دراسات في الانتخابات النيابية الأردنية 1997

عرض/ منير عتيق
يحظى الكتاب بأهمية خاصة لأنه يقدم قراءات متنوعة ومن زوايا مختلفة للانتخابات النيابية لعام 1997، ويتتبع كل العوامل التي خلفت آثاراً إيجابية أو سلبية على العملية الديمقراطية في الأردن. ويعطي القارئ العربي عموما فرصة لمعاينة عينة انتخابية من بلد عربي اختزلت في ثناياها كل المعوقات التي يختزنها نظام الانتخاب العربي إذا وجد، لأنه في أغلب الدول العربية وفي أغلب الأحيان غير موجود.



undefined-اسم الكتاب: دراسات في الانتخابات النيابية الأردنية 1997
–المؤلف: مجموعة من المؤلفين
-عدد الصفحات:366
-الطبعة: الأولى
الناشر: مركز الأردن الجديد للدراسات، عمان


سوسيولوجيا الانتخابات
يؤكد الدكتور موسى شتيوي أستاذ علم الاجتماع في الجامعة الأردنية تدني أشكال المشاركة في الانتخابات نسبيا، تعبيرا عن تدهور العملية الانتخابية ودورها في مجمل عملية التحول الديمقراطي بشكل عام، إذ بلغت عام 1997 ما نسبته 45%، وفي عام 1989 بلغت 54%، وفي 1993 بلغت 55%، إلا أنه يقول إن هذه النسبة لا تختلف كثيرا عن نسبة الاقتراع في الانتخابات البرلمانية الأردنية لدورتي 1989 و1993، ولا عن بعض الدول العربية الشبيهة "مصر والمغرب"، لكنها مخيبة للآمال في دولة كالأردن شهدت بدايات التحول الديمقراطي.

ويلفت شتيوي الانتباه إلى تدني نسبة المشاركة في المدن أكثر من الأرياف والبادية "بسبب ضعف الطبقة الوسطى في الأردن وعدم قدرتها على فرز أحزاب سياسية تمثل مصالحها وبالتالي ضعف مشاركتها بشكل عام، أو أن الأحزاب السياسية التاريخية "القومية -اليسارية-الإسلامية" هي الصوت الحقيقي للطبقة الوسطى وضعف مشاركتها يأتي انعكاسا لهذا الوضع، مع أنه يرى في الشق الأول أكثر صحة ويشير إلى أن العلاقة التاريخية بين السلطة السياسية والتجمعات الريفية والبدوية أقوى من علاقة السلطة مع الطبقة الوسطى. كما أن التواجد الكبير للأردنيين من أصل فلسطيني في المدن وضعف انخراط هؤلاء في العملية الانتخابية، ساهم في ذلك. ويرى أن ضعف الأحزاب السياسية عامة على المستوى الوطني ساهم في إضعاف الإقبال على الانتخابات وأدى إلى بروز دور العشيرة.

ويرى شتيوي أن جمود قانون الانتخابات الأردني واستمرار السلطة في الإشراف والإعداد للانتخابات، يجعل الحكومة وكأنها طرف في الانتخابات وليس حكما نزيها، ويرى أن البديل هو إشراف القضاء لإعادة الثقة في العملية الديمقراطية، وأن السعي إلى تطوير النظام الانتخابي وإصلاحه مرتبط بالحاجة إلى تطوير النظام السياسي وإصلاحه بشكل عام، حيث إن البرلمان لا يتمتع باستقلالية كافية عن السلطة التنفيذية حتى يتمكن من أخذ دوره في مجمل العملية السياسية. ويضيف أن تعثر العملية السلمية في فلسطين واستمرار الأزمة الاقتصادية والبطالة والفقر لها تأثير على إعاقة التحول الديمقراطي في الأردن، وأن الديمقراطية سوف تبقى ديمقراطية مقننة في الأردن في ظل ما تقدم.


تشابهت برامج المرشحين الفائزين وغير الفائزين، ولم تكن سببا في فوز أحدهم أو فشله

تحليل محتوى البرامج الانتخابية
ويعالج أكاديمي آخر هو الدكتور حلمي ساري تحليل محتوى البرامج الانتخابية لمرشحي الانتخابات النيابية ويقول إن برامج المرشحين الفائزين وغير الفائزين تركزت على قضايا اجتماعية وسياسية واقتصادية متنوعة، ولم تختلف جوهريا عن بعضها البعض.

ويشير إلى أن برامج المرشحين الفائزين وغير الفائزين تشابهت كثيراً وتناولت في الجانب الاجتماعي الاهتمام بالشباب والتعليم والتأمين الطبي والحد من البطالة ومحاربة الرشوة والفساد وقضايا المرأة، وهذه الأخيرة كانت العناية بها في المدن أكثر من الأرياف والبادية.

وفي المجال السياسي تم التركيز على الوحدة الوطنية وتعزيز العلاقة الأردنية مع العالم الإسلامي، ودعم الشعبين العراقي والفلسطيني، وعروبة القدس، ورفض التوطين. أما في الاقتصاد فقد احتلت في المقام الأول قضية الزراعة وتسهيل الاستثمار وتحسين معيشة المواطنين ودعم الاقتصاد الوطني وحماية الصناعة.

وبهذا فإن البرامج الانتخابية التي استخدمها المرشحون في حملاتهم الانتخابية لم تكن سببا في فوز المرشحين أو فشلهم، فهناك عوامل ومتغيرات أخرى لعبت دورا في النجاح والفشل.


قلة التخصصات في مجلس النواب سهل على الحكومة تحقيق اقتراحاتها القانونية، واقتراع الناخبين جاء داعما لانتخاب الوزراء والعسكريين المرشحين بما يؤشر على أهمية المنصب السابق

خصائص مرشحي الانتخابات
يتتبع الدكتور عدنان هياجنة الخصائص العامة لمرشحي الانتخابات النيابية من خلال السيرة الذاتية والمؤهلات العلمية والفئات العمرية والمشاركة السياسية.

فالنسبة العظمى لجميع المرشحين وعددهم 510 هم من الفئات العمرية (50-54) سنة وبلغت نسبتهم 23%، تلاها الفئة العمرية 45-49 ونسبتها 21%، ثم فئات عمرية 65 سنة عددهم خمسة، والفئات العمرية 30-39 سنة عددهم 65 مرشحاً بنسبة 14%.

لكن نتائج الانتخابات أعطت المؤشرات التالية:

  • 35% من النواب بين 50-54 سنة.
  • 23% من النواب 55-59 سنة.
  • 16% من النواب من الفئات العمرية بين 40-44 سنة.

وأظهر مؤشر التعليم أن 64% من الناجحين يحملون الدرجة الجامعية الأولى، والماجستير 9% والدكتوراه 8% والدبلوم 5%، وبلغ نسبة حملة الثانوية العامة 11%، وأقل من الثانوية 3%.

كما أظهرت النتائج أن 21% من النواب هم ممن كانوا في المؤسسة العسكرية الأردنية، و20% وزراء سابقون، و13% من تخصصات الطب والصيدلة، و13% تجار، و4% أكاديميون. كما بينت النتائج أن عدد الحزبيين الفائزين كانوا أربعة ونسبة المستقلين 95%.

فعينة الدراسة تقودنا إلى أن الناخبين لم يكترثوا بالدرجة العلمية، اعتقادا منهم أن التخصص العلمي والتحصيل ليست لهما أهمية عالية في النجاح، فالناخبون ينتخبون من يخدم مصالحهم لذا فإن معيار الكفاءة لم يكن العامل الحاسم في اختيار المرشح.

ويرى هياجنة أن قلة التخصصات في مجلس النواب سيسهل بل سهل على الحكومة تحقيق اقتراحاتها القانونية، وأن سلوك الناخبين جاء داعما لانتخاب الوزراء والعسكريين المرشحين بما يؤشر على أهمية المنصب السابق. وبالفعل فإن النسبة الكبرى من أعضاء المجلس النيابي هم من العسكريين والوزراء السابقين والأطباء وأصحاب الاستثمارات، ويشكلون 64% من المجموع الكلي لعدد أعضاء مجلس النواب (80).

ويبين هياجنة أن قلة نجاح الحزبين يعود إلى مقاطعة حزب جبهة العمل الإسلامي ومعظم أحزاب المعارضة المشاركة في الانتخابات، إضافة إلى ضعف الانتماء الحزبي. ورأى أن عمل النواب داخل المجلس أخذ في عين الاعتبار الابتعاد عن كل ما من شأنه إثارة غضب الناخبين في دوائرهم الانتخابية، والاتجاه نحو العمل الخدماتي والحفاظ على علاقات جيدة مع السلطة التنفيذية(الحكومة).


المجتمع الأردني بالأصل بدوي وفلاحي والمدن لم توجد إلا بعد الهجرات المتتالية، وبالتالي لم تشع بين غالبية سكان المدن قيم ثقافة الديمقراطية

السلوك السياسي والانتخابات
تؤكد الدكتورة بارعة النقشبندي على الترابط الوثيق بين الديمقراطية والبيئة الاجتماعية والثقافية وأن تطبيق الديمقراطية في الوطن العربي جاء في بيئات تتسم بسيطرة العلاقات القبلية والطائفية، والأردن جزء من هذا الوضع.

فالمجتمع الأردني هو بالأصل بدوي وفلاحي والمدن لم توجد إلا بعد الهجرات المتتالية، وبالتالي لم تشع بين غالبية سكان المدن قيم ثقافة الديمقراطية. ولهذا برزت العشائرية في انتخابات 1997 باعتبارها مؤسسة، في الوقت الذي عجز فيه النظام السياسي عن خلق الثقافة السياسية التي تمثل إرادة المواطنين، وبهذا لا نعجب من انتخابات عام 1997 عندما أظهرت ضعفاً في مشاركة الناس في الأحزاب السياسية وضعف الثقة بها. كما ضعفت المشاركة عموماً في مؤسسات المجتمع المدني وهو ما انعكس سلبا على انتخابات عام 1997.

وفي جانب آخر استنتجت الدكتورة بارعة أن اقتصار نجاح المرأة في البرلمان على سيدة واحدة فقط (توجان فيصل) يؤكد أن السلوك السياسي تجاه مشاركة المرأة سلوك عاطفي فحسب. وتجدر الإشارة هنا إلى أن في انتخابات 2003 ستة مقاعد مخصصة للمرأة، في محاولة لتفعيل مشاركتها في الحياة العامة ولا سيما السياسية منها.


القوى المقاطعة للانتخابات نجحت في تقليص رقعة الشرعية حول مجلس النواب، وهو ما عجل برحيل الحكومة التي أشرفت على الانتخابات بعد انفجار عدة أزمات أمامها

مقاطعة انتخابات عام 1997
إن قرار مقاطعة الإخوان المسلمين للانتخابات البرلمانية لعام 1997 جاء في مناخ تراجع الانفراج الديمقراطي في الأردن. وشجع قرار الإخوان ثماني أحزاب معارضة أخرى وعددا من مؤسسات المجتمع المدني فضلاً عن 80 شخصية أردنية بارزة، على اتخاذ موقف مماثل.

ويرى حسين أبو رمان أن أهمية قرار المقاطعة أنه صادر من قبل جماعة الإخوان المسلمين وهي التي تمثل أقدم القوى السياسية في الأردن وأكبرها نفوذا، فالجماعة حصلت على 16 مقعدا من أصل 80، وعلى 130935 صوتا في انتخابات 1993 من أصل 812916 صوتا، أي ما يعادل 16.1% من مجموع أصوات المقترعين. وفي انتخابات 89 حصل الإخوان على 316195 من أصل المجموع الكلي البالغ 2033821 أي ما نسبته 15.5%.

واشترطت الجماعة حينها للتراجع عن قرار المقاطعة إلغاء قانون الصوت الواحد ووقف التطبيع مع إسرائيل وإجراء إصلاحات دستورية والعمل الجاد على معالجة الأوضاع الاقتصادية وإطلاق الحريات الشعبية ووقف الإجراءات التعسفية ضد الأحزاب وإلغاء قانون المطبوعات المؤقت حفاظا على الحرية والديمقراطية.

ويذهب أبو رمان إلى أن القوى المقاطعة للانتخابات وفي مقدمتها الحركة الإسلامية نجحت في تقليص رقعة الشرعية حول مجلس النواب، وهو ما عجل برحيل الحكومة التي أشرفت على الانتخابات بعد انفجار عدة أزمات أمامها، مثل تلوث المياه واكتشاف عدم دقة معدلات النمو الاقتصادي. ولكن مناخ المقاطعة تبدد مع الوقت بفعل التطورات التي عاشها الأردن فيما بعد وأبرزها رحيل الملك الحسين ودخول البلاد في عهد جديد وتشكيل حكومة جديدة.

وبرغم هذا يرى أبو رمان أن المعارضة حققت في المواجهة مع الحكومة ومن خلال المقاطعة نجاحا نسبيا وإن كان مؤقتا، وأثبتت هي وقوى المجتمع المدني قدرتها على تحدي إدارة الحكم السياسية ومقاطعة الانتخابات. كما أن الحركة الإسلامية نجحت في تحشيد غالبية قواعدها خلف المقاطعة، وبرهنت على قدرتها السياسية رغم أنها مسجلة جمعية دينية وليس حزبا سياسياً.


السلطة التنفيذية خذلت الأوساط الاجتماعية والسياسية المستنيرة التي راهنت على إمكانية الإصلاح الديمقراطي السلمي، وسياساتها تستهدف التأثير على الانتخابات لتتوافق مع السياسة الخارجية للدولة

قراءة في انتخابات 1997
يرى هاني الحوراني أن انتخابات عام 1997 مثلث نقطة انعطاف مهمة في حياة الأردن السياسية، فقد عززت هذه الانتخابات القول بأن العملية الديمقراطية في الأردن تمر بأزمة حادة، وأثارت شكوكا حول إمكانية خروج هذه العملية من حالة التعثر.

فانتخابات 1997 حملت عددا من السمات السلبية، أبرزها إحجام نسبة عالية من المواطنين عن المشاركة في الانتخابات مما جعل نسبة المشاركة أدنى من انتخابات 1989 وانتخابات 1993، واقتصر عدد الأحزاب السياسية المشاركة فيها على خمسة من أصل 19، وقاطعها رسميا نصف الأحزاب فيما لم تتقدم خمسة أحزاب أخرى بمرشحين عنها، وهو ما دفع العديد من الأحزاب إلى التشكيك بشرعية النظام الانتخابي، وعزز أجواء المقاطعة، وشاعت مظاهر التدخل الرسمي والاستقطابات العشائرية، مما يدل على صعوبات التحول الديمقراطي.

فانتخابات عام 1997 أفرزت مجلسا نيابيا سمته العامة أقرب إلى المحافظة، ويتمتع بقدر محدود من التعددية السياسية والحزبية، ومعظم أعضائه انتخبوا على خلفيات تخلو من الأجندات والبرامج السياسية.

ويرى الحوراني أن نتائج الانتخابية أظهرت تراجعاً متزايداً للتعددية السياسية والحزبية في المجلس، بعدما أسهم قانون الصوت الواحد في الحد من فرص التنافس السياسية، وعزز دور القوى القادرة على أداء الخدمات ولا سيما أصحاب النفوذ والصلات القوية بالدولة، وتعزز أيضاً دور أصحاب القوة المالية والوجهاء المحليين.

ويخلص من هذا إلى ضرورة تطوير وتحديث النظام الانتخابي وتوفير التمثيل العادل للسكان في عدد مقاعد مجلس النواب، وإقرار قانون انتخابي مختلط يجمع بين التمثيل الفردي والنسبي، وضمان حياد السلطة التنفيذية في الإشراف على الانتخابات، والعودة إلى روح الوفاق الوطني، لأن الكلفة الوطنية الناجمة عن صياغة قانون انتخابي يهدف إلى عزل أو تحجيم المعارضة وإلى الحصول على أغلبية دائمة وموالية للحكومة، لا يشكل ضمانة حقيقية للاستقرار السياسي، عدا عن إضعافه للأداء البرلماني، وتجريد الشعب من إحدى وسائل الرقابة على السلطة التنفيذية.

ويتهم الحوراني السلطة التنفيذية بأنها خذلت الأوساط الاجتماعية والسياسية المستنيرة التي راهنت على إمكانية الإصلاح الديمقراطي السلمي وبناء مشروع حضاري وطني، من خلال رعاية وتنمية روح الوفاق الوطني واحترام الرأي الآخر وتشجيع المؤسسات وسيادة القانون والشفافية والمحاسبة. ويرى أن السياسات الحكومية تستهدف التأثير على الانتخابات لتتوافق مع السياسة الخارجية للدولة، وأنها بهذا باتت تفقد المواطن ثقته بجدية التزام السلطات التنفيذية بالعملية الديمقراطية.

ويشدد الحوراني على أن سياسة تحدي الأطر الحديثة لتنظيم المجتمع والحياة السياسية عن طريق إحياء العشائرية والعائلية والجهوية، واستدرار الولاء والصوت الانتخابي مقابل خدمات يؤديها المرشحون المقربون من أجهزة الحكومة، قد تقود إلى مكاسب سياسية مؤقتة للسلطة التنفيذية، لكنها في المدى البعيد تؤدي إلى ما نشهد بوادره الآن من إخفاق مجتمع كامل في بناء مؤسساته السياسية.

المصدر : غير معروف