"عقيدة برودي".. آلية أوروبية للتعامل مع كتالونيا

صورة الرئيس السابق للهيئة التنفيذية للاتحاد الأوروبي، رومانو برودي إلى جانب علم الاتحاد الأوروبي
الإيطالي رومانو برودي أنشأ "عقيدة برودي" عام 2004 (الأوروبية)

يشكل استفتاء انفصال إقليم كتالونيا حالة معقدة بالنسبة للاتحاد الأوروبي، باعتبار أن إسبانيا -العضو في الاتحاد- لا تعترف بشرعية هذا الاستفتاء، وتقول إنه انتهك الدستور الإسباني، ولأن الاتحاد نفسه يفتقد آلية رسمية للتعاطي مع حالات الانفصال داخل الدول الأعضاء.   

ونظم استفتاء استقلال كتالونيا في الأول من أكتوبر/تشرين الأول 2017 رغم قرار المحكمة الدستورية الإسبانية بإبطاله، وتقول حكومة الإقليم إن أكثر من 90% صوتوا لصالح الانفصال، وتؤكد السلطات الإسبانية أن نسبة الإقبال لم تتخط 43% من عدد الناخبين.

وتنص معاهدات الاتحاد الأوروبي على آلية قانونية تنظم انسحاب أعضائه منه، أدرجتها في "بند الانسحاب" من "المادة 50" بمعاهدة برشلونة، التي تم تفعيلها -أي المادة- بعد الاستفتاء على خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي.

لكن المعاهدات التأسيسية للاتحاد لا تتضمن المسار الذي يتعين سلوكه إذا حصل انشقاق لجزء من أراضي دولة عضو، الأمر الذي أثار الجدل بشأن مصير كتالونيا في حال أعلنت استقلالها عن إسبانيا، وهل ستكون عضوا في الاتحاد أم لا؟

وفي ظل غياب آلية قانونية للتعامل مع حالات الانفصال داخل الدول الأعضاء، تعتمد المفوضية الأوروبية منذ 13 عاما على ما تسمى "عقيدة برودي" أو "مبدأ برودي".

"عقيدة برودي"
أنشئت "عقيدة برودي" عام 2004 من قبل الإيطالي رومانو برودي، الرئيس السابق للهيئة التنفيذية للاتحاد الأوروبي، الذي أعلن أن "منطقة مستقلة حديثا تصبح من جراء استقلالها بلدا آخر بالنسبة إلى الاتحاد، ولن تطبق على أراضيها جميع المعاهدات منذ اليوم الأول لاستقلالها". وبالتالي، فإن الدولة التي تعلن استقلالها يتم إخراجها تلقائيا من الاتحاد الأوروبي.

وتنطبق "عقيدة برودي" بالمفهوم سالف الذكر على إقليم كتالونيا في حال أعلن استقلاله رسميا، حيث إن الإقليم نظم استفتاء الانفصال رغم اعتراض حكومة مدريد التي تقول إنه اخترق الدستور  الإسباني، وهذا يعتبر بدوره انتهاكا للقوانين التي تحكم المنظومة الأوروبية.

كما أن التصويت الذي جرى لم يستوف الشروط والضمانات التي تكون عادة مطلوبة في الاستفتاءات؛ "لجنة انتخابية ومستشارون ولوائح انتخابية عامة… إلخ".

ويستبعد المحامي المتخصص في القانون الأوروبي جان كلود بيريس -كما أوردت وكالة الأنباء الفرنسية- أن تعترف البلدان الأعضاء في الاتحاد الأوروبي بكتالونيا كدولة، ما دامت نشأت منتهكة القانون، خاصة دستور إسبانيا.

ويمكن للاتحاد الأوروبي أن يقبل عضوية كتالونيا إذا وافقت حكومة مدريد على تنظيم استفتاء جديد "شرعي" يحترم في نظرها الدستور الإسباني، ويؤدي في الأخير إلى إعلان استقلال تعترف به المجموعة الدولية، بدءا بالاتحاد الأوروبي.

وهذا السيناريو يبدو مستبعدا، في نظر مراقبين، في ظل تمسك سلطات مدريد بموقفها الرافض للاعتراف باستقلال الإقليم الكتالوني، وتلويح  رئيس الحكومة الإسبانية ماريانو راخوي في مقابلة صحفية باستخدام سلطاته الدستورية لتعليق العمل بالحكم الذاتي في كتالونيا لمنع تقسيم البلاد.

طلب العضوية
جاء في "عقيدة برودي" أنه يتعين على الدولة الوليدة أن تقدم ترشيحها لتصبح عضوا في الاتحاد، ثم تبدأ مفاوضات لضمها إلى الاتحاد الأوروبي بعد موافقة الدول الأعضاء الـ28 بالإجماع.

وبحسب رئيس المفوضية الأوروبية جان كلود يونكر في 14 سبتمبر/أيلول 2017، فإن الإقليم  الإسباني -في حال استقلاله- سيحتاج إلى تقديم طلب انضمام للاتحاد الأوروبي، وقال -في تسجيل على موقع يوتيوب نشرته شبكة يورونيوز- "إذا جاء التصويت لصالح استقلال كتالونيا، فإننا سنحترم هذا الرأي، لكن الإقليم لن يكون دولة عضوا في الاتحاد الأوروبي في اليوم التالي لمثل هذا التصويت".

ويشير المسؤول الأوروبي بذلك إلى صعوبة مفاوضات الانضمام للاتحاد الأوروبي، التي تشمل الالتزام بمعايير الاتحاد وقواعده والحصول على موافقة حكومات الدول الأعضاء؛ مما يعني أن إسبانيا يمكنها منع انضمام كتالونيا، إذا رغبت في ذلك.

مع العلم أن المفاوضات مع دولة انشقت عن دولة عضو في الاتحاد ستكون مختلفة عن المفاوضات الجارية مع دول البلقان أو تركيا، التي يطلب منها الاتحاد الأوروبي في البداية مواءمة تشريعاتها مع تشريعاته، والانسجام أيضا مع سياسته الخارجية، واحترام معاييره على صعيد حقوق الإنسان ودولة القانون.

ويرى دبلوماسي في بروكسل أنه في حالة كتالونيا سيكون الأمر بالتأكيد أقل صعوبة، بالنظر إلى وجود تقارب بينها وبين بقية الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي.

ومن جهة أخرى، يرى خبراء أنه لا مصلحة للأوروبيين -إذا ما حصل الاستقلال على الاعتراف- بالمضي قدما في تطبيق "عقيدة برودي"، ودعا القاضي الفرنسي إيف غونان في مقالة نشرتها مجلة "السياسة الخارجية" إلى أن تتغلب "الواقعية" على "العقيدة"، وأشار إلى أن "أكثر حل معقول سيكون التفاوض في آن واحد على الاستقلال والانضمام إلى الاتحاد الأوروبي".

ويلتزم الاتحاد الأوروبي بالحياد منذ اندلاع الأزمة بين كتالونيا ومدريد على خلفية استفتاء الانفصال، وفي السادس من أكتوبر/تشرين الأول 2017 وصف متحدث باسم المفوضية الأوروبية ما يحدث بأنه "شأن إسباني داخلي".

وبحسب صحيفة "لوموند الفرنسية" في عددها الصادر في السابع من أكتوبر/تشرين الأول 2017، فإن الأوروبيين يدركون حجم خطورة قضية كتالونيا، وما يمكن أن تشكله من عدم استقرار في إسبانيا، وتنقل الصحيفة عن دبلوماسيين في بروكسل قولهم إن السلطات الإسبانية نفسها لم تطلب الوساطة الأوروبية في صراعها مع الإقليم الذي يتمتع بحكم ذاتي.

المصدر : مواقع إلكترونية + وكالات