مدينة درنة الليبية
الموقع
تقع مدينة درنة الجبلية على ساحل البحر المتوسط شمال شرقي ليبيا، يحدها من الشمال البحر الأبيض المتوسط ومن الجنوب سلسلة من تلال الجبل الأخضر، ويشطر وادي درنة المدينة إلى شطرين، وهو أحد الأودية الكبيرة المعروفة في ليبيا.
تقدر المسافة بين درنة وبنغازي بنحو ثلاثمئة كيلومتر إلى جهة الغرب، وتبعد عن مدينة البيضاء مسافة مئة كيلومتر، وتقع على بعد ما يقارب 1300 كيلومتر شرق العاصمة طرابلس، و1050 كيلومترا غرب العاصمة المصرية القاهرة.
السكان
بلغ سكان مدينة درنة عام 2011 نحو 80 ألف نسمة تقريبا، وقدّر عدد سكانها عام 2014 بمئة ألف نسمة.
الاقتصاد
تستفيد المدينة من موقعها الجغرافي في تحريك عجلة الاقتصاد، ففيها واجهة بحرية تطل على البحر الأبيض المتوسط، مما يشكل فرصة لأبنائها للعمل في الصيد البحري.
وتتميز درنة بغطاء نباتي وفير تغذيه مياه الينابيع، منها نبع عين البلاد وعين بومنصور، مما يجعلها وجهة للسياحة الداخلية.
يقول الرحالة الدانماركي كنود هولمبو عنها في كتابه "رحلة في الصحراء الليبية" إن "درنة تمتلك أصفى وأنقى وأطيب المياه في أفريقيا الشمالية كلها، وأراضيها مغطاة ببساط كثيف من الحشائش والأعشاب، وتتألق فيها الأزهار الجميلة".
التاريخ
تعاقبت على مدينة درنة -التي تلقب بعروس ليبيا ودرة البحر المتوسط- حضارات مختلفة من الإغريق والروم، ودخلها الفتح الإسلامي عام 643 ميلادي على يد عمرو بن العاص، وكانت حينها جزءا من إقليم برقة، ثم برز اسمها بعد استشهاد القائد المسلم زهير بن قيس البلوي ومن معه من الصحابة ودفنهم في المقام المعروف باسم "أضرحة الصحابة" في نهاية القرن السابع الميلادي.
شهدت درنة تحولات مختلفة خلال الحكم الأموي والعباسي والفاطمي، إذ استقرت فيها قبائل من بني سليم، وانقسمت المدينة تبعا لقوة القبائل وانتشارها، وانعكس ذلك على أمنها وسير الحياة فيها.
وفي الحكم العثماني تحسنت أحوال درنة مع نزوح عائلات أندلسية إليها عام 1493 ميلادي واستقرت فيها، وعمل الأندلسيون بالتجارة في المدينة واعتمدوا على وجود مرسى صغير فيها، ثم عملوا في زراعة مساحات واسعة من أراضيها.
دخلت درنة تحت الحكم العثماني سنة 1638، وشهدت ولاية محمد باي تطورا في المدينة وازدهارا نتيجة لعنايته بها واهتمامه بعمارتها، ثم شهدت درنة اضطرابات شديدة سنة 1710 نتيجة تعرض أهاليها للتنكيل والظلم من قبل الحاكم.
تعاقب على درنة أيضا غزاة أميركيون وإيطاليون، فقد احتلت المدينة قوات مشاة البحرية الأميركية عام 1805 لتكون بذلك أول يابسة خارج الولايات المتحدة يرفع فوق قلعتها العلم الأميركي، ثم عانت درنة الويلات خلال الاحتلال الإيطالي 1911-1945.
وفي عام 1951 حصلت ليبيا على استقلالها، وكان يحكمها الملك إدريس الأول حتى عام 1969، إذ عزل من منصبه نتيجة الانقلاب الذي قاده معمر القذافي واستلم الحكم حتى بداية الثورة التي قامت ضده عام 2011، فشهدت درنة حينها ومدن أخرى بالشرق الليبي مثل بنغازي وطبرق والمرج مسيرات حاشدة مؤيدة للثورة.
تأسس في مدينة درنة "مجلس شورى مجاهدي درنة" عام 2014، وهو مجلس مستقل لم يكن يتبع لأي من الحكومات الثلاثة التي كانت تتنازع على السلطة، ثم شهدت المدينة أول وجود لتنظيم الدولة الإسلامية في ليبيا، وذلك حين استقرت مجموعة من التنظيم في درنة عام 2015، فشن "مجلس شورى مجاهدي درنة" حربا على تنظيم الدولة بعدما قتل اثنين من أهم قادة المجلس، وأسفرت المواجهات عن خسارة التنظيم مناطق ومواقع كانت تحت سيطرته في المدينة، أهمها منطقة الساحل الشرقي ومقر محكمته الشرعية، وبعد قتال شرس تمكن "مجلس شورى مجاهدي درنة" من طرد تنظيم الدولة.
وفي وقت لاحق، حاولت القوات الموالية لحفتر السيطرة على درنة وحاصرتها من الشرق والغرب والجنوب، ومنعت عنها الوقود وغاز الطهو وإمدادات الغذاء والدواء، في محاولة لانتزاعها من "مجلس شورى مجاهدي درنة".
وفي 16 فبراير/شباط 2015 شنت الطائرات المصرية هجمات على مدينة درنة، وقالت القاهرة آنذاك إنها استهدفت مواقع لمسلحين متطرفين، في حين أظهرت الصور سقوط عشرات القتلى والجرحى من المدنيين جراء القصف، وتعرضت المدينة في العام التالي لقصف من طيران لم تحدد هويته.
وتنفيذا لتوجيهات الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي عاود الطيران الحربي المصري الإغارة على المدينة، ففي 26 مايو/أيار 2017 قالت وكالة أنباء الشرق الأوسط الرسمية المصرية عن مصادر عسكرية رفيعة إن القوات الجوية المصرية دمرت المركز الرئيسي لمجلس شورى مجاهدي درنة في ليبيا.
وقال السيسي إن قواته وجهت ضربة قوية "للإرهابيين" ردا على هجوم استهدف حافلة للأقباط في صعيد مصر في الشهر نفسه، لكنه لم يحدد مكان الضربة.
كما أعلنت قوات شرق ليبيا الموالية للواء المتقاعد خليفة حفتر أنها شاركت في الغارات الجوية التي شنتها القوات الجوية المصرية على مدينة درنة الليبية.
وفي الجهة المقابلة، ندد المجلس الرئاسي لحكومة الوفاق الوطني بانتهاك الطيران المصري "سيادة البلاد"، وصرح في بيان له بأنه "يستهجن ما قام به الطيران المصري من قصف لمواقع داخل الأراضي الليبية".
وأوضح المتحدث باسم "مجلس شورى مجاهدي درنة" محمد المنصوري أن القصف المصري أصاب مواقع مدنية مأهولة بالسكان وألحق أضرارا مادية بمنازل وسيارات ومزارع لمواطنين، نافيا بشكل قاطع علاقة المجلس بالهجوم الذي استهدف حافلة تقل أقباطا في صعيد مصر.
وقد أصدر "مجلس شورى مجاهدي درنة" بيانا أوضح فيه أن عملياته العسكرية تستهدف فقط تنظيم الدولة والقوات الموالية لحفتر، معتبرا أن جمع الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي بين اتهام المجلس واتهام تنظيم الدولة في وقت واحد يدل على الاستخفاف بعقول أنصاره، على حد تعبير البيان.
المعالم
تغنى شعراء الفصحى وغير الفصحى بجمال درنة وخضرتها النامية وظلالها الوارفة ومائها العذب وهوائها العليل، كما أشادوا بكرم أهلها ورقة طباعهم، وتحدث كتّاب وسياح عرب وأجانب عن أحيائها وآثارها.
ويوجد في مدينة درنة جامع الصحابة وقبور 73 صحابيا دخلوا المدينة للدفاع عنها ضد غزو الروم في الثلث الأخير من القرن الهجري الأول.
الكوارث الطبيعية التي ضربت درنة
يذكر المؤرخ الليبي فرج داود الدرناوي أن المدينة تعرضت لمجموعة من الكوارث الطبيعية منها:
- عام 1941 حدث فيضان في وادي درنة ضرب المدينة وأدى لجرف معدات حربية وآليات عسكرية ألمانية إلى البحر، بالإضافة إلى أضرار مادية كبيرة وخسائر جسيمة في الأرواح.
- عام 1959 حدث فيضان بسبب ارتفاع مستوى مياه الوادي أوقع قتلى ومصابين ودمر منازل عديدة.
- بين عامي 1968 و1969 سجلت عدة فيضانات لكنها لم توقع قتلى ولم تحدث أضرارا كبيرة.
- عام 2011 فاض الوادي نتيجة فتح أحد السدود بهدف تصريف مياه الأمطار الغزيرة، وأوشكت المدينة حينها على الغرق.
إعصار دانيال
بدأ إعصار دانيال في اليونان، ثم تحرك قاطعا البحر الأبيض المتوسط إلى ليبيا، إذ وصل بعد ظهر الأحد 10 سبتمبر/أيلول 2023 وضرب مدن الساحل الشرقي الليبي بسرعة بلغت 70 كيلومترا في الساعة، لكن أسوأ أضرار وأكثرها دمارا حدثت في مدينة درنة التي تقع بين جبلين يفصلهما واد.
يعد هذا الوادي المكان الوحيد الذي تجتمع فيه المياه المنحدرة من وديان الجبل الأخضر في شرقي ليبيا، كما أنه مصب السيول القادمة من جنوب المدينة من المخملي والقيقب والظهر الحمر والقبة والعزيات.
حين بدأ إعصار دانيال امتلأ الوادي بمياه الأمطار القادمة مع الإعصار وارتفع مستواها على نحو غير مسبوق، مما شكل طوفانا وضغطا هائلا على السدين الذين يحجزان المياه في الوادي وهما سد البلاد وسد سيدي بومنصور، وأدى ذلك إلى انهيارهما وضرب الطوفان المدينة وأدى إلى غرق أحياء كاملة جرفتها السيول وألقتها في البحر.
وأدت الكارثة في حصيلتها الأولية إلى مقتل ما يزيد على 5300 شخص وإصابة الآلاف، إضافة إلى ما يقارب تسعة آلاف بلاغ عن مفقودين، كما أدت إلى تشريد ما يزيد على 30 ألف شخص.
وأحدث الطوفان الذي رافق الإعصار خسائر مادية كبيرة، إذ دمر ما يقارب ربع المدينة بشكل كامل، وشوهدت جثث كثيرة ملقاة على أطراف الطرقات وفي البحر وتحت المباني، كما أدى الطوفان إلى انهيار شبكة الطرق والجسور في المدينة، مما أخر وصول المساعدات إليها.
وقد أعلنت السلطات الليبية أن درنة مدينة منكوبة، وبين المتحدث باسم قوات شرق ليبيا أحمد المسماري أن الكارثة حدثت بسبب انهيار السدين، إذ أدى ذلك لجرف أحياء كاملة إلى البحر، فيما أرجع المتحدث باسم جهاز الإسعاف الليبي أن عدم صيانة السدود كان لها تأثير واضح في الفيضانات.
وبعد إعلان المدينة منطقة منكوبة سارعت دول عديدة إلى إرسال المساعدات وفرق الإنقاذ في محاولة للبحث عن مفقودين.