكن المشهد الإسلامي يبدي تنوعا وتعددا يجعل وصفه بالأصولية غير صحيح، فالسعودية وإيران وليبيا وباكستان والسودان كلها دول تستند إلى الإسلام وتقدم نماذج مختلفة عن بعضها في المواقف السياسية والعلاقة مع الغرب وفي التفكير والفقه والتشريعات أيضا، والملاحظ أن السعودية التي تلتزم مذهبا سلفيا متشددا تتخذ مواقف سياسية معتدلة من أميركا والغرب، وقد يكون تعبير التجديد الإسلامي والنشاط الإسلامي هو التسمية الصحيحة والمعبرة عن عملية إصلاحية وتجديدية لم تتوقف طوال التاريخ الإسلامي.

وقد عاود الإسلام الظهور باعتباره قوة عالمية مؤثرة ومحتملة خلال السبعينات والثمانينات من القرن العشرين، وكان مدى التجديد الإسلامي ومجاله على سعة العالم الإسلامي كله، والواقع أن الإسلام لم يكن مختفيا عن المسرح السياسي ولكنه دخل بقدر أكبر في السياسات والمجتمع الإسلامي.

وتشكلت خريطة إسلامية معقدة وشاملة من الحكومات والأحزاب والجماعات المتعددة الاتجاهات والمواقف والأفكار، وتعبر عن الصحوة الإسلامية الحديثة مظاهر عدة مثل: التدين والإقبال على المساجد والعبادات والحجاب، والنشاط الإسلامي، والمنظمات، والتشريعات، والبنوك، وخدمات الرعاية الاجتماعية، والمؤسسات الصحية والتعليمية.

وفي التسعينات تحول الإحياء الإسلامي من منظمات هامشية صغيرة إلى المشاركة السياسية والعامة في المجتمع والدولة والمؤسسات العامة كالبرلمانات والنقابات والبلديات، وتكونت طبقة جديدة من النخب الإسلامية المتعلمة والمؤهلة، وصارت الحركات الإسلامية متعددة الوجوه وحيوية فاعلة في كل بلد إسلامي تقريبا، وتعمل في الصحة والاستثمار والتعليم والنشر والإعلام والتنمية، كما شاركت القيادات الإسلامية في الحكومات والحياة السياسية القائمة.

وبدأت تتكون أسئلة جديدة مثل: لماذا تتمتع الحركات الإسلامية بهذا التأييد واسع المدى؟ ولماذا كان التأثير الكبير للإسلام في دول تبدو علمانية مثل مصر ولبنان وإيران وتونس؟.


كيف استخدمت الحكومات الإسلام؟ وكيف أثر تطبيق الإسلام على القوى المحركة وعلى تطور السياسات الإسلامية؟

الرد الإسلامي
يتسم القرن العشرون أساسا بالاستعمار الغربي للعالم الإسلامي ومقاومة هذا الاستعمار، وقد غير هذا الأخير الخريطة الجغرافية والمؤسسية في الشرق الأوسط، وشكل الدول الحديثة ورسم حدودها وفي معظم الحالات عين حكامها، ويجب عند النظر والبحث في موضوع الحركة الإسلامية الحديثة التعامل مع قضية الاستعمار باعتبارها أهم موضوع حاكم للتفاعلات ومجريات الأمور والأحداث في العالم الإسلامي.

كان الاستعمار الغربي صدمة كبيرة للعالم الإسلامي أدت إلى نشوء تيارات سياسية وفكرية للنهضة والتحرر مثل العلمانية المتغربة تقابلها الإسلامية التحديثية ويوفق بينهما اتجاه إصلاحي توفيقي يسعى للاستفادة من الغرب واستلهام الإسلام والتراث، هذه المداخلة تنشئ أسئلة جديدة ومهمة مثل: كيف استخدمت الحكومات الإسلام؟ وكيف أثر تطبيق الإسلام على القوى المحركة وعلى تطور السياسات الإسلامية؟ وكيف أساء الغرب التفسير وطور سياسات أعادت فرض النماذج النمطية للاستعمار الجديد المعادي للإسلام وأسهم في توسيع مدى القطيعة والاستياء؟.

ويعرض المؤلف بإسهاب قد لا يحتاجه القارئ العربي للتاريخ السياسي الحديث ودور الحركات الإسلامية والتوجه الإسلامي فيها مثل مصر وليبيا والسودان وإيران وتركيا وتونس والجزائر، ولكن استحضار هذه الأمثلة ضروري جدا لملاحظة واستذكار تفاعل الحركات الإسلامية مع الاستعمار ثم الحكم والإدارة ثم نشوء العنف والتطرف الإسلامي.

الحركات الإسلامية
كانت التنظيمات الإسلامية الحديثة هي القوة الدافعة للانتشار الحيوي للنهضة الإسلامية، كما كانت أيضا نقطة البؤرة أو التجسيد للخطر الإسلامي في عيون الحكومات الغربية وحكومات العالم الإسلامي على السواء، وبالنسبة للبعض تمثل الحركات الإسلامية بديلا حقيقيا لأنظمة سياسية أرهقها الفساد وعدم الفاعلية، وبالنسبة للبعض الآخر تمثل قوة عدم استقرار وتسعى للسلطة بأي أسلوب، وكانت ممارسات العنف لبعض الجماعات الإسلامية والحوادث الإعلامية المثيرة مثل احتجاز فريق السفارة الأميركية في طهران واغتيال السادات ثم سلسلة عمليات التسعينات مادة للتحليل والتعميم وإشاعة تصورات عن متعصبين دينيين متعطشين للانتقام والغضب المقدس.

ولكن الحقيقة أشد تعقيدا بكثير من الصورة الشائعة، فغالبية المنظمات الإسلامية تزعم حين يسمح لها بالتعبير عن نفسها بأنها تعمل من داخل النظام السياسي وتسعى إلى التغيير من أسفل من خلال عملية تدريجية للإصلاح، وكثير من الجماعات والحركات الإسلامية اليوم تتبنى التحرر والديمقراطية السياسية ويشارك أعضاؤها في الانتخابات ويخدمون في أجهزة الدولة ووزاراتها.

لقد كانت نزعة التجديد الإسلامي مكونا من مكونات التاريخ الإسلامي، وبهذا المفهوم فإن الحركات الإسلامية هي إحيائية تحديثية ترجع إلى المصادر الإسلامية وتحاول أن تستجيب إلى عصر جديد.

وتتنوع الجماعات الإسلامية الناشطة والتجارب الإسلامية وفي ذلك شهادة على مرونة الإسلام والإسلام السياسي على وجه الخصوص، ويكشف هذا التنوع بوضوح مدى قدرة الإسلام وتعدد التفسيرات واختلافها في سياقات محددة، وفي ظل تنوع الاقتصاد السياسي وشخصيات وطموحات زعمائها ومنظريها تبرز مشكلة المصطلح وتصبح اللافتات السهلة عقبة في سبيل الفهم، فلا يمكن لمصطلح الأصولية مثلا أن يشمل في وقت واحد القذافي والخميني وحسن البنا والمودودي والترابي والنميرى والسادات وضياء الحق وأسامة بن لادن وعمر عبد الرحمن وأيمن الظواهري رغم أنهم يملكون جميعا تجارب ورؤى تنتسب إلى الإسلام.


قد يكون تعبير التجديد الإسلامي والنشاط الإسلامي -بدل الأصولية- هو التسمية الصحيحة والمعبرة عن عملية إصلاحية وتجديدية لم تتوقف طوال التاريخ الإسلامي

وتفتقر الحركات الإسلامية إلى برنامج سياسي مطور، والتصريحات النظرية والأيديولوجية ليست مصحوبة غالبا بنماذج محددة للتغيير، وتميل الحركات الإسلامية إلى أن تكون أكثر تحديدا فيما هي ضده أكثر مما تسعى إليه، فبينما يتكلم الجميع عن النظام الإسلامي أو الدولة الإسلامية أو تطبيق الشريعة وعن مجتمع قائم على القيم الإسلامية فإن التفاصيل تكون غالبا غامضة، ويصدق هذا على الحركات الإسلامية القديمة مثل الإخوان المسلمين كما يصدق على الجماعات الأحدث، فبعد نجاح جبهة الإنقاذ في الجزائر وعندما سئل عباس مدني عن برنامجه وصفه بأنه برنامج عريض، ويختلف الإسلاميون الذين يتحدثون جميعا عن دولة إسلامية في فهمهم لطبيعتها، ويتحدثون عن أشكال متنوعة، ومعظم القادة يعترفون بأنهم في حالة وصولهم إلى السلطة فإنهم يفتقرون إلى الفريق المؤهل ولأنهم يعرفون أنهم غير جاهزين للحكم فإنهم يستريحون في مقاعد المعارضة أو مقاعد البرلمان، وبرغم النقد الموجه إليهم بأنهم فاشلون ولا يملكون رؤية وبرنامجا واضحا وأنهم أقلية في المجتمعات فإن أحدا لا يريد أن يقدم لهم الفرصة لإثبات فشلهم، وبدلا من ذلك ورغم نوبات البلاغة الديمقراطية تم إيقاف العملية الديمقراطية، وتفضل الحكومات الغربية أن تغض الطرف.

وعلى المستوى الأصغر فقد نجحت الحركات الإسلامية في الاستجابة لمسائل الهوية والإيمان والأصالة ولحاجات الكثيرين بتقديم خدمات تعليمية وصحية واجتماعية، وربما تكون الحركات الإسلامية معادية للغرب ولكنها لا تعادي التحديث، وقد وصلت الفجوة الخرافية بين الدين والتحديث.

وتتمتع الحركات الإسلامية بتأثير يفوق أحيانا حجمها وأعدادها، وتمتلك تنظيما جيدا ودوافع سامية، ويمثل الكثير من أعضائها درجة عالية من الاستقامة والتضحية والالتزام، ويقبل معظم الإسلاميين بالدولة الحديثة رغم ملاحظاتهم الكثيرة عليها، ويختلفون في موقفهم من الغرب فالإخوان المسلمون لا يرون مانعا في الحوار مع الغرب واقتباس تجاربه.


عاود الإسلام الظهور باعتباره قوة عالمية مؤثرة ومحتملة خلال السبعينات والثمانينات من القرن العشرين، وكان مدى التجديد الإسلامي ومجاله على سعة العالم الإسلامي كله، والواقع أن الإسلام لم يكن مختفيا عن المسرح السياسي ولكنه دخل بقدر أكبر في السياسات والمجتمع الإسلامي

وفي الآونة الأخيرة اتجهت معظم الحركات الإسلامية إلى موقف سياسي شعبي مشارك تعددي يؤيد الديمقراطية ويناصر حقوق الإنسان والإصلاح الاقتصادي ويرفض العنف ويتحدثون عن إعداد الشعب وتهيئته لنظام إسلامي بدلا من فرضه عليه.

وقد أثبتت التجربة أن العنف الإسلامي سببه سياسية الحكومات في العنف ومنع المشاركة السياسية ولم يكن العنف سوى رد على سياسات الحكومات، وأثبتت التجربة أيضا أن عنف الدولة وقمع التظاهرات وعمليات الاعتقال والتعذيب وإنكار حق الانتخابات النزيهة تزيد من حدة الاختلافات وتقسم التنظيمات والجماعات وغالبا ما ينتج عنها ردود واستجابات عنيفة وتسويغ للعنف المبرر بالدفاع عن النفس.

وكما تختلف السياسات الاقتصادية والسياسية والتجارب الوطنية من احتواء ومواءمة وقمع وعنف بالبلاد الإسلامية في العلاقة مع الإسلاميين تختلف التوجهات والإستراتيجيات والأيديولوجيات داخل الحركات الإسلامية ويمتد هذا الاختلاف إلى الموقف من الغرب والتحديث والمرأة والديمقراطية والتعددية والعنف بل وفي المواقف السياسية من الأحداث الجارية كما في حرب الخليج على سبيل المثال، وكما يقال عن الإستراتيجية والتكتيك في موقف وتعامل الحركات الإسلامية مع الديمقراطية والانتخابات فإن الشيء نفسه يقال أيضا عن الحكومات المهيمنة والنخب العلمانية.

المصدر : غير معروف