بهرز مدينة عراقية من العهد الأموري البابلي

مدينة بهرز في محافظة ديالى
مدينة بهرز تقع في محافظة ديالى (مواقع التواصل الاجتماعي)

بهرز مدينة عراقية تقع شمال شرقي العاصمة بغداد ضمن محافظة ديالى، وتعد امتدادا لحضارة إشنونا القديمة في العهد الأموري البابلي. تتميز بمعالمها الطبيعية وآثارها. يسميها البعض "بستان العراق" لكثرة مزارعها وبساتينها. تأسست في بداية القرن السادس الميلادي، إلا أن بعض الروايات تقول إنها أقدم من ذلك.

الموقع

تقع مدينة بهرز شرقي العراق، وتتبع إداريا محافظة ديالى، كما تبعد عن مدينة بعقوبة -مركز المحافظة- 5 كيلومترات، تضم نهر خريسان، الذي يقع على جانبي مدخلها، كما يحيط بها من جميع الاتجاهات نهر ديالى، وينتهي ببحيرة في الناحية الغربية للمدينة.

تقدر مساحتها بـ400 كيلومتر مربع، تحيط بها مزارع وبساتين نخيل وبرتقال وليمون، حتى سميت بـ"بستان العراق" لكثرة الزراعة والأشجار فيها. وبحسب المؤرخ الراحل مصطفى جواد فإن بهرز كانت منطقة بساتين جميلة، تأسست سنة 512 م، إلا أن بعض الروايات تقول إنها كانت موجودة قبل هذا التاريخ بمئات السنين.

السكان

يبلغ عدد سكانها -وفقا للبطاقة التموينية- 80 ألف نسمة، غالبيتهم من العرب السنة، ومن أشهر معالمها "تل أسمر" الذي يمثل عمقها التاريخي، كما تضم عشرات القرى أبرزها أم خميس والجيل والنهر الكبير وأبو فياض والنقيب وجواد البشو، وهم سكانها الأصليون.

مر بالمدينة كثير من القبائل أقامت بها فترات من الزمن، من بينها قبيلة شمر وقبيلة البو عامر وقبيلة الزبيد وقبيلة الندوات. وعاشت بها أيضا قبيلتا السواعد والزهيرية، ومن أهم القبائل التي تقطنها الآن قبائل الجبور والعزة والكرخية والردينية وعتبة والخشالات.

التاريخ

يعود تاريخ المدينة إلى العهد الأموري البابلي وكانت آنذاك تسمى "إشنونا"، وكانت مركز مملكة "إشنونا"، وهو اسم مشتق من اسم (إشنون)، الذي يرجع إلى اشتقاق سومري شعبي يعني "هيكل الأمير"، ثم سميت فيما بعد "بهرز" على اسم أحد ملوك الفرس في العصر الساساني قبل الفتح الإسلامي للعراق، حسب المؤرخ الراحل مصطفى جواد (1904ـ1969).

ورغم أن مملكة "إشنونا" تقع في وادي ديالى شمال شرقي سومر، فإنها تحتل المثلث الخصب ما بين نهر دجلة ونهر ديالى، وسفوح جبال زاكروس الشرقية.

يقع فيها "تل أسمر" وهو أكبر تل أثري في المنطقة، وذكرها ياقوت الحموي في معجم البلدان وقال إنها "ذات بساتين، وبها جامع ومنبر قرب بعقوبة، وبينها وبين بغداد نحو 8 فراسخ".

ودخلت بهرز تحت حكم الفتح الإسلامي على يد القائد الإسلامي القعقاع بن عمرو التميمي، وشهدت في العصر العباسي مرور خلفاء عدة منهم المنصور والرشيد والمأمون. كما مر بها العالم الكبير أبو فرج الحريري الطبري، وهو عالم جليل درس القرآن والفقه وأصبح فيما بعد قاضي القضاة في بغداد.

أما الفترة العثمانية فقد شهدت بناء أقدم مقهى ما زال قائمة إلى اليوم، وهو مقهى النقيب، الذي يقع قبالة القنطرة الأثرية المعروفة على نهر خريسان والرابطة بين جانبي المدينة.

الاقتصاد

ومثلما تشتهر مدينة بهرز بالزراعة وكثرة النخيل والأشجار، اشتهرت أيضا بصناعة أفخر أنواع الدبس وشراب الرمان، وغالبا ما تصنعه النساء بواسطة معاصر بدائية، كما تضم مصنعا لإنتاج الإسفلت افتتح في 2022.

كما تشتهر المدينة بمهنة حياكة العباءات الرجالية والنسائية، والسجاد والمهن الشعبية المعتمدة على المنتجات الزراعية، مثل إنتاج السلال والأقفاص التي تستخدم في حفظ ونقل الفواكه والخضار، وكذلك الأسرة المصنوعة من سعف النخيل.

معالم مدينة بهرز

من أهم معالم مدينة بهرز تل أسمر الأثري ونهر خريسان، كما تضم عددا من المساجد، أشهرها جامع أبي الغيث الذي يقال إنه يضم ضريح النبي دانيال (من أنبياء بني إسرائيل)، وجامع بهرز الكبير الذي شيد في العهد العثماني، فضلا عن مساجد بنيت حديثا مثل جامع السيدة عائشة وجامع النور وجامع القدوس.

وتضم المدينة كذلك بعض التكايا (مفردا تكية وهي مكان ينقطع فيه المتصوفة للعبادة)، ومنها تكية الشيخ ثابت وتكية السيد يوسف المرسومي وتكية بكر الشيخلي وهاشم الخشالي.

ومن مواقعها التراثية قنطرة العباسية وقلعة السنية المشيدة وفق الطراز العباسي، ومقهى النقيب، وحمام النقيب الذي تعتليه قبة دائرية، وخان عزيز، وخان الزهيري الذي كان مخصصا لإيواء المسافرين الذين يأتون إلى المدينة من القرى المجاورة.

أعلام مدينة بهرز

عاش ومازال في المدينة الكثير من الأعلام والمثقفين، أبرزهم الشاعر إبراهيم البهرزي، وهو من مواليدها عام 1968، وله عدة دواوين شعرية أبرزها "صفير الجوال" و"آخر الليل" و"شرفة نيتشه".

وينحدر من مدينة بهرز أيضا ناجي إسحق الصافي (1918-2011)، الذي أسندت إليه السلطات العراقية في ستينيات القرن الماضي مهمة تأليف كتاب الرياضيات كمادة علمية للصف الأول المتوسط، قبل أن يعتمد الكتاب في عدد من الدول العربية.

ومن أعلام المدينة كذلك الناقد والباحث الدكتور نجم عبد الله الدايني (ولد فيها عام 1951)، وهو أستاذ زائر في جامعة إكستر في المملكة المتحدة، وله مؤلفات عدة منها "الرواية العربية المعاصرة: ثوابت ومتغيرات" و"مقدمات وأبحاث تطبيقية حديثة في الأدب المقارن".

وأقدم صيدلاني في المدينة حسين عزيز خليل من مواليد 1939، اشتهر بمساعدة من لا يملكون ثمن الدواء. ومن أعلامها أيضا قاسم أبو صالح، رئيس المنتدى الثقافي في بهرز، والسياسي عبد الوهاب الرحبي (1913ـ 1979)، الذي أسس أول مكتبة في المدينة، والنائب البرلماني الحالي محمد قتيبة البياتي، والشاعر الشعبي عبد القادر الرحبي، والرسام ساطع هاشم النجار المقيم في بريطانيا.

وينتسب إليها كذلك المصور والمؤرشف نذير حميد ناجي، والمخرج السينمائي كامل العزاوي، وهو أحد مؤسسي قسم السينما في معهد الفنون الجميلة ببغداد، وزوجته الأديبة لطيفة الدليمي، إضافة إلى بهاء ناظم بطل آسيا 2017 في رياضة الكي كوشنكاي.

وزار المدينة شاعر العرب الكبير محمد مهدي الجواهري عام 1959، والتقى بعدد من مثقفيها وسياسييها.

ثورة العشرين

بعد قيام الدولة العراقية الحديثة سنة 1921 كان للبهرزيين مساهمة واضحة في الحياة العامة، وشارك عدد من الوطنيين من أهل المدينة في ثورة العشرين، منهم الشيخ مخيبر مرهج الكرخي.

وشهدت الفترة الملكية ظهور عدد من الأحزاب التي تدعو للتحرر وتعمل على تنوير الناس، ويذكر البهرزيون أنهم انتفضوا عند مقتل الملك غازي منددين بالإنجليز، كما شارك عدد من أبنائها في معارك عام 1948 في فلسطين.

وفي العام نفسه، شاركت بهرز في الوثبة الوطنية المعروفة بوثبة كانون، وفي ستينيات القرن الماضي تعددت الحركات السياسية في المدينة بتوجهات مختلفة، غالبها يسارية، حتى صار يطلق عليها آنذاك (موسكو الصغرى).

المصدر : الجزيرة + مواقع إلكترونية