"بربرة" الصومالية.. "أرض البخور والآلهة والعطور"

قوارب في ميناء بربرة (غيتي)

مدينة صومالية ساحلية على خليج عدن، ومن أقدم المدن التاريخية في القرن الأفريقي، وهي مرفأ هام لتصدير الصمغ العربي والجلود والماشية إلى عدد من بلدان العالم.

وقعت الإمارات مع حكومة "جمهورية أرض الصومال" عام 2017 اتفاقا لإنشاء قاعدة عسكرية بالمدينة.

الموقع

بربرة مدينة ساحلية شمالي الصومال، تقع في خليج عدن، وتبعد حوالي 260 كيلومترا عن جنوب اليمن.

التسمية

منح الرحالة والتجار القدامى على مر الحضارات مدينة بربرة العديد من الأسماء ذات المعاني المختلفة بسبب موقعها الجغرافي والإستراتيجي، منها "بلاد البربر" و"بلاد البنت" و"أرض الآلهة والعطور والبخور". ولقبها التجار الأفارقة أيضا بـ"بندر عباس" و"الشمس الملتهبة".

السكان

يقدر عدد سكان المدينة بحوالي 240 ألف نسمة، حسب تقديرات 2005 من عرقيات مختلفة.

ميناء بربرة يصدر الصمغ العربي والجلود والماشية لجميع أنحاء العالم (غيتي)

التاريخ

ذكرت المدينة الصومالية في العديد من المراجع التاريخية، فقد ذكرت في كتاب "الطواف حول البحر الإريتري" (البحر الأحمر لاحقا)، الذي صيغ على شكل مذكرات لرحالة يوناني مجهول زار المنطقة في القرن الأول الميلادي.

فقد امتدح بربرة -أو "ملاو" كما كانت تسمى قديما في بعض الخرائط- ووصفها بأنها مدينة تجارية هامة وتنعم بالسلام مقارنة بغيرها من المدن الساحلية.

وذكرها الرحالة ابن سعيد المغربي في رحلاته في القرن الثالث عشر، وذكرها المؤلف الصيني دواو جنقسي في القرن التاسع الميلادي، وأشار إلى أنها تشتهر بتجارة العبيد والعاج والعنبر.

كما رسمها الشريف الإدريسي المتوفى عام 1166م في خريطته الشهيرة للعالم القديم. وذكرها في كتابه "نزهة المشتاق في اختراق الآفاق" في مواطن كثيرة منها قوله "..وهي على البحر اليماني، وأهل قرى بربرة أكثر عيشهم من لحوم السلاحف البحرية وتسمى عندهم البسة".

الرحالة البريطاني ريتشارد بورتون زار بربرة مرتين قبل قدوم الإنجليز في عام 1855، وقال عنها "بربرة هي المفتاح الحقيقي للبحر الأحمر، وهي المركز الرئيسي لحركة المرور في شرق أفريقيا. والمكان الوحيد الآمن على الشاطئ الإريتري "البحر الأحمر". كما ذكرها ياقوت الحموي في معجم البلدان.

وجاء في كتاب انتشار الإسلام في أفريقيا جنوب الصحراء لعبد الله سالم بالزينة "أطلق عليها الدمشقي اسم "جزيرة بربرا" حيث يقول إن "جزيرة بربرا معمورة بالسودان المسلمين ومذهبهم زيدية وشافعية"، وأضاف أنه كانت "تأتي للمدينة العديد من القوافل من مختلف المدن الأخرى المحيطة بها تحمل من أنواع السلع".

نصب تذكاري في ميدان دارول (غيتي)

في إحدى المحطات البارزة، استولى البرتغاليون على مدينة بربرة عام 1518م ونهبوها، ثم استعادها العرب وأصبحت تابعة لأمراء "المخا" في اليمن، ثم ارتبطت بدولة البوسعيديين في عُمان. ومرّ منها العثمانيون والإنجليز أيضا.

وجعلت بربرة أيام الإنجليز عاصمة للمحمية البريطانية في الجزء الشمالي من الصومال، وصارت حلقة تجارية بين المنطقة والعالم الخارجي.

وكانت بربرة تعد أكبر وأهم مدن إقليم "أرض الصومال" قبل نقل العاصمة إلى مدينة هيرغيسا، وإعلان الانفصال من جانب واحد عن الصومال عام 1991.

الاقتصاد

لبربرة دور مهم في اقتصاد "أرض الصومال" ويصدر ميناؤها الصمغ العربي والجلود والماشية لجميع أنحاء العالم، وبذلك تعد بربرة الميناء التجاري الأول بالمنطقة.

وتستخدم إثيوبيا وفق اتفاق مع حكومة أرض الصومال -غير المعترف بها دوليا- ميناء بربرة في حركتها التجارية مستفيدة من قرب المدينة من باب المندب.

وحتى عام 1990 كانت شبكة الطرق تمتد من ميناء بربرة شمالا مرورا بالعاصمة الصومالية مقديشو إلى ميناء كسمايو على مسافة تقدر بـ21 ألف كيلومتر، 2600 كيلومتر منها معبدة، إلا أن هذه الشبكة تعرضت للإتلاف بسبب الحرب وعدم الصيانة.

المسجد العثماني القديم في منطقة الساحل (غيتي)

المعالم

عكس الطابع المعماري لـ"بربرة" ومنازلها القديمة بصمات حضارات سكانها، وأبرزها المنازل العثمانية، وتبهج المدينة زائريها بمآذنها الشاهقة التي امتازت بها المساجد المنتشرة في جنبات المدينة، والبالغ عددها نحو 75 مسجدا.

ففي حي دراولي القديم تتجلى العمارة العثمانية في معالمه وملامحه العتيقة، إذ تحدّث أزقة الحي ونوافذه وأبوابه عن نفسها، فيما تسرد القباب والمآذن بأقواسها الهندسية الجميلة حكاية عثمانيين مرّوا تاركين إرثا يغوص بأعماق التاريخ.

ورغم الدمار الذي لحق به على مر العصور، تتوسط الحي العشوائي مساجد عثمانية يعود تاريخ إنشائها لأكثر من قرنين، فيما تتزين تلك المساجد بقباب ومآذن شاهقة تحمل خطوطا تضفي على هيبتها جمالا.

ويبدو من التصاميم المعمارية التقليدية للمساجد أنها طراز عربي إسلامي بامتياز، صمد أمام قسوة الطبيعة والتغييرات الهندسية التي أدخلتها عليها عمليات ترميم نفذتها الحكومة المحلية تفاديا لزوالها من الوجود.

وتقول وزارة السياحة في أرض الصومال إن الحضارة العثمانية تعد من أقدم الحضارات التي مرت بهذه المدينة، وبات طابعها المعماري يهيمن على القسم الأكبر من مبانيها القديمة.

ورغم أن الملامح الأصلية لبعض المساجد تغيّرت نتيجة الظروف الطبيعية، بقيت أطلالها شاهدة على الحضارة العثمانية، بينما صمدت مساجد أخرى رغم مرور الأزمنة، وما زالت تحتفظ برونقها وجمالها الفريد.

بربرة تعد من أقدم المدن التاريخية في القرن الأفريقي (رويترز)

قاعدة إماراتية

توصلت أبو ظبي مع برلمان "جمهورية أرض الصومال" المعلنة من جانب واحد شمال الصومال في فبراير/شباط 2017 إلى اتفاق لإنشاء قاعدة عسكرية في مدينة بربرة على ساحل خليج عدن لمدة 25 عاما مع حق الوصول إلى مطار المدينة.

إلا أن الحكومة الصومالية رفضت الاتفاق المبرم بين الطرفين، واتهم المدقق العام التابع للحكومة الفدرالية في مقديشو نور فرح حينها الإمارات بـ"انتهاك القانون الدولي".

وقبل التوصل للاتفاق المذكور، أعلنت أرض الصومال عام 2016 عن صفقة بقيمة 442 مليون دولار مع شركة "موانئ دبي العالمية" لرفع مستوى الميناء في "بربرة"، وإنشاء مركز تجاري إقليمي على ساحل البحر الأحمر.

وفي مارس/آذار 2018 وقعت "أرض الصومال" مع شركة موانئ دبي وإثيوبيا اتفاقا ثلاثيا، بموجبه منحت "موانئ دبي" 51% من الأسهم، وأخذت "أرض الصومال" 30%، وبالباقي لأثيوبيا. وتم الانتهاء من المرحلة الأولى منه عام 2021 بما يمكّن الميناء من العمل بقدرة تشغيلية تصل إلى 500 ألف حاوية سنويا.

وفي عام 2024 وقعت إثيوبيا وإقليم أرض الصومال مذكرة تفاهم تمنح أديس أبابا حق استخدام واجهة بحرية بطول 20 كيلومتراً من أراضيها مدة 50 عاما، عبر اتفاقية "إيجار".

وتهدف إثيوبيا من وراء ذلك إلى إقامة قاعدة بحرية ومرفأ تجاري على البحر، وبالمقابل تعترف رسميا بـ"جمهورية أرض الصومال".

المصدر : الجزيرة + مواقع إلكترونية + وكالات