جزيرة لامبيدوزا الإيطالية.. بوابة المهاجرين من أفريقيا نحو أوروبا

A general view shows speed boats of Italian law enforcement agency Guardia di Finanza (GdF) and of the Italian Coast Guards on June 7, 2023 in the harbour of the island of Lampedusa, south of Sicily. (Photo by Vincenzo PINTO / AFP)
طوال قرون طويلة كانت جزيرة لامبيدوزا ميناء طبيعيا للبحارة قبل أن تصبح محطة عسكرية وأمنية للحدود الأوروبية (الفرنسية)

جزيرة في أقصى جنوب إيطاليا، ظلت في قلب الصراعات والهجرات في البحر الأبيض المتوسط منذ القدم. وتمثل اليوم مصدر توتر بسبب توافد قوارب المهاجرين غير النظاميين القادمين من السواحل الأفريقية في اتجاه الأراضي الأوروبية.

الموقع والخصائص

تقع جزيرة لامبيدوزا في البحر الأبيض المتوسط على خط العرض 35، وتمثل أقصى امتداد لإيطاليا إلى الجنوب، وتقع شرق السواحل التونسية وغرب سواحل مالطا. وهي أكبر مجموعة من 3 جزر إيطالية تسمى الأرخبيل البلاجي، تضم أيضا لينوسا ولامبيوني وتتبع إداريا لمنطقة صقلية.

تعد الجزيرة أقرب إلى تونس، حيث تبعد نحو 133 كيلومترا عن الساحل التونسي و176 كيلومترا عن مالطا، في حين تبعد 205 كيلومترات عن ميناء إمبيدوكلي بصقلية، التي تعد أقرب جزء من الأراضي الإيطالية إلى الأرخبيل.

يبلغ أقصى ارتفاع في الجزيرة فوق مستوى سطح البحر 133 مترا. ويبلغ أطول امتداد لها 11 كيلومترا، وأقصى عرض لها يناهز 3 كيلومترات، في حين تبلغ مساحتها الإجمالية نحو 20 كيلومترا مربعا.

تعد من الناحية الجيولوجية أقرب إلى الصفيحة القارية الأفريقية، ويتكون سطحها من تربة كلسية كانت إلى وقت قريب نسبيا ذات غطاء من الأحراش، لكنها باتت مكونة من الصخور العارية.

وجعلها موقعها في البحر المتوسط ميناء طبيعيا للبحارة طوال قرون، وتحولت في العقود الأخيرة إلى مكان ذي حضور عسكري وأمني كبير حيث تشكل نقطة ارتكاز في إنفاذ سياسة الحدود الأوروبية.

المناخ

تتميز الجزيرة بصيف دافئ وجاف وشتاء بارد يتخلله هبوب الرياح. وتتراوح درجات الحرارة سنويا بين 12 إلى 29 درجة مئوية، ونادرا ما تنخفض إلى 9 أو تزيد على 32 درجة.

يمتد الفصل الدافئ من أواخر يونيو/حزيران إلى أواخر سبتمبر/أيلول، ويكون فيه متوسط درجات الحرارة القصوى فوق 26 درجة مئوية، ويكون أغسطس/آب أكثر الشهور دفئا.

أما الشتاء فيبدأ في أوائل ديسمبر/كانون الأول ويستمر إلى منتصف أبريل/نيسان، مع متوسط درجات حرارة قصوى 18، ويكون فبراير/شباط الأكثر برودة. ويشهد ديسمبر/كانون الأول أكثر التساقطات المطرية بمعدل يناهز 45 مليمترا.

السكان

شهد عدد سكان الجزيرة تقلبات عديدة على مر التاريخ تبعا للظروف السياسية والعسكرية التي أحاطت بها، ووفقا لبيانات عام 2019 يبلغ عددهم 6 آلاف نسمة. وقد اعتمد السكان في عيشهم عبر التاريخ على الصيد والتبادلات مع المناطق المجاورة لا سيما مع تونس ومالطا، وفي العقود الأخيرة نشط قطاع السياحة وتحول إلى المصدر الرئيسي الذي يعتمد عليه عيش السكان.

جزيرة الأرانب في لامبيدوزا بإيطاليا (أسوشيتد بريس)

الاقتصاد

ظل اقتصاد الجزيرة قائما على الصيد البحري وقد ازدهر فيها صيد الإسفنجيات منذ نهايات القرن الـ19، كما تعلّب فيها أسماك السردين وأسماك الأنشوجة المعدة للتصدير.

وإلى حدود ثمانينيات القرن الـ20، ظل الصيد البحري يمثل مصدر الدخل الرئيسي للسكان، قبل التحول إلى السياحة التي شجعها تنوع الحياة البحرية والطبيعة الساحرة للجزيرة. وقفز عدد السياح الذين يزورون الجزيرة سنويا من نحو 700 عام 1967 إلى زهاء 30 ألفا عام 2016.

وبسبب فقر التربة ونقص المياه ومحدودية المساحة يظل القطاع الزراعي محدودا، لكن الجزيرة تضم أودية خصبة تشهد بعض الأنشطة الزراعية بما فيها زراعة العنب والقمح.

كما تعد مرافق إنقاذ سياسة الحدود الأوروبية عنصرا مهما في اقتصاد الجزيرة، التي ينخرط كثير من سكانها بالعمل في منشآت استقبال واحتجاز اللاجئين وفي منظمات الإغاثة، وبات اقتصادها يرتبط بشكل متزايد بهذه المنظومة.

التاريخ

للجزيرة تاريخ راسخ في القدم مع الأقوام المشاطئة للبحر الأبيض المتوسط حيث مر بها الفينيقيون والإغريق والرومان والعرب والمسلمون. وتضم الجزيرة بقايا أركيولوجية، بما في ذلك أساسات بدائية من حقب ما قبل التاريخ ومقابر بونيقية ومبان رومانية.

وكان الأرخبيل البلاجي الإيطالي، الذي تمثل لامبيدوزا أكبر جزره، موضعا لصراعات القوى البحرية والقراصنة على خطوط التجارة بين شمال أفريقيا وصقلية والضفاف الشمالية للمتوسط.

استغل الرومان الجزيرة لمعالجة الأسماك كما كان للعرب والعثمانيين فيها حضور معتبر، وقد استمر المسلمون لفترة في استخدامها بالغارات عبر المتوسط حتى بعد أفول الحكم العربي في صقلية الذي أرسته دولة الأغالبة.

A general view shows speed boats of Italian law enforcement agency Guardia di Finanza (GdF) and of the Italian Coast Guards on June 7, 2023 in the harbour of the island of Lampedusa, south of Sicily. (Photo by Vincenzo PINTO / AFP)
قوارب وكالة إنفاذ القانون الإيطالية وخفر السواحل الإيطالي في ميناء جزيرة لامبيدوزا (الفرنسية)

وفي عام 1436 منح ملك أراغون ألفونسو السيادة على الجزيرة لبارون مونتيكيارو، الدون جيوفاني دي كارو. وفي عام 1667 منح ملك إسبانيا لقب أمير لامبيدوزا ولينوسا إلى جوليو توماسي الذي كان يملك الجزيرة وكان أحد نبلاء صقلية، واستمرت سيادة هذه العائلة عليها.

وبقيت الجزيرة مهجورة في فترات طويلة، ووفق الموسوعة البريطانية زارها السياسي والرحالة الإنجليزي جون مونتاغو عام 1737 ووجد شخصا واحدا يسكنها.

وفي عام 1760 وصل إلى الجزيرة مستوطنون فرنسيون ثم آخرون من مالطا، ومن ثم أقامت في الجزيرة مجموعات صغيرة من المزارعين المالطيين والإنجليز.

وبعد قرون راوحت فيها بين الهجران وسيطرة مختلف القوى المشاطئة للمتوسط، آلت لامبيدوزا إلى حكم آل بوربون ملوك صقلية، بعد أن اشتراها فرديناند الثاني المعروف بملك الصقليتين عام 1843 وأسكن فيها نحو 150 شخصا من المزارعين والحرفيين من أجل تحويلها إلى مستعمرة زراعية.

استقبلت الجزيرة إذاك مهاجرين رغبوا في الحصول على أراض فيها، لكنها ما لبثت أن أصبحت عام 1861 جزءا من المملكة الإيطالية. وبعد توحيد إيطاليا، ألغت الحكومة ملكية الأرض التي منحت للسكان لكن أغلبهم بقي في الجزيرة.

وأثناء الاحتلال الإيطالي لليبيا، وخلال حكم النظام الفاشي، استخدمت إيطاليا الجزيرة مستعمرة عقابية لسجن وإبعاد الأسرى والمعارضين والأشخاص المعاقبين بالنفي والأعمال الشاقة.

وخلال الحرب العالمية الثانية سيطرت قوات بريطانية وأميركية من الحلفاء في يونيو/حزيران عام 1943 على لامبيدوزا بعد أن استسلمت القوات الإيطالية المرابطة فيها.

ومع كونها جزءا من التراب الإيطالي منذ منتصف القرن الـ19، فقد ظل ارتباطها بالسواحل الأفريقية، ولا سيما التونسية، أقوى من ارتباطها ببقية أجزاء منطقة صقلية، وهو وضع شهد تغييرا كبيرا مع أزمة الهجرة غير النظامية وإنفاذ سياسات الحدود الأوروبية.

لامبيدوزا وأزمة الهجرة

بسبب قربها من أفريقيا تحولت لامبيدوزا مع مطلع الألفية إلى مقصد رئيسي للمهاجرين غير النظاميين القادمين من أفريقيا عبر المتوسط إلى أوروبا. ووفقا لبيانات وزارة الداخلية الإيطالية وصل إلى الجزيرة 356 مهاجرا عام 1999 مقابل 9669 عام 2003.

وبين 2003 و2008 استقبلت الجزيرة 75% من المهاجرين الذين أوقفوا على الحدود البحرية الإيطالية، فيما شهد عام 2008 ارتفاعا كبيرا في أعداد القادمين إليها حيث قاربت 31 ألفا.

تراجعت أرقام المهاجرين القادمين إليها بعد ذلك إلى أقل من 3 آلاف مهاجر سنويا عام 2009 ثم إلى أقل من 500 عام 2010 بعد جهود دبلوماسية باشرتها روما للحد من الهجرة غير النظامية.

وزادت أحداث الربيع العربي أعداد المهاجرين من تونس وليبيا. وقد سجلت لامبيدوزا مطلع عام 2011 رقما قياسيا بوصول أكثر من 50 ألف مهاجر غير نظامي إليها.

وفي المجمل وصل إلى إيطاليا نحو 780 ألفا بين 2009 و2017 من بلدان مختلفة أبرزها سوريا وتونس والسودان وإريتريا ونيجيريا ومالي وغامبيا. وتنطلق أغلب الزوارق التي تقلهم من السواحل الليبية أو التونسية في رحلة محفوفة بالمخاطر خلفت كثيرا من المآسي والضحايا.

وفي أواسط سبتمبر/أيلول 2023 وصل إلى الجزيرة نحو 120 زورقا صغيرا في ظرف 24 ساعة، ما جعل مرافق الاستقبال تغص بـ7 آلاف نزيل يمثلون 15 ضعفا لطاقتها الاستيعابية، وأكثر من عدد سكان الجزيرة.

ووفق الداخلية الإيطالية وصل إلى الجزيرة 127 ألف شخص خلال الشهور التسعة الأولى من عام 2023، وهو ما يشكل ضعف العدد المسجل في نفس الفترة من العام السابق.

ومع تحول الجزيرة إلى مقصد للمهاجرين، أصبحت كذلك في صلب السياسة الإيطالية والأوروبية المناهضة للهجرة، بما في ذلك اعتراض المهاجرين وإرجاعهم إلى السواحل الأفريقية. وباتت أقرب إلى منطقة لاحتجاز المهاجرين خارج البلاد، رغم أنها تشكل النقطة الأقصى جنوبا من التراب الإيطالي.

وقد خططت روما لأن تقيم على الجزيرة مركزا لمعالجة طلبات الهجرة لمن يصلون إليها، لكنها تخلت عن الفكرة أمام معارضة السكان والمنظمات غير الحكومية. وتباشر روما نقل من يصلون إلى لامبيدوزا إلى بقية الأراضي الإيطالية حيث يحتجزون لفترات مختلفة، وقد وضع الاتحاد الأوروبي آلية تضامن طوعية لتقاسم أعباء المهاجرين وتوزيعهم في حصص على بلدانه، لكن الخلافات في تطبيقها مستمرة.

واستجابة للارتفاع الذي سجل في وصول المهاجرين إلى الجزيرة في سبتمبر/أيلول 2023، أعلنت المفوضية الأوروبية خطة من 10 نقاط ركزت على تعزيز دعم إيطاليا في مسار تسجيل اللاجئين وإحالتهم للسلطات المختصة، ونقلهم إلى بلدان أوروبية وفق الآلية الطوعية، مع التركيز على القاصرين غير المرافَقين والنساء.

وتشمل الخطة كذلك فتح مسارات شرعية للهجرة، وتسهيل عودة البعض إلى بلدانهم الأصلية وتحديدا غينيا والسنغال وكوت ديفوار وبوركينا فاسو، إضافة إلى تعزيز تدابير الحماية لمنع انطلاق القوارب وتعزيز الجهود في محاربة شبكات التهريب.

المصدر : مواقع إلكترونية