القصر الجمهوري بالخرطوم

القصر الرئاسي القديم في الخرطوم
القصر الجمهوري القديم في الخرطوم الذي تحول إلى متحف (الجزيرة)

القصر الجمهوري في العاصمة السودانية الخرطوم، أحد معالم السيادة الوطنية، والمقر الرسمي لرئاسة الجمهورية، يحوي مكاتب أعضاء مجلس السيادة وإدارات رئاسة الجمهورية، وتم تصميم القصر على غرار البنايات الكبيرة في أوروبا خلال القرن الـ17، مع لمسة شرق أوسطية ورومانية وإغريقية.

اعتاد المحتجون في السودان على اختيار القصر الجمهوري (الرئاسي)، وجهة لغالبية تحركاتهم الاحتجاجية المُعلنة والمفاجئة، رغم الطوق الأمني الذي تفرضه السلطات حوله محيطه.

الموقع

تبلغ مساحة المجمع الرئاسي بالكامل 150 ألف متر مربع، ويقع القصر الجمهوري لوحده في مساحة 74 ألف متر مربع، في منطقة مميزة، وذات طابع سياحي، حيث يقبع على بعد أمتار قليلة من ساحل النيل الأزرق، وليس بعيدا عن ملتقى النيلين بجزيرة توتي، مما يعطيه مزايا تأمينية كبيرة.

لا تنتهي المميزات الجغرافية عند هذا الحد، فالتنقل إلى محيطه مسألة غاية في اليسر، فهو من أقرب النقاط الرابطة بين مدن الخرطوم الثلاثة (الخرطوم وبحري وأم درمان).

يقع القصر في أقصى الجزء الشمالي لمدينة الخرطوم، ويكاد يتوسط المسافة الرابطة بين شرقها وغربها، محصورا بين عدد كبير من البنايات الحكومية، وفي ركنه الشرقي توجد وحدة عسكرية معروفة هي الحرس الجمهوري، ومن ضمن أبرز مهامها حماية القصر وساكنيه.

ضمن خارطة الطرق والمسارات، يحد القصر من ناحية الشمال شارع النيل، ومن الجنوب شارع الجامعة، الذي تعبره المواصلات العامة، وشرقا يحده شارع أبوسن، وغربا يطل على شارع مهيرة.

يقع شارع القصر الذي يعبره المحتجون قاطعين منطقة تجارية نشطة (السوقين العربي والإفرنجي)، في بوابة القصر الجنوبية التي تتوسط مباني الخرطوم تقريبا وعلى امتدادها.

مبنى القصر الجمهوري السوداني المصدر: موقع القصر الجمهوري على الانترنت
القصر الجمهوري السوداني الذي حوّل إلى متحف بعد افتتاح القصر الرئاسي (موقع القصر الجمهوري)

التأسيس

نقل العثمانيون العاصمة السودانية من سنار (عاصمة مملكة الفونج) إلى مدني بعد فتحهم السودان عام 1821م، لكنهم لم يمكثوا في المدينة سوى 4 سنوات، لينتقلوا بعدها إلى الخرطوم عام 1825م، لأسباب ذات صلة بالإمدادات عبر الملاحة النهرية، وتحاشيا للبعوض المنتشر وقتذاك بصورة كبيرة في حاضرة ولاية الجزيرة الحالية.

ووضع حجر الأساس للقصر الرئاسي عام 1825م على يد الحكمدار محو بك أورفلي، وكان أول بناء للقصر من الطين (اللبن) على شكل مستطيل، لإقامة حاكم السودان وليكون سكنا له، وكان يعرف وقتذاك باسم "سراي الحكمدارية".

ثم حسّن وعدل الحكمدار علي خورشيد باشا على مبنى قصر "الحكمدارية" حتى اكتمل عام 1834م، وأنشأ بجانبه مبنى المديرية ونقل دواوين إدارة الدولة ومصالحها إليها.

توالت التحسينات على القصر، حيث أعاد الحكمدار عبد اللطيف باشا عبد الله تشييده سنة 1851 بالطوب الأحمر (الآجر) المنقول من بقايا خرائب مدينة سوبا الأثرية، وبعض المباني القديمة بأبي حرّاز الواقعتين على الضفة الشرقية للنيل الأزرق.

وتكون السراي (القصر باللغة التركية) الجديد من طابقين، ومكحل بالحجر الرملي من الخارج، وبه جناح للزوار وآخر خاص بالنساء، وتحيط به حدائق بها أنواع مختلفة من الأشجار كالنخيل والأعناب.

وعقب قيام الثورة المهدية واستيلائها على الحكم، تحولت العاصمة إلى مدينة أم درمان على الضفة الغربية للنيل، ثم بنى الخليفة عبد الله التعايشي (الحاكم الثاني للدولة المهدية) قصرا للحكم عرف بـ"بيت الخليفة"، وبقي مقرا للحكم حتى قيام الاستعمار الثنائي "الإنجليزي المصري".

القصر الرئاسي الجديد في الخرطوم
القصر الرئاسي الجديد الذي ساهمت الصين في إنشائه (الجزيرة)

بعودة الاستعمار الإنجليزي عام 1899م، نقل أول حاكم عام للسودان (الإنجليزي هيربرت كتشنر) العاصمة لمدينة الخرطوم، وشرع ببناء القصر الجمهوري في السنة ذاتها، على الأساس الحجري لقصر الحكمدارية المهدم.

أكمل البريطاني السير فرانسيس ريغنالد ونغيت (كان حاكما للسودان) بقية المخطط العام لمنشآت القصر وملحقاته عام 1906.

اتخذت مباني القصر طراز المباني الأوروبية بالقرن الـ17، مع إضفاء لمسة شرق أوسطية على بوابته ونوافذه وشرفاته. ثم استخدم الطوب الأحمر في تشييد القصر، وبنيت أركانه بالحجر الرملي.

ونال السودان استقلاله عن بريطانيا في الأول من يناير/كانون الثاني 1956، وأنزل علم بريطانيا ورفع علم البلاد فوق سارية القصر، ومن حينها ظل القصر المقر الرسمي لرئاسة الجمهورية وصار يعرف بالقصر الجمهوري.

وشهد عام 2015 آخر تحديث بارز بالقصر بإضافة مبنى جديد للقصر الرئاسي، انتقل إليه مكتب رئيس الجمهورية وكبار القيادات، وصمم بشكل شبيه بالقصر القديم، الذي تحوّل إلى متحف.

وقد دعت الحاجة لإنشاء مبنى للقصر الرئاسي تلبية لاحتياجات رئاسة الجمهورية السودانية ومهامها ووظائفها بشكل يواكب العصر والتطورات التقنية، فساهمت الصين في إنشائه، وذلك عقب زيارة الرئيس الصيني هوجين تاو للسودان عام 2007.

تكوّن القصر المعاد تأهيله من طابق أرضي وطابقين علويين، و3 أجنحة و10 قاعات ومكاتب إدارية، ويضم مرآبا للسيارات و14 مصعدا. وخصص الطابق الثاني فيه ليكون مضافة رسمية لضيوف البلاد من الملوك والرؤساء، بالإضافة لبعض المواقع خارج القصر.

متحف القصر الرئاسي في الخرطوم
متحف القصر الرئاسي في الخرطوم يحتوي على مقتنيات أثرية تخص الجمهورية (الجزيرة)

مجمع رئاسة الجمهورية

يقع القصر الجمهوري داخل مجمع رئاسة الجمهورية، وفيه القصر الرئاسي بمساحة 5300 متر مربع، والقصر الجمهوري (المبنى القديم) بمساحة 1926 مترا مربعا، ومباني وزارة شؤون رئاسة الجمهورية بجانبه الشرقي، وقيادة لواء الحرس الجمهوري، بجانب متحف ومكتبة ومسجد، وجميع هذه المباني محاطة بالمسطحات الخضراء.

المتحف

يقع المتحف بالجزء الجنوبي الشرقي من القصر، في مساحة 7160 مترا مربعا، ويحتوي على المقتنيات الأثرية والتاريخية التي تخص رئاسة الجمهورية، مع إفراد حيز للتوثيق لنظم الحكم والإدارة والرؤساء والحكومات المتعاقبة ومسيرة الحركة الوطنية ضد الاستعمار خلال حقبة السودان الحديث.

المكتبة

أما مكتبة القصر الجمهوري فتعد إحدى أهم المكتبات في البلاد، وتمثل مصدرا مهما لتوثيق حقب الحكم والإدارة والتاريخ السياسي، وتحوي الكتب والمكاتبات والمراجع النادرة، وقد أعيد تأهيلها عام 1999، وأتيحت خدماتها للزوار والباحثين.

حدائق القصر

تم بناء حدائق القصر مع إنشائه إبان العهد العثماني، وأدخلت عليها عدة تحسينات، خاصة في عهد حاكم السودان الجنرال كتشنر حين جلب خبراء من أوروبا لتطويرها حتى غدت واحدة من أهم الحدائق في البلاد، وتبلغ مساحتها 12 فدانا.

القصر والقصر الرئاسي
القصر الرئاسي تظهر عليه آثار الدمار من المعارك التي دارت فيه بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع (الجزيرة)

أحداث بارزة

من الأحداث البارزة التي وقعت في القصر الجمهوري مقتل الجنرال تشارلز جورج غوردون على يد الثوار المهديين في 26 يناير/كانون الثاني 1885م.

وكانت حراسة القصر سابقا على يد قوات من الخيالة، تجري المناوبة بينهم كل 4 ساعات. كما كانت باحات القصر في الفترة حتى استقلال السودان، محلاً للقاء الإنجليز بأعيان البلاد، ومحلاً لسن عدد كبير من القوانين المؤثرة.

وظلّ القصر أحد الوجهات المحببة للسياح الأجانب، خاصة الدرج الذي قتل فيه هربرت كتشنر وتماثيل الحكام الإنجليز التي جرى تهديمها، بجانب المتحف الذي يحتوي على مقتنيات الرؤساء السابقين، وتشمل السيارات والأسلحة واللوحات الزيتية.

ومن الأحداث الكبيرة التي شهدها القصر مقتل عشرات الضباط في "بيت الضيافة" إبان انقلاب الرائد هاشم العطا عام 1971.

وأرخّ ليوم 25 ديسمبر/كانون الأول 2018 كموعدٍ مهمٍ في تاريخ القصر، عندما قرر تجمع المهنيين تسيير موكب سلمي لمبانى القصر، وتسليم مذكرة تطالب بتنحي الرئيس عمر البشير، ومن بعدها توالت المواكب حتى الإطاحة بحكمه في 11 أبريل/نيسان 2019.

وصار القصر الجمهوري منطقة معارك عنيفة إبان اندلاع الاشتباكات المسلحة بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع في أبريل/نيسان 2023، ولم يسلم جزؤه الداخلي ولا الخارجي، وطال الضرر المجمع بالكامل حتى الشوارع المحيطة به.

المصدر : الجزيرة