قيس سعيد.. الرئيس الرابع لتونس بعد ثورة الياسمين

أكاديمي وسياسي تونسي، ولد في ضواحي العاصمة سنة 1958، وعمل أستاذا للقانون الدستوري في الجامعات التونسية، وفي أكتوبر/تشرين الأول 2019 دخل غمار المنافسة السياسية وانتخب رئيسا للبلاد.

يعد قيس سعيد -الأستاذ الجامعي في القانون الدستوري- رابع رئيس لتونس بعد ثورة الياسمين التي اندلعت عام 2011، وهو سابع رئيس للجمهورية التونسية منذ إعلانها في 25 يوليو/تموز 1957.

المولد والنشأة

ولد الرئيس التونسي قيس سعيد في 22 فبراير/شباط 1958 في مدينة أريانة التابعة لمحافظة تونس الكبرى من عائلة تنتمي للطبقة الاجتماعية المتوسطة.

عمل والده منصف سعيد موظفا حكوميا، وتكفلت والدته زكية بلاغة بشؤون البيت، وتعود جذور عائلته إلى مدينة بني خيار، التي تتبع إداريا محافظة نابل (شمال شرقي تونسي)، التي انتقل منها أسلاف عائلته إلى العاصمة منذ عقود طويلة.

قضى أشهرا فقط وهو رضيع في أريانة، ثم انتقلت أسرته إلى رادس، وهناك قضى طفولته ودرس المرحلة الابتدائية، وبعدها انتقلت الأسرة إلى تونس العاصمة، التي درس بها المرحلة الثانوية في كل من معهد باب الخضراء ومعهد ابن شرف ثم المدرسة الصادقية ونال منها الثانوية العامة في شعبة الآداب.

درس المرحلة الجامعية بكلية الحقوق في تونس العاصمة، وكانت رغبته في البداية أن يدرس الأدب العربي أو الفلسفة، لكن والده طلب منه أن يتوجه لدراسة الحقوق، وهو التوجه الذي يقول في حوار مع الإذاعة التونسية في مارس/آذار 2017 إنه لم يندم عليه.

قيس سعيد أب لـ3 أبناء (بنتان وولد: سارة ومنى وعمر)، ومتزوج من القاضية المستشارة في محكمة الاستئناف إشراف شبيل، ابنة القاضي محمد شبيل، وتعرف عليها يوم كانت طالبة في كلية الحقوق بمدينة سوسة، التي كان أستاذا فيها.

الدراسة والتكوين

تلقى تعليمه الابتدائي في مدارس العاصمة تونس، وأنهى المرحلة الثانوية في المدرسة الصادقية التي درس في فصولها العديد من رؤساء تونس، ليتوجّه إلى كليّة الحقوق والعلوم السياسية بتونس ويحصل سنة 1985 على شهادة الدراسات العليا في القانون الدولي، ثم دبلوم الأكاديمية الدولية للقانون الدستوري سنة 1986، عن سن 28 عاما، ثم شهادة المعهد الدولي للقانون الإنساني في "سان ريمو" الإيطالية.

عمل مدرسا لمادة القانون في كلية الحقوق والعلوم السياسية في محافظة سوسة من 1986 إلى 1999، وأشرف خلال هذه المدّة ولفترة وجيزة على قسم القانون العام.

انتقل بعد هذه التجربة المهنية للتدريس في كلية العلوم القانونية والسياسية والاجتماعية بتونس برتبة أستاذ مساعد في مادتي القانون الدستوري والنظام السياسي، وذلك من 1999 حتى 2018، تاريخ حصوله على التقاعد عن سن 60 عاما.

التوجه الفكري والسياسي

إثر سقوط نظام زين العابدين بن علي في 14 يناير/كانون الثاني 2011 وبداية الحراك السياسي الجديد في تونس، اختار سعيّد موقع المعارض والمقاطع لجل الاستحقاقات الانتخابية، من دون أن يبدي أو يصرّح بدعمه أو حتى تقاربه الأيديولوجي مع أي طرف سياسي في المشهد التونسي الذي تلا الثورة.

في مناسبات عدة، عبر قيس سعيد عن تصوّر خاص ومختلف للدولة ولتنظيم السلط، إذ لا يرى فائدة من الأحزاب السياسية، ويدعو إلى تقليص سطوتها على الحياة السياسية في البلاد.

في 2011، دعا إلى مقاطعة انتخابات المجلس الوطني التأسيسي التي عدّها "التفافا على الثورة وسطوا على الإرادة الشعبية، نفّذته أحزاب سياسية وفق منطق محاصصات وتجاذبات أفرزت قانونا انتخابيا يقوم على التصويت على القوائم الانتخابية"، متهما قوى أجنبية بالوقوف وراء تحديد العملية الانتخابية في تونس.

سنة 2013، وأثناء النقاش العام حول الدستور، نشر وثيقة بعنوان "من أجل تأسيس جديد"، وبذلك صار مفهوم ما سماه "البناء الديمقراطي القاعدي" هو الفكرة الرئيسية التي طرحها في حملته الانتخابية في 2019، التي تقوم على مبدأ ما سماه "الهرم المقلوب".

حدّد سعيد وفقا لهذه الوثيقة ملامح مشروعه السياسي لتونس، التي تجعل من المجالس المحلية قمّة الهرم المقلوب، ويتم انتخاب أعضائها عن طريق الاقتراع المباشر، وينبثق عنها 24 مجلسا جهويا على عدد محافظات تونس، ويتكوّن كل مجلس جهوي من ممثّل عن كل بلدية، ليكون البرلمان أو المجلس الوطني الشعبي أسفل الترتيب الهرمي وينبثق أعضاؤه عن المجالس المحلية.

ويتبنى الرئيس التونسي فكرة الاقتراع على الأشخاص بدل القوائم الحزبية، معللا ذلك بأن نائب الشعب الذي يترشّح وفق نظام القوائم الحزبية يدين بالولاء للحزب الذي يدعمه.

ويرى أن الصواب هو الولاء للشعب الذي صوت له، ومن ثم فإنه من المنطقي إيجاد الآليات القانونية المناسبة لسحب هذه الوكالة أو التفويض في حال رأى الشعب أن النائب فرط في مهمته.

إثر دخول دستور تونس لسنة 2014 حيز التنفيذ أبدى سعيّد تحفظه على بعض "الاختلالات الشكلية التي شابته"، وتوقّع ظهور العديد من الثغرات في المستقبل، ومنها على سبيل المثال تلك المتعلقة بالأحكام الانتقالية للمؤسسات وتحديد المواعيد الانتخابية.

مع إعلان تواريخ الانتخابات التشريعية والرئاسية في تونس لسنة 2014، لم يتردد في إعلان مقاطعتها، واصفا الأحزاب بالإفلاس السياسي، ومعارضا مبدأ الاقتراع على القوائم الحزبية.

التجربة السياسية

من 2011 وحتى 2014 صنع قيس سعيد لنفسه صورة الشخصية العامة المختلفة عن المألوف، ساعده في ذلك حضوره المتكرر في وسائل الإعلام الدولية والتونسية -الحكومية منها والخاصة- التي اعتمدته مرجعا علميا تلجأ إليه كلما احتدم الجدل والاختلاف حول صياغة الدستور الجديد، ثم من 2014 إلى 2019 للتعبير عن مواقفه من المشهد السياسي التونسي.

يوم الخامس من سبتمبر/أيلول 2018 أعلن ترشحه للانتخابات الرئاسية، وهو ما جعل "الأستاذ" -كما يحلو لأنصاره مناداته- يجذب إليه نسبة مهمة من الشباب الحالم "بالتغيير الجذري"، بعد أن وجد في خطابه نفسا مختلفا عمن سبقوه إلى مقاليد الحكم قبل وبعد الثورة.

كما ساعده في ذلك عدم انتمائه لحزب سياسي وانحداره من وسط اجتماعي قريب من الطبقة المتوسطة والكادحة، لا سيما أنه عاش سنوات في منطقة المنيهلة، التي تعد من المناطق الشعبية في ضواحي تونس العاصمة.

في 15 سبتمبر/أيلول 2019، تصدّر نتائج الدور الأول للانتخابات الرئاسية التونسية بـ18.4% من الأصوات، متقدما على رجل الأعمال التونسي نبيل القروي، الذي حصل على 15.6% من الأصوات.

سعيد رئيسا

خاض قيس سعيد الدورة الثانية لانتخابات الرئاسة يوم 13 أكتوبر/تشرين الأول 2019 مرشحا مستقلا مدعوما بمجموعات من الطلبة والمتطوعين بإمكانات بدت محدودة من خلال ما تم تداوله على مواقع التواصل الاجتماعي، لم يقدم برامج ووعودا انتخابية، بل تعهد فقط "بإيجاد الآليات القانونية لتمكين الشباب من تحقيق أحلامه".

فاز بنسبة تجاوزت 76%، وكان 90% منها من الفئة العمرية بين 18 و25 سنة، و84% تتراوح بين 26 إلى 44 سنة، وفق استطلاع رأي أجرته مؤسسة "سيغما كونساي"، في حين حصل منافسه نبيل القروي على 23.1% من الأصوات، حسب بيان أصدرته الهيئة العليا المستقلة للانتخابات يوم الخميس 17 أكتوبر/تشرين الأول 2019.

أدى اليمين الدستورية يوم الأربعاء 23 أكتوبر/تشرين الأول 2019 رئيسا سابعا لتونس، وشهدت عملية تعيين رؤساء الحكومة منذ توليه الرئاسة العديد من الاهتزازات التي بدأت توحي ببدايات صعبة.

فقد رفض مجلس النواب في العاشر من يناير/كانون الثاني 2020 منح الثقة للحبيب الجملي، مرشح حركة النهضة الذي كلفه سعيد بتشكيل الحكومة، وتلت ذلك استقالة إلياس الفخفاخ في 15 يوليو/تموز 2020 على خلفية اتهامات بتضارب المصالح، ثم عزل هشام المشيشي من قبل الرئيس في 25 يوليو/تموز 2021.

في 25 يوليو/تموز 2021، أعلن قيس سعيد عزل المشيشي وإقالة الحكومة وتجميد عمل البرلمان ورفع الحصانة عن النواب ومحاسبة الفاسدين منهم، معتمدا على الفصل 80 من الدستور التونسي، وهي إجراءات عدّها منتقدوه "انقلابا على الديمقراطية" و"نزوعا للحكم الفردي"، في حين عدّها مناصروه "خطوات ضرورية لتصحيح مسار الثورة ومحاربة الفساد".

عيّن نجلاء بودن رئيسة للحكومة في 29 سبتمبر/أيلول 2021، وفي 13 ديسمبر/كانون الأول 2021 أعلن خارطة طريق تتمثل في تنظيم استشارة إلكترونية، يليها استفتاء شعبي حول الدستور، ثم تنظيم انتخابات تشريعية في ديسمبر/كانون الأول 2022 ينتهي إثرها العمل بالتدابير الاستثنائية التي أعلنها في 25 يوليو/تموز 2021.

أمر في السادس من فبراير/شباط 2022 بحل المجلس الأعلى للقضاء، موضحا أنه حاد عن خدمة الصالح العام، ثم في السابع من مارس/آذار 2022 عيّن مجلسا جديدا للقضاء، ومنح نفسه صلاحية عزل القضاة.

أعلن سعيد حل البرلمان نهائيا في 30 مارس/آذار 2022 بعد ساعات من إقرار البرلمان المعلقة اختصاصاته في جلسة عامة افتراضية قانونا يلغي الإجراءات الاستثنائية التي بدأها الرئيس في 25 يوليو/تموز 2021، وطالب السلطة القضائية باتخاذ الإجراءات القانونية اللازمة، وعدّ تلك الجلسة "انقلابا على الشرعية".

في 22 أبريل/نيسان 2022، أصدر مرسوما يحل بمقتضاه الهيئة العليا المستقلة للانتخابات، وهي هيئة منتخبة، ويحدد تركيبتها الجديدة وشروط العضوية فيها.

ونظمت الهيئة الجديدة استفتاء على الدستور الجديد في 25 يوليو/تموز 2022، وأعلنت اعتماده في اليوم الموالي بنسبة 94.6% من المصوتين، الذين بلغت نسبتهم 27.54% فقط من مجموع الناخبين المفترض مشاركتهم في الاستفتاء.

الجوائز والأوسمة

حصل قيس سعيد في 16 يونيو/حزيران 2021 على الدكتوراه الفخرية في البحث العلمي من جامعة لاسابيانزا الإيطالية.

المهام والوظائف

  • تقلد قيس سعيد بين عامي 1989 و1990 مهام مقرر اللجنتين الخاصتين لدى الأمانة العامة لجامعة الدول العربية من أجل الإعداد لتعديل مشروع ميثاق الجامعة، ومشروع النظام الأساسي لمحكمة العدل العربية.
  • عمل خبيرا متعاونا مع المعهد العربي لحقوق الإنسان من 1993 إلى 1995.
  • شغل منصب الكاتب العام للجمعية التونسية للقانون الدستوري من 1990 إلى 1995، ثم نائبا لرئيسها منذ 1995.
  • عضو بالمجلس العلمي للأكاديمية الدولية للقانون الدستوري وعضو بمجلس إدارتها منذ 1997.
  • ترأس مركز تونس للقانون الدستوري من أجل الديمقراطية الذي تأسس في 2011.

المؤلفات

ألف قيس سعيد كتاب "نصوص ووثائق سياسية تونسية"، بالاشتراك مع عبد الفتاح عمر (1987).

كما نشر عدة مقالات ودراسات علمية في مجالات القانون والقانون الدستوري منذ 1985، من أهمها: "العلاقات بين الجمهورية التونسية ومجموعة البنك العالمي (1985)"، "الجوانب القانونية في النزاع العراقي الإيراني (1987)"، "حرية ممارسة الشعائر الدينية في تونس (1989)"، "مراقبة دستورية القوانين في تونس (1993)"، "الاستقلالية الدستورية (2001)"، "مجلس المستشارين في تونس أو القانون بين القصرين (2004)"، "السلطة التأسيسية تحت الاحتلال: حالة العراق وحالة أفغانستان (2007)".

المصدر : الجزيرة + وكالات + مواقع إلكترونية