تشانغ آه.. "آهات" الصين تغزو الفضاء

A photograph of the giant screen at the Beijing Aerospace Control Center shows photo of the Yutu, or "Jade Rabbit" lunar rover taken by the camera on the Chang'e 3 probe during the mutual-photograph process, in Beijing December 15, 2013. REUTERS/Stringer
الصين تخطط لإطلاق مركبة فضاء تستكشف الجانب المظلم من القمر (رويترز)
أبت الصين إلا أن تكون ثالثة ثلاث دول ارتادت القمر، مؤكدة أنها ليست أقل شأنا من الولايات المتحدة ولا من روسيا اللتين سبقتاها إلى هذا الفضاء العلمي والتكنولوجي، حتى لو حمل برنامجها اسم "تشانغ-آه"، فآه الصينية هنا تعني التحدي لا التأوه الذي اعتاده الآخرون حسرة وعجزا.

استلهام الأسطورة
اختار القائمون على المشروع العلمي الفضائي الصيني لارتياد واستكشاف القمر اسم "تشانغ آه"، وهو اسم لشخصية تحولت إلى إلهة القمر في إحدى الأساطير الصينية القديمة تعود إلى عام 2170 قبل الميلاد٬ وتقول إن زوج تشانغ آه شعر بالأسف الشديد تجاه زوجته الحزينة٬ وسمع أن على جبل كونلون عشبا سحريا يستطيع الإنسان الذي يتناوله الصعود إلى السماء ليصبح إلها.

توجه الزوج المحب إلى جبل كونلون وجلب العشب٬ إلا أن كمية العشب لم تكف اثنين٬ ولم يكن يريد الصعود إلى السماء وحده٬ فحمل العشب إلى البيت وخبأه. لكن تشانغ آه لم تعد تحتمل الحياة الفقيرة والصعبة٬ وعثرت على العشب السحري عندما خرج زوجها من البيت فتناولته.

وفجأة٬ شعرت بأنها خفيفة جدا ورفرفت نحو السماء ووصلت إلى القمر في النهاية٬ ودخلت قصرا يدعى قوانغ هان قونغ وأصبحت إلهة السماء تعيش وحدها في القمر الهادئ واللطيف حتى اليوم٬ وتشتاق إلى زوجها وحياتهما السعيدة بين حين وآخر٬ خاصة في اليوم الـ15 من الشهر الثامن القمري حيث يصبح القمر بدرا.

غايات ووسائل
ومن الأسطورة إلى الواقع حيث حددت الصين مجموعة من الأهداف العلمية لمشروعها لارتياد القمر ولمهمة كل مسبار تطلقه لهذا الغرض من بينها، هي مسح ثلاثي الأبعاد لسطح القمر، وبحث خصائص ثرى القمر وطبقة التربة، وتحليل العناصر الموجودة على سطح القمر وتوزيعها، واستكشاف الظروف بين كوكب الأرض والقمر.

أما الوسائل التكنولوجية للمشروع فتضمنت تطوير أول مسبار يدور حول القمر وإطلاقه،
وتجربة التكنولوجيا اللازمة للدوران في مدار حول القمر، وتطوير نظام هندسي أساسي لاستكشاف القمر، واكتساب خبرة لعمليات استكشاف القمر المستقبلية.

مراحل
يتضمن برنامج الصين لاستكشاف القمر ثلاث مراحل، الأولى إرسال مسبار إلى القمر والثانية إطلاق سفينة فضاء نحوه لتحقق هبوطا لينا على سطحه، والثالثة إرسال سفينة فضاء واستعادتها وهي تحمل عينات من تربة وصخور القمر لإجراء أبحاث علمية عليها.

وترجمة لهذه المراحل المحددة سلفا انطلق يوم 24 أكتوبر/تشرين الأول 2007 أول مسبار قمري صيني أطلق عليه اسم "تشانغ آه -1″، وبلغ وزنه 2300 كيلوغرام، وجرى إطلاقه من برج الإطلاق رقم 3 في "قاعدة  شيتشانغ" لإطلاق الأقمار الاصطناعية فى مقاطعة سيتشوان الشرقية جنوب غرب البلاد بصاروخ حامل من طراز لونج مارش 3 (المسيرة الطويلة 3 أ).

ولم تنفذ عملية الإطلاق إلا بعد أن اجتاز الصاروخ الحامل "لونغ مارش" كافة الاختبارات التي تسبق الإطلاق، وتم نقلهما إلى موقع الإطلاق، وتولت مراكز المراقبة في البر والبحر، وأربعة مراصد فضائية مراقبة تشانغ آه-1. ونفذ مركز بكين للتحكم الفضائي تصحيحا مداريا لمسار "تشانغ آه -1" عقب حوالي تسعة أيام من إطلاقه.

ودخل المسبار المدار القمري في 5 نوفمبر/تشرين الثاني 2007، وظل يعمل حتى الأول من مارس/آذار عام 2009، حيث قرر القائمون على المشروع صدمه عن عمد بسطح القمر، لكن البيانات التي جمعها تشانغ آه-1 ساعدت في رسم خريطة ثلاثية الأبعاد للقمر مما ساعد في اختيار موقع هبوط المهمات اللاحقة خصوصا "تشانغ آه-3" الذي أطلقته الصين عام 2013.

تشانغ آه-2
في الأول من أكتوبر/ تشرين الأول 2010 أطلقت الصين مسبارا فضائيا ثانيا غير مأهولٍ سمته تشانغ آه -2 لاستكشاف القمر في مهمة لاحقة ومكملة لرحلة "تشانغ آه-1" وأنجزت تلك المهمة دراساتٍ عديدة لسطح القمر على مدار ارتفاعه 100 كيلومتر. 

كانت مركبة تشانغ آه-2 شبيهة بسابقتها تشانغ -1، لكنها حظيت ببعض التحسينات التقنية، بما فيها كاميرات تصوير أكثر تطورا بدقة متر واحد. وبلغت ميزانية مهمة تشانغ آه-2 حوالي 900 مليون ين (نحو 138 مليون دولار).

بعد أن أنهى مسبار تشانغ آه-2 مهمته الأساسية في استكشاف القمر، انتقل إلى مدار حول الشمس عند نقطة "لاغرانغ L2″، في 25 أغسطس/آب سنة 2011، بغرض اختبار نظام التحكم والتتبع الصيني، ولجعل إدارة الفضاء الوطنية الصينية ثالثة وكالة فضاء ترسل مركبة إلى تلك النقطة، بعد وكالتي الفضاء الأميركية "ناسا" والأوروبية "إيسا"، وبدأت إرسال المعلومات إلى الأرض من موقعها الجديد في شهر سبتمبر/أيلول من العام ذاته.

مكثت المركبة في النقطة ذاتها حتى شهر أبريل/نيسان 2012، حيث بدأت رحلة غير مخططة مسبقا إلى كويكب "4179 توتاتيس" فبلغته بنجاحٍ في شهر ديسمبر/كانون الأول من العام نفسه، وقد جعلت هذه الرحلة إدارة الفضاء الصينية رابعة وكالة فضاءٍ في العالم ترسل مركبةً لاستكشاف كويكب عن قُرب.

وحتى سنة 2014، كانت مركبة تشانغ آه-2 قد ابتعدت أكثر من 100 مليون كيلومتر عن الأرض، وهو أول "كويكب صناعي" صيني يتجه إلى الفضاء السحيق.

 تشانغ آه-3 
مهدت الرحلتان السابقتان (تشانغ آه -1 و2) لمهمة تشانغ آه-3 لاستكشاف القمر التي أطلقت بنجاح في 1 ديسمبر/كانون الأول 2013 من مركز شيتشانغ لإطلاق الأقمار الصناعية، وتتضمن المهمة جهاز هبوط آلي وأولى عربات الصين الفضائية.

وصلت تشانغ آه -3 إلى المدار القمري بعد خمسة أيام من إطلاقها، وهبطت على سطح القمر في 14 ديسمبر/كانون الأول 2013 لتصبح أول مركبة فضائية تجري هبوطًا ناعمًا لا يؤدي إلى تدمير المركبة الهابطة على القمر منذ مركبة الفضاء السوفياتية لونا 24 التي نفذت مهمتها في 1976.

وكما كانت الأسطورة الصينية حاضرة في تسمية المشروع كانت حاضرة أيضا في تسمية المركبة القمرية التي أطلق عليها اسم يويتو، أرنب اليشم، وهو اسم اختير عبر استفتاء على الإنترنت، ويأتي من أسطورة صينية عن أرنب أبيض أليف لدى تشانغ آه إلهة القمر.

وبعد مرور نحو عامين ونصف على نجاح المسبار الفضائي الصيني تشانغ آه-3 في الهبوط على سطح القمر، كشفت الصين في أبريل/نيسان 2016 عن مجموعة صور عالية الدقة وكاملة الألوان التقطتها كاميرا مثبتة على المسبار تعرض تفاصيل دقيقة عن سطح القمر.

خطط
المشاريع العلمية الفضائية التي تجريها الصين لارتياد القمر أغرتها بالمزيد، حيث أعلنت في ربيع عام 2016 عزمها إطلاق مهمة هبوط مركبة فضاء على الجانب المظلم من القمر، الأمر الذي سيكون -في حال تحققه- أول محاولة من نوعها للبشرية.

ويحظى الجانب المظلم من القمر بفضول علماء الفلك، وتم إطلاق العديد من مركبات الفضاء لمراقبته وظهرت أول صور له عام 1959، لكن لم يسبق أن استُكشف هذا الجانب البعيد غير المرئي من القمر، ولم تهبط أي مركبة عليه إلى حدود 2016.

وبحسب وكالة شينخوا الصينية للأنباء فإن الصين سترسل عام 2018 المركبة تشينغ-4 إلى ذلك الجانب الذي لا يمكن للبث الإذاعي من الأرض أن يصل إليه، مما يجعل منه مكانا جيدا للأدوات العلمية الحساسة، ونقلت عن رئيس برنامج استكشاف القمر ليو جيزونغ قوله إن المسبار المتجول تشينغ-4 سيُتم عملية هبوط ناعم في الجانب الخلفي من القمر، وسينفذ مسوحا في المكان وأخرى أثناء تنقله.

وبحسب ليو، فإن تنفيذ مهمة تشانغ-4 سيساعد الصين على أن تنتقل من دولة تتبع خطى الدول الأخرى إلى دولة تتولى الريادة في مجال استكشاف القمر. ويسعى الرئيس الصيني تشي جين بينغ إلى ترسيخ كون الصين قوة فضائية، ورغم أنها تؤكد أن ذلك لأغراض سلمية فإن وزارة الدفاع الأميركية (البنتاغون) تشتبه في غير ذلك.

المصدر : الجزيرة + مواقع إلكترونية