تمثال الوحدة في الهند.. أطول تمثال في العالم

أيقونة الهند، وأطول تمثال في العالم، يبلغ ارتفاعه 182 مترا، حلم رئيس الوزراء ناريندرا مودي، تخليدا لذكرى صانع أمجاد الوحدة الهندية ساردار باتيل، بأن يصبح مركزا ثقافيا وترفيهيا وسياحيا، وليس مجرد نصب تذكاري.

الموقع

أقيم مشروع تمثال الوحدة في موقع فريد، حيث نصب في جزيرة سادهو بت الواقعة على نهر نارمادا، وهو خامس أكبر نهر في الهند، على بعد حوالي 3.5 كلم جنوب سد ساردار ساروفار في كيفاديا في ولاية غوجارات شمالي غربي الهند.

ويمثل المنظر البديع لنهر نارمادا مع مناظر الطبيعة الخلابة المحيطة به محمية للحياة البرية، ويزيده أهمية المواقع الدينية والتراثية والترفيهية الموجودة فيه.

التاريخ

اقتُرح بناء التمثال لأول مرة عام 2010 من قبل رئيس الوزراء ناريندرا مودي، الذي كان لا يزال رئيس وزراء ولاية غوجارات، وذلك تكريما لساردار باتيل أول وزير داخلية والنائب الأول لرئيس الوزراء الهندي بعد الاستقلال، لإظهار جهوده الكبيرة في بناء الهند.

فباتيل الذي يعتبر مهندس الهند الحديثة والمعروف في الهند باسم الرجل الحديدي، ساهم في توحيد الولايات الهندية البالغ عددها 562 ولاية، حيث أقنع الولايات المتناحرة بأن تصبح جزءا من الدولة الهندية بعد الاستقلال عن الحكم البريطاني عام 1947.

بدأ البناء الذي صممه النحات الهندي رام سوتار عام 2014، وتم الانتهاء من العمل فيه في منتصف أكتوبر/تشرين الأول 2018، وأقيم حفل الافتتاح يوم 31 أكتوبر/تشرين الأول 2018، الذي صادف الذكرى 142 لميلاد باتيل.

وترأس الاحتفال رئيس الوزراء ناريندرا مودي. وقررت الحكومة الهندية الاحتفال بالذكرى السنوية لميلاد باتيل، وجعله عيدا وطنيا يمثل يوم الوحدة الوطنية في البلاد.

التصميم

التمثال الذي يبلغ ارتفاعه 182 مترا، يعادل نحو مثلي تمثال الحرية في نيويورك، وأطول من معبد الربيع لبوذا في الصين بـ54 مترا، والذي كان أطول تمثال في العالم سابقا.

التمثال عبارة عن نسخة برونزية لساردار باتيل، يظهر مرتديا الزي الهندي التقليدي، ويبدو في وضعية المشي، وساقه اليسرى إلى الأمام قليلا، كما لو أنه يسير على الماء باتجاه سد ساردار ساروفار.

وينتصب على قاعدة ثلاثية، وتقع القاعدة المنحوتة هندسيا على جزيرة نهرية، تتصل بالبر عبر جسر مصمم بطول 320 مترا يربط جزيرة سادهو بالبر، ثم يمتد طريق ومركز عبور يبلغ طوله 3.5 كلم يصل إلى بلدة كيفاديا القريبة.

والمشروع ليس مجرد نصب تذكاري، بل هو مجمع سياحي بجدارة، حيث تشتمل قاعدة التمثال على قاعة معارض سمعية وبصرية تُعرض فيها حياة وإنجازات ساردار باتيل وتاريخ الهند الحديثة.

ويوفر المعرض، الذي يتسع لمئتي شخص، إطلالة على الريف المحيط وسد ساردار ساروفار القريب. كما تضم قاعدة التمثال متحفا، ومجمعا إداريا، وفندقا من فئة 3 نجوم، وفوق سطح قاعة المعرض توجد حديقة تذكارية، بالإضافة إلى قاعة الزوار.

البناء

أشرف على المشروع ائتلاف يضم إنشاءات تيرنر، وشركة مايكل جريفز للهندسة المعمارية والتصميم، ومجموعة منهاردت، وتم البناء من قبل شركة لارسن وتوبرو، وعمل في المشروع 3400 عامل و250 مهندسا، واستغرق بناؤه 33 شهرا.

يزن التمثال حوالي 67 ألف طن، وتم استخدام 210 آلاف متر مكعب من الخرسانة الإسمنتية في قلب التمثال، و6500 لفة من الفولاذ الإنشائي، و18 ألفا و500 طن من الفولاذ المقوى، و1850 طنا من الكسوة البرونزية، و1700 طن من الألواح البرونزية التي تم صبها في الصين، إذ لم تكن المرافق المناسبة متاحة في الهند، ثم تم نقل الألواح البرونزية عبر البحر ثم برا إلى ورشة العمل.

ويشغل النصب ومحيطه أكثر من 20 ألف متر مربع، تحيط به بحيرة اصطناعية تبلغ مساحتها 12 كيلومترا مربعا.

مواجهة التحديات

كان بناء تمثال بهذا الحجم أحد مشاريع الهند الفريدة، إلا أنه طرح الكثير من التحديات على المهندسين والحكومة والمجتمع المحلي والبيئة.

فقد شكلت الرياح تحديا قاسيا، حيث يقع التمثال وسط نهر نارمادا، ويتعرض لتأثير الرياح التي تبلغ سرعتها (130 كلم/ساعة)، وهو ما قد يؤدي إلى تحطيم التمثال أو إصابته بأضرار جسيمة. لذلك تم تصميمه لتحمل سرعات رياح تصل إلى 180 كلم/ساعة.

بالإضافة إلى وضعية المشي التي اتخذها التمثال، وكذلك الفجوة التي تبلغ 6.4 أمتار بين القدمين، والتي كان لا بد من اختبارها بعد ذلك لتحمل سرعة الرياح.

بالإضافة إلى مخاطر الزلازل التي تتعرض لها المنطقة، تم بناء التمثال وفقا للمعايير العالمية للحفاظ عليه من مخاطر الزلازل وغيرها من عوامل الطبيعة.

كما يقع التمثال وسط تضاريس جبلية نائية، مما شكل صعوبات هائلة في توصيل المواد، فقد تم بناء جسر صخري فوق المياه الضحلة، وكذلك بناء جسر بيلي المؤقت.

وقد عارضت بعض القبائل المحلية الاستحواذ على الأراضي لتطوير البنية التحتية للسياحة حول التمثال، مما اضطر الحكومة لعرض تعويض نقدي وأرض، بالإضافة إلى حصولهم على وظائف.

كما عارض سكان قرى كيفاديا وكوتي وواغوديا وليمبدي ونافاغام وغورا بناء التمثال، وطالبوا باستعادة حقوق الأرض التي تزيد عن 375 هكتارا من الأراضي التي تم الحصول عليها سابقا للسد، بالإضافة إلى المشروع الجديد. ونظم سكان محليون مظاهرات نددوا فيها بالمشروع، وقالوا إنه دمر الموارد الطبيعية.

التمويل

المشروع الذي تم بناؤه بتكلفة 430 مليون دولار أميركي، تم تمويله بالشراكة بين القطاعين العام والخاص، حيث جمعت حكومة ولاية غوجارات معظم الأموال (85 مليون دولار أميركي)، وقدمت الحكومة الاتحادية 36 مليون دولار أميركي، بالإضافة إلى مساهمات القطاع العام والشركات الحكومية، بل تبرع مئات الآلاف من المزارعين من شتى أنحاء الهند بمعداتهم وأجزاء من أراضيهم للمشروع.

السياحة والاقتصاد

يعد المشروع أعجوبة هندسية، فقد أصبح بالفعل نقطة جذب للسياح من جميع أنحاء البلاد. وحاز على جائزة أفضل مشروع من الفئة الكبيرة لعام 2019 المقدمة من شركة "بي إم آي" (PMI) الهندية.

وأصبح المشروع موردا لدخل المجتمع المحلي ومصدرا للرفاهية الاقتصادية من خلال تشجيع السياحة وخلق فرص العمل، فقد وفر المشروع فرص عمل لأكثر من 8 آلاف شخص، بما في ذلك أكثر من 2000 من السكان المحليين خلال فترة إنشاء المشروع، واجتذب ملايين السياح منذ افتتاحه، مما عزز الاقتصاد المحلي.