يكاترينا الثانية

Yekaterina Alexeevna - الموسوعة

إمبراطورة روسية، حكمت بلادها مدة 34 عاما بعد أن أطاحت بزوجها الإمبراطور بيوتر الثالث. دخلت التاريخ ممثلة لعصر التنوير بروسيا التي شهدت في عهدها نهضة وتوسعا.

المولد والنشأة
ولدت يكاتيرينا أليكسيفنا (كانت تحمل اسم صوفيا فريدريك أوغست إنهالت) يوم 21 أبريل/نيسان 1729 في مدينة شتيتين التي كانت حينها جزءا من ألمانيا، لأسرة كان والدها عسكريا في دولة بروسيا (ألمانيا لاحقا)، أما والدتها ذات الأصول الروسية فكانت ابنة عم القيصر الروسي.

تميزت منذ نعومة أظافرها بالجنوح نحو المشاكسة. وقع عليها الاختيار لتكون زوجة لأحد أفراد العائلة الحاكمة في روسيا، في وقت كانت فيه القصور الأوروبية ميالة إلى التزاوج لتعزيز أواصر العائلات الحاكمة وخدمة المصالح العليا بين أنظمتها السياسية.

الدراسة والتكوين
تلقت يكاترينا علومها الابتدائية في المنزل وأجادت اللغات الإنجليزية والفرنسية والإيطالية، إضافة إلى الموسيقى والتاريخ والجغرافيا. كما انكبت -إثر وصولها إلى روسيا- على دراسة اللغة الروسية والأدب وأصول الديانة الأرثوذكسية.

التجربة السياسية
وصلت إلى روسيا في 1744 برفقة والدتها، والتقت لأول مرة مع الرجل الذي كـُتب عليها أن يكون زوجها، والذي أصبح لاحقا إمبراطور روسيا القيصرية.

أثارت إعجاب حاشية القصر الروسي عندما رفضت إحضار طبيب ألماني لعلاجها من التهاب الرئتين، وفضلت الاستعاضة عنه بمعالج روسي، فعزز هذا الأمر مكانتها في أوساط الطبقة الحاكمة، وأصبح اسمها -بعد أن اعتنقت الأرثوذكسية- يكاتيرنا تيمناً بقديسة تحمل نفس الاسم.

تزوجت في 21 أغسطس/آب 1745 بيوتر الذي كانت والدته إليزابيث تحكم روسيا في ذلك الحين، لكن النجاح لم يكتب لزواجها منذ أيامه الأولى، إذ كان بيوتر يميل إلى امرأة أخرى بينما ارتبطت هي أيضا بعلاقات عاطفية متعددة، مما أثار الشكوك لدى زوجها وحاشية القصر في أبوته للأطفال الثلاثة الذين أنجبتهم لاحقا.

اندفعت يكاتيرينا -متأثرة بأجواء العزلة والتوتر التي كانت تعيشها بضغط من حاشية البلاط- إلى التآمر من أجل عزل زوجها عند تسلمه العرش بعد رحيل والداته الإمبراطورة أليزيبث، وانخرطت في حبك المؤامرات مستعينة بأصدقائها وأنصارها والمستائين من سلوك بيوتر.

يقول بعض المؤرخين إنها أقامت قنوات اتصال سرية مع السفير البريطاني وليام، وحصلت منه على مبالغ مالية كبيرة مقابل الحصول على معلومات مهمة حول خفايا القصر الروسي، إذ دفعتها حاجتها إلى المال -وهي التي لم تكن لتكتفي بما يخصصه لها البلاط- إلى التعهد لإنجلترا بخدمة المصالح الروسية الإنجليزية المشتركة ضد فرنسا العدو المشترك.

أبعدت الإمبراطورة أليزابيث -عندما فاحت رائحة هذه الدسائس- بعض الرموز عن القصر واعتقلت شخصيات منهم، وطلبت من السفير البريطاني مغادرة روسيا، إلا أن هذه النكسة لم توقف يكاترينا عن التفكير في تنفيذ مخططها، فعكفت على بلورة تحالفات شخصية جديدة من حاشية القصر والمقربين منها.

باتت مستعدة لترجمة مخططها على أرض الواقع عندما توفيت الإمبراطورة أليزابيت 1761، مما مهد الطريق أمام بيوتر للجلوس على العرش وتولي حكم روسيا، وسرعان ما أدت الإجراءات التي اتخذها الإمبراطور الجديد بيوتر الثالث إلى تعميق استياء شرائح نافذة في البلاد بينها العسكر والكنيسة.

سارع خصومه لاتهامه بالتخلف العقلي واستخفافه بالحكم واحتقار روسيا، وهكذا تبلور تحالف مناسب لعزله عن السلطة، ولم تكن يكاترينا -التي حاكت العديد من المؤامرات- لتفوّت هذه الفرصة فبدأت عملية تحريض مكشوفة ضده، واستغلت غيابه عن العاصمة لتنتقل إلى سانت بطرسبورغ وتقود انقلابا أبيض ضد بيوتر الذي استسلم للأمر الواقع وأعلن تنحيه عن العرش في 28 يونيو/حزيران 1762.

بدت يكاترينا في أعين الحاشية سيدة مثقفة ومطلعة وذات حضور ونزيهة عانت طويلا من اضطهاد بيوتر وملاحقته، وتوجت إمبراطورة على البلاد في موسكو يوم 22 سبتمبر/أيلول 1762.

لم تتوان في طرح سياسة جديدة لإصلاح أوضاع البلاد تمثلت في نشر نظام تعليمي عصري، وتطوير النظام القضائي، وتعزيز النظام الأمني، والعمل على ضمان ازدهار الدولة وارتقائها إلى مستوى الدول الأوروبية، وكسب احترام العالم، وضمان مركزية الإمبراطورية.

حققت الكثير من برنامجها الإصلاحي متأثرة بأفكار المقربين منها أحيانا ومقتبسة الكثير من التجربة الأوروبية أحيانا أخرى، إذ قامت بإصلاح إداري وقضائي ظل قائما عمليا حتى اندلاع الثورة البلشفية في 1917، وضمت مناطق شاسعة إلى الإمبراطورية الروسية بعد حروب دامية مع الأتراك العثمانيين وغيرهم بما في ذلك شبه جزيرة القرم، فازداد عدد سكان روسيا من 23 مليون نسمة إلى 37 مليون.

عملت على تعزيز قدرات الجيش الإمبراطوري الروسي، وزادت عدد السفن والبواخر الحربية وعززت قوة الأسطول البحري، ورفعت مستوى تنمية التجارة الخارجية.

لكن هذه الإصلاحات -التي أجمع المؤرخون على وصفها بأنها "ثورة في القصر"- لم تشمل الشرائح المعدمة ولم تحل دون تردي وضع الفلاحين، مما أدى إلى حدوث تمرد وثورات للفلاحين فتعمقت الفروق الطبقية بشكل فادح.

الجوائز والأوسمة
حازت عشرات الأوسمة، أبرزها: وسام القديسة يكاترينا، ووسام القديس أندريه برفوزفانوفه، ووسام القديس جيورجي. وأقيمت لها عشرات التماثيل والنصب التذكارية في موسكو وغيرها من المدن الروسية الكبيرة. كما تناولت قصة حياتها عشرات الكتب ووثقتها عدة أفلام سينمائية وأعمال تلفزيونية.

الوفاة
توفيت يكاترينا الثانية يوم 6 نوفمبر/تشرين الثاني عام 1796.

المصدر : الجزيرة