معهد ماساشوستس للتكنولوجيا.. مؤسسة أكاديمية أميركية تجمع بين التعليم والبحث والصناعة

معهد ماساشوستس Massachusetts Institute - الموسوعة
معهد ماساشوستس يركز على تحسين المعرفة وتكوين الطلبة في مجال العلوم والتكنولوجيا (غيتي)

معهد ماساشوستس للتكنولوجيا في أميركا، ويعرف اختصارا بـ"إم آي تي"، اكتسب شهرة عالمية ونوعية بفضل التكوين الذي يوفره في تخصصات رائدة في مجالات العلوم والتكنولوجيا المتقدمة وتطبيقاتها.

استقطب المعهد كبار العلماء من أمثال الرائد في مجال الحوسبة لاري قسطنطين ونوربرت فينر وعالم الرياضيات ماثيو هولمان وعالم الفيزياء الفلكية جورج سموت ووزير الخارجية الأميركية سابقا جورج شولتر، وغيرهم، وأضحى قِبلة للطلبة المتفوقين والمؤهلين أكاديميا.

وعام 2024 تم انتخاب 7 من المعهد لعضوية الأكاديمية الأميركية للفنون والعلوم.

التأسيس

تأسس معهد ماساشوستس للتكنولوجيا عام 1861 في قلب مدينة كامبردج بولاية ماساتشوستس الأميركية، على يد المتخصص في علم الأحياء وأستاذ الكيمياء والفيزياء والجيولوجيا وليام بارتون روجرز، لكنه لم يفتح أبوابه في وجه الطلاب إلا بعد أن وضعت الحرب الأهلية الأميركية أوزارها عام 1865.

أرسى روجرز نظاما تعليميا وتربويا خاصا يرتكز على الجمع بين التعليم والبحث والصناعة، فأصبح المعهد يضم تخصصات في مختلف الدراسات الهندسية والعلوم والتكنولوجيا.

وبالنظر للظرفية التاريخية التي رأى فيها المعهد النور، حرص المؤسس على أن تساهم هذه الجامعة الخاصة في تسريع التنمية الصناعية في أميركا من خلال نوعية التكوين الذي تقدمه للطلاب والمجالات المعرفية التي يركز عليها ويشتغل من أجلها.

ومع مرور السنوات، بدأ حلم روجرز يتحقق بعد أن صار خريجو المعهد ضمن قائمة المبتكرين، وانطلقوا في تطوير صناعات جديدة كان لها الفضل في إحداث مناصب شغل عديدة بالولايات المتحدة الأميركية.

A man walks through Killian Court at the Massachusetts Institute of Technology (MIT) in Cambridge, Massachusetts, U.S. May 13, 2016. To match special report COLLEGE-CHARITY/ REUTERS/Brian Snyder/File Photo
ساحة "كيليان كورت" في معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا (رويترز)

الأهداف والقيم

تشير مختلف التقارير التي اهتمت بمسار المعهد، إلى أنه يسعى إلى تحسين المعرفة من جهة، وتطوير ميزتي الصبر والقدرة لدى طلبته وتشجيعهم على الإبداع والفعالية خدمة للإنسانية من جهة ثانية.

إعلان

فمهمة معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا، كما حددها القائمون عليه، تتمثل أساسا في تعزيز معرفة الطلاب في المجالات التي يختارونها باعتماد منهج يزاوج بين الدراسة الأكاديمية الصارمة والتحفيز على الاكتشاف والإبداع.

ومن بين القيم التي يركز عليها المعهد ترسيخ التميز وإذكاء شغف البحث لدى الطلاب.

كما يشدد على ضرورة الانفتاح والاحترام، إضافة إلى ضمان روح الانتماء والحس المجتمعي. وهي قيم صاغتها لجنة تابعة للمعهد وأصدرتها ببيان في 12 أبريل/نيسان 2022.

منهج التدريس

يعتمد معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا منهج تدريس يتمحور حول: التعليم والبحث والابتكار، ليتمكن من تحقيق الأهداف المسطّرة من قبل القائمين عليه، ويلتزم بنهج مؤسسه وليام روجرز.

وفي أسلوب التعليم، لا يختلف المعهد عن الأسلوب المعمول به في مختلف الجامعات الدولية، حيث يلقي الأساتذة في المرحلة الأولى محاضرتهم حول الموضوع المختار، ثم في مرحلة ثانية، يفتح الأساتذة المساعدون باب النقاش مع الطلبة الذين، من خلال تدخلاتهم، يصلون في نهاية الحوار إلى التفكير في بعض التفاصيل المرتبطة بالموضوع الرئيسي.

وقد يلجأ الأساتذة لتكوين مجموعات عمل ويطلب منها تقديم حلول للمشاكل التي تضمنها الموضوع، فتعكف تعمل لأسبوع قصد التفكير في حلول لها.

وعند نهاية كل فصل جامعي، تُجمع هذه المقترحات وتضاف إلى إجابات أسئلة الاختبارات وتسلم من فوج إلى فوج، وهكذا يحصل التراكم العلمي الذي يؤدي إلى التنمية الصناعية.

وبالنسبة للبحث، فإنه يعتبر شكلا فعالا للتعلم بالممارسة داخل المعهد، ويحفز الطلبة للوصول إلى اكتشافات أو تطبيقات عملية جديدة. ويعمل مختبر لينكولن ومعهد وودز هول لعلوم المحيطات في المعهد على تعزيز القدرات البحثية من جهة وإنتاج البحوث من جهة ثانية.

ويعد الابتكار محورا أساسيا في العملية التعليمية داخل المعهد، ويضم مكتبا خاصا بهذه العملية، ويتم العمل فيه بالتعاون مع شركات كبرى.

إعلان

كما يفتح المعهد للمبتكرين سواء من أعضاء هيئة التدريس أو من الطلاب الاستفادة من التوجيه والتمويل ومن الدعم الذي تقدمه شركات عالمية ومنظمات غير ربحية تتعاون مع المعهد.

الهيكلة

يضم معهد ماساشوستس للتكنولوجيا 5 مدارس وكلية واحدة فيها 34 تخصصا أكاديميا و53 مختبرا، إضافة إلى 20 مركزا للبحث لضمان التعليم لفائدة 11 ألفا و920 طالبا تقريبا (عدد الطلبة عام 2023).

ويضم المعهد طلبة من مختلف الولايات الأميركية الـ50 ومن 136 جنسية مختلفة.

وللمعهد هيئة تدريس مكونة من حوالي 1089 أستاذا من بينهم 101 ممن حصلوا على جائزة نوبل، و61 على الجائزة الوطنية للعلوم و33 على الجائزة الوطنية للتكنولوجيا والابتكار.

روبرت لانجر (وسط الصورة) أستاذ معهد ديفيد إتش كوخ في معهد ماساشوستس للتكنولوجيا  يتلقى جائزة بريك ثرو مع فائزين من جامعات أخرى عام 2013 (غيتي)

ومن أهم المدارس والأكاديميات بالمعهد مدرسة الهندسة ومدرسة العمارة والتخطيط ومدرسة العلوم ومدرسة الإدارة، ومدرسة الفنون والعلوم الإنسانية والعلوم الاجتماعية، وأكاديمية العلوم الصحية والتكنولوجيا.

ومن أهم المختبرات فيه، مختبر ماساشوستس للتقنية الإعلامية ومختبر علوم الحاسوب والذكاء الصناعي ومختبر أبحاث الإلكترونيات، إضافة إلى منتدى "ماساشوستس للتقنية" الخاص بالاستثمار، ومركز "ماساشوستس للتقنية" الخاص بالاقتصاد الإلكتروني.

كما يضم المعهد 30 منشأة رياضية وترفيهية وعشرات من المساكن المخصصة لإقامة الطلبة، إضافة إلى ما يقرب من 20 حديقة.

تخصصات المعهد

تحظى مدارس وكليات معهد ماساشوستس للتكنولوجيا باعتماد من جمعية نيو إنغلاند للمدارس والكليات، المنظمة المستقلة غير الربحية التي تأسست عام 1885 لوضع معايير عالية لجميع المستويات التعليم.

يشتهر المعهد بالهندسة والعلوم الفيزيائية، وأيضا بعلوم الاقتصاد والإدارة والفلسفة والعلوم السياسية وغيرها، كما يشتهر خريجوه من الطلبة بمستويات عالية من الخبرة ويتقاضون أعلى الأجور في سوق العمل، سواء داخل الولايات المتحدة الأميركية أو خارجها.

إعلان

وتطور الأداء التعليمي والأكاديمي للمعهد إلى أن أصبح يضمن التكوين في عشرات التخصصات الدقيقة والمتنوعة، إلى جانب الهندسة، سواء الهندسة الكهربائية أو الهندسة المدنية والبيئية وعلم هندسة المواد.

ويقدم المعهد تخصصات في الهندسة النووية والملاحة الجوية والفضائية والفنون والعلوم الإعلامية، إضافة إلى علوم الحاسوب ووسائل النقل وعلم الإحياء المجهري وغيرها من المجالات التي تغري الطلبة من مختلف بقاع العالم.

وكما تطورت المجالات، تطورت أيضا الكليات التابعة للمعهد، خصوصا كلية الهندسة وكلية الهندسة المعمارية والتخطيط وكلية الإدارة، إلى جانب كلية العلوم وكلية العلوم الإنسانية والفنون والعلوم الاجتماعية وكلية العلوم الصحية والتكنولوجيا.

رؤساء جامعات وأساتذة جامعيين منهم رئيس معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا في جلسة استماع حول "محاسبة قادة الحرم الجامعي ومواجهة معاداة السامية" في الكابيتول أواخر عام 2023 (رويترز)

تكاليف ومنح

وتختلف تكاليف الدراسة بالمعهد حسب التخصصات التي يختارها الطالب، لكن عموما يتراوح معدل الرسوم الدراسية ما بين 40 ألفا و57 ألف دولار أميركي وتختلف باختلاف التخصصات.

إذ تبلغ مثلا تكاليف الدراسة السنوية في الهندسة المدنية للطلاب الدوليين حوالي 55 ألف دولار، والعلوم والهندسة ما يقرب من 40 ألف دولار.

ومقابل ذلك، تقدم الجامعة منحا بقيمة 40 ألف دولار حسب الاستحقاقات والاحتياجات، كما تقدم منحا مجانية للطلبة المتميزين علميا على الصعيد العالمي، ويتكفل المعهد بمصاريف الدراسة وبالإقامة.

ويعتمد المعهد في تمويلاته على عدة جهات، منها الرسوم التي يحصلها من الطلاب سنويا، وعلى رأسمال محدد من قبل المعهد، إلى جانب التبرعات والمساهمات التي يتلقاها المعهد من الشركات والمؤسسات الكبرى، وأيضا من الهيئات ومن الأفراد الذاتيين.

إعلان

التصنيف العلمي

من خلال التصنيفات السنوية للجامعات في العالم، التي تصدر عن شركات ومراكز متخصصة، يحظى معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا برتب محترمة تجعله يحتل إما الرتبة الأولى أو مراتب متقدمة ويكون ضمن المربع الأول لأفضل الجامعات.

تفيد مختلف التقارير السنوية الخاصة بتقييم أفضل جامعات العالم أن معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا يحافظ على الصدارة ويحتل مراتب متقدمة ضمن أحسن الجامعات العالمية.

Pro-Palestinian supporters from Harvard University and the Massachusetts Institute of Technology (MIT) rally at MIT at an encampment for Palestine at MIT in Cambridge, Massachusetts, on April 22, 2024. (Photo by Joseph Prezioso / AFP)
طلبة معهد ماساشوستس يعتصمون بساحة المعهد ضد ما يصفونه الإبادة الجماعية التي تمارسها إسرائيل عام 2024 (الفرنسية)

وحسب أشهر شركة متخصصة منذ 19 عاما في التصنيف العالمي للجامعات والبرامج الأكاديمية، كيو إس بلندن، فإن المعهد يعد من بين أفضل 100 جامعة والأكثر شعبية في العالم، وإنه في عام 2022 حافظ على صدارة تصنيف أفضل جامعات العالم الصادر عن "كيو إس" للعام الـ11 على التوالي.

ويعزى هذا الترتيب المتقدم، حسب "كيو إس"، التي تعتمد الاستدامة مقياسا أساسيا للتصنيف، للدور الذي يضطلع به في مجالات البحث العلمي، خاصة تطوير أبحاث هندسة والتكنولوجيا، كما يعود إلى معايير أخرى تتمثل في سمعته الأكاديمية، وعدد طلابه ونسبة الطلبة الدوليين وعدد الأساتذة الذين يتولون مهام التدريس سواء المحليين منهم أو الأجانب.

وحسب آخر تصنيف صدر عن كيو إس لعام 2024، فقد احتل معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا الرتبة الأولى متبوعا بجامعة كامبردج ثم جامعة أكسفورد في الترتيب الثالث وجامعة هارفارد في المركز الرابع.

وبالنسبة لتصنيف التايمز للجامعات العالمية 2024، فإن معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا احتل الرتبة الثالثة بعد جامعة أكسفورد بالمملكة المتحدة وجامعة ستانفورد بالولايات المتحدة الأميركية، علما أن التصنيف شمل 1904 جامعات من 108 دول ومناطق.

وحسب تصنيف التايمز، الذي انطلق منذ 2010، فإن المعايير البحثية التي اعتمدت لقياس أداء الجامعات تتمثل أساسا في نظام التدريس المتبع وجودة البحث والتوجهات الصناعية والتوقعات الدولية.

إعلان

وفي يونيو/حزيران 2018، بوأت مؤسسة كواكواريلي سيموندس المختصة في التعليم، معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا الصدارة كأفضل جامعة ضمن 10 جامعات عالمية، أميركية وبريطانية وسويسرية، للعام السابع على التوالي، معتمدة على معايير عدة أبرزها السمعة الأكاديمية للمؤسسة وسمعة موظفيها ونسبة الطلاب وهيئة التدريس.

طلبة في معهد ماساشوستس يطالبون معهدهم بإصدار بيان يندد بالممارسات الإسرائيلية (الفرنسية)

التضامن مع غزة

كما هو الشأن بالنسبة لطلبة عدد من الجامعات الأميركية العالمية، لم يشكل طلبة معهد ماساشوستس للتكنولوجيا استثناء للتفاعل مع ما يقع في قطاع غزة بعد العدوان الإسرائيلي عليه منذ أكتوبر/تشرين الأول 2023.

وبعد مرور 200 يوم على عدوان الاحتلال، قرر طلاب المعهد الدخول في اعتصام مفتوح داخل الحرم الجامعي في 24 أبريل/نيسان 2024 ونصبوا خيامهم، تعبيرا عن إدانتهم للعدوان الإسرائيلي على غزة ومطالبة جامعتهم بوقف كل أشكال التعاون الاستثماري والتعليمي مع إسرائيل.

وردت إدارة المعهد على تضامن الطلبة بالمنع والقمع بمساندة الأجهزة الأمنية، لكن الطلاب استمروا في مظاهراتهم دعما لأهل غزة، معتبرين ما يقع ضد أهالي القطاع إبادة جماعية للشعب الفلسطيني، ومصرين على ضرورة قطع كل أشكال التعاون مع الجيش الإسرائيلي، الذي يقدم تمويلات ضخمة لمعامل المعهد قصد المساهمة في إنتاج أسلحة تستعمل ضد الفلسطينيين.

المصدر : الجزيرة + مواقع إلكترونية

إعلان