ما هو الدعم الحكومي للسلع؟

A customer counts Iraqi dinars at a money changer in Baghdad October 1, 2012. Many Iraqis have lost faith in their dinar currency but to some foreign speculators, it promises big profits. The contrast underlines the uncertainties of investing in Iraq as the country recovers from years of war and economic sanctions. Picture taken October 1, 2012. To match IRAQ-ECONOMY/DINAR REUTERS/Saad Shalash (IRAQ - Tags: BUSINESS POLITICS)
الهدف من الدعم الحكومي هو تمكين الفئات الأقل دخلا من الحصول على السلع والخدمات الأساسية (رويترز)
الدعم الحكومي مساعدة مالية ترصدها الدولة لدعم قطاعات إنتاجية أو خدمات لها طبيعة حيوية لكنها محدودة المردودية، ومن أهدافه كذلك توفير مواد استهلاكية أساسية أسعارها ليست في متناول الفئات الاجتماعية الأقل دخلا عبر صندوق يسدد الفارق بين سعر البيع والسعر الحقيقي للسلع.

الأهداف
يهدف الدعم الحكومي إلى التصدي لخلل آني في قطاع إنتاجي تعرض لهزة فجائية، فحين ترتفع أسعار المواد الأولية لقطاعٍ إنتاجي حيوي تتدخل الدولة لتثبيت الأسعار وإبقائها في متناول المستهلك والمنتج على حد سواء.

والهدف من الدعم الحكومي هو تمكين الفئات الأقل دخلا من الحصول على السلع والخدمات الأساسية عبر خفض أسعارها وفقَ آلية تقوم على تسديد خزينة الدولة للفارق بين السعر الحقيقي للمنتج أو الخدمة والسعر الذي يُحدد له باعتبار مستويات الدخل الدنيا، ويُسمى هذا النوع من الدعم بالدعم المباشر.

توجد أنواع أخرى من الدعم تقوم على دعم القطاع الإنتاجي من خلال استثمارات ميسرة من قبل الدولة تُمكنه من الانتعاش، وقد لجأت دول غربية منها فرنسا وإسبانيا وألمانيا والولايات المتحدة الأميركية، إلى هذا النوع من الدعم لإنقاذ القطاع المصرفي وقطاع السيارات وقطاعات أخرى مثل العقار في أوج الأزمة المالية العالمية بين 2008 و2012.

أحيانا يكون دافع الدعم الحكومي سياسي، ففي حال وقوع أزمة سياسية تلجأ بعض الأنظمة غير الديمقراطية إلى خفض أسعار المواد الاستهلاكية الأساسية لإشاعةِ جوٍّ من الطمأنينة وتصريف حالة الاحتقان القائمة، وهو ما يعتبره بعض الاقتصاديين "شراءً للسلم الاجتماعي".

والدعم الحكومي ليس هدفا لذاته وإنما هو آلية لحفظ التوازنات الاجتماعية كمدخلٍ أولي إلى تقليص الفوارق في الدخل بما يمكّن من الانتعاش الاقتصادي الشامل وتقارب مستويات الدخل لدى أغلب الفئات الاجتماعية المتوسطة والقليلة الدخل.

إشكالات
تبرز المحاباة واستغلال النفوذ في مقدمة التحديات التي يُثيرها موضوع الدعم الحكومي خاصة المباشر منه، فتحديد قطاعات التدخل والجهات المستفيدة في كل قطاع ودرجة استفادتها كلها إجراءات إدارية محفوفة بمخاطر الرشوة والتأثير واستغلال النفوذ والفساد المالي.

ففي حال وقوع أزمة طارئة في عدة قطاعات، يكون من الصعب الحسم بشكل موضوعي في القطاع صاحب الأولوية ثم الفاعل أو الفاعلين الأحق بالدعم.

وتعود هذه الصعوبات إلى تشابك المصالح وقوة النفوذ الذي يتمتع به عادة الفاعلون الاقتصاديون وعلاقاتهم المتشابكة عادة مع الساسة والأطر الإدارية، وهم أصحاب الكلمة الفصل في موضوع الدعم الذي تُقرَّر تفاصيله غالبا بعيدا عن الرقابة البرلمانية.

ومن الإشكالات التي يُثيرها موضوع الدعم الحكومي استفادة الفئات المستهدفة أي الفئات القليلة الدخل، فهي محدودة الاستهلاك ومن ثم فإن استفادتها من الدعم الحكومي للسلع تكون محدودة من الناحية الكمية على الأقل.

فشركات البسكويت والحلويات والمشروبات الغازية والفنادق والمطاعم تستهلك كميات من الزيوت والسكر والدقيق تفوق بكثير استهلاك الأسر المحدودة الدخل، كما أنَّ ملاك السيارات الفارهة والمصانع يستهلكون من المحروقات أكثر بكثير من استهلاك الأسر المحدودة الدخل.

وفي المحصلة، نجد أنَّ النسبة الكبرى من مخصصات الدعم تذهب لصالح الفئات الأقل حاجة إليها. وقد استبدَّ هذا الإشكال تحديدا باهتمام السلطات العمومية في البرازيل والهند في إصلاحها لصناديق الدعم الحكومية، وحُلّ الإشكال بإعداد لوائح على قاعدة الرقم الوطني مكَّنت من تحديد المستفيدين بالأسماء، وتزويدهم ببطاقات إلكترونية يُقدمونها عند شرائهم السلع المدعومة.

وفي المغرب، اتخذت السلطات إجراءات هدفها ضمان نجاعة أكبر وتسديد أدق للدعم الحكومي، لكن تلك التدابير اصطدمت بعائق رئيس هو غياب قاعدة بيانات إحصائية تُمكّن من تحديد المستفيدين وفق مستويات الدخل. وقد عمدت السلطات إلى حلّ مؤقت هو فرض تعويضات على المستهلكين الكبار للسلع الاستهلاكية الأساسية مثل المصانع وشركات المشروبات والحلويات والمطاحن والمطاعم ونحو ذلك.

خطوة انتقالية
والواقع أنَّ الدعم الحكومي خاصة المباشر والمستمر يُفترض أن يكون مرحلة انتقالية تنتهي برفع الدعم وفتح آفاق الانتعاش الاقتصادي. فالاستهلاك هو المدخل الأساس إلى الانتعاش الاقتصادي، ومعلوم أنّ الدعم يحدّ من الاستهلاك.

وربّما لا تستغني بعض القطاعات ذات الكلفة العالية والمردودية المحدودة عن الدعم، فمثلا تدعم الحكومة الفرنسية النقل العمومي في منطقة العاصمة باريس وذلك لكلفته العالية التي تجعله بعيدا من متناول كثير من الفئات الاجتماعية النشطة مثل بسطاء المستخدمين والطلاب، كما تدعم خزينة الدولة الفرنسية رحلات الطيران الداخلية نظرا لمحدودية مردوديتها.

وفي الولايات المتحدة تدعم الدولة على نطاق واسع القطاع الفلاحي وقطاع التنمية الحيوانية رغم تطورهما الكبير، لكن مخاطر التقلبات المناخية والكوارث الطبيعية تُشكّل خطرا داهما ومستمرا بالنسبة لهذين القطاعين.

آليات
قد يكون رفع الدعم كاملا كما هو الشأن في حال دعم قطاع أو شركة تواجه مصاعب مالية، فحين تنتهي أسباب الدعم ويستعيد القطاع عافيته يُرفع الدعم. وأحيانا يُرفع دعم السلع بشكل تدريجي وإن كان ذلك لا يخلو في الغالب من اضطرابات اجتماعية ولاسيما إذا كان رفع الدعم لا يُناسب تحسّن الأجور.

وفي بعض الأحيان تلجأ السلطات إلى نظام المقايسة وتسعير السلعة وفقا لتقلبات السوق الدولية. وفي هذا المقام، يُمكن الحديث عن تجربة المغرب في رفع الدعم الحكومي عن البترول التي تمت على مرحلتين الأولى استمرت عامين اعتُمد فيهما نظام المقايسة، وبدأت الثانية مطلع عام 2016 وأُسند فيها تسيير القطاع إلى المهنيين مع احتفاظ الدولة بدور رقابي وتنظيمي هدفه الإبقاء على الأسعار تحت سقف معين.

المصدر : الجزيرة + مواقع إلكترونية