اتحاد المحاكم الإسلامية
مجموعة من المحاكم الصومالية تأسست في مواجهة زعماء الحرب -بعد سقوط نظام محمد سياد بري- وكانت تسعى إلى تطبيق الشريعة الإسلامية وبسط الأمن، توحدت فيما عرف بـ"اتحاد المحاكم الإسلامية" برئاسة الشيخ شريف شيخ أحمد.
النشأة والتأسيس
ربط باحثون كثر نشأة المحاكم الإسلامية الشرعية بعاملين رئيسيين، الأول حرص الأغنياء من التجار وزعماء القبائل وشيوخها على قوة تحمي أموالهم وتجارتهم في ظل الفوضى التي سادت البلاد بعد سقوط نظام محمد سياد بري، حيث كثرت الاغتيالات والاختطافات، فدعموا طلاب العلوم الدينية (العمود الفقري للمحاكم).
والعامل الثاني رغبة شريحة كبيرة من الصوماليين في "تطبيق الشريعة الإسلامية" لأن أغلبية الشعب الصومالي مسلمة مقتنعة بالفكر الإسلامي، وهو ما شكل دعما لقوات المحاكم الإسلامية في مواجهتها مع أكثر من عشرة فصائل من أمراء الحرب، وعصابات النهب والسلب خاصة في العاصمة مقديشو.
التوجه الأيديولوجي
تبنت المحاكم الإسلامية التوجه الديني، لكنها لم تكن منسجمة في مرجعيتها الفكرية، فقد أوضح عدد من الباحثين أن هناك اختلافا بين تيارين وتوجهين داخل اتحاد المحاكم:
الأول توجه يجمع بين الصوفية وتنظيم أهل السنة والجماعة والإخوان وأطياف إسلامية تقليدية، يجمعها الاعتدال والوسطية والميل إلى الحلول السلمية والحوار مع المخالفين ومع الحكومة، والتدرج في الإصلاح، والسعي لتوفير الاستقرار وتقوية الاقتصاد لأجل عيش أفضل للصوماليين، وأبرز من يمثل هذا التوجه الشيخ شريف شيخ أحمد، والشيخ عبد القادر على.
أما التوجه الثاني، فيتبنى فكر السلفية الجهادية ويمثله تنظيم "حركة الاتحاد الإسلامي" قبل أن يصبح اسمه "الاعتصام الإسلامي" ومن أبرز زعمائه الشيخ حسن عويس والشيخ حسن تركي.
تلتقي أفكار هذا التوجه مع أفكار تنظيم القاعدة، ولذلك ذهبت أجهزة الاستخبارات الغربية إلى اعتبار المحاكم مأوى لمتطرفين مرتبطين بالقاعدة. وقد رفض الشيخ شريف الشيخ أحمد التصنيف الغربي للمحاكم وتشبيه الحالة الصومالية بالحالة الأفغانية، ونفى أي ارتباط لها بتنظيم القاعدة.
ذهبت بعض التحليلات السياسية إلى أن التدخل الأجنبي -وخاصة الأميركي والإثيوبي- أضعف الجناح المعتدل في تنظيم المحاكم لصالح الجناح "الجهادي".
وقد حددت المحاكم الإسلامية أهدافها في إعادة الأمن والاستقرار وتحقيق العدالة الشاملة لأبناء الشعب الصومالي وفق الشريعة الإسلامية.
المسار
بدأت إرهاصات تكوين تنظيم المحاكم الإسلامية عام 1991 بعد انهيار الدولة الصومالية وسقوط نظام محمد سياد بري، حيث عمت الفوضى وباتت الكلمة للقوة وأمراء الحرب والعصابات، بعدما تعرضت منشآت حكومية ومرافق أساسية بالعاصمة مقديشو للنهب والسلب والإتلاف.
اتفق عدد من العلماء برئاسة الشيخ محمد معلم حسن على ضرورة حماية تلك المنشآت والمرافق لأجل مصلحة الشعب الصومالي وسكان المدينة، فتأسست أول محكمة إسلامية وشكلت قوة عسكرية للدفاع عن تلك المنشآت.
لكن قوات الجنرال عيديد أجهضت تلك التجربة، وواجهتها بالصواريخ دون استطاعتها إجهاض الفكرة، حيث نشأت محكمة ثانية في جنوب مقديشو وبأخطر أحياء المنطقة عام 1992، مدعومة بقوة عشائرية وفرت الحماية للمحكمة.
تأسس بعد ذلك تباعا محاكم عديدة في أحياء العاصمة بإشراف علماء وزعماء عشائر ودعم من أغنياء ورجال أعمال، وتوسعت خارج مقديشو بعدما استطاعت تحقيق الأمن ومواجهة العصابات وقطاع الطرق.
إلى جانب المحاكم الإسلامية كان هناك تنظيم آخر في الصومال عرف بـ"حركة المجاهدين الشباب" يتبنى التوجه السلفي الجهادي، بدأ في البروز منذ عام 2004.
وفي مارس/آذار 2006 بدأت معارك بين ما عرف بتحالف مكافحة الإرهاب -الذي يتشكل من أغلب زعماء الحرب في مقديشو- واتحاد المحاكم الإسلامية التي تمكنت من طرد التحالف والسيطرة على العاصمة وتعيين الشيح حسن عويس -في يونيو/حزيران من نفس السنة- رئيسا لمجلس المحاكم.
وقّعت الحكومة الانتقالية الصومالية والمحاكم الشرعية في 22 يونيو/حزيران 2006 اتفاقا على الاعتراف المتبادل وإنهاء أعمال العنف، لكن ضعف وغياب الخبرة السياسية لقيادة الاتحاد وطريقة تعامله مع الحكومة الانتقالية في بيدوا، والتدخل الإثيوبي العسكري في ديسمبر/كانون الأول 2006بطلب من الحكومة الانتقالية، أدخل اتحاد المحاكم في مأزق كبير.
هرب مسلحو المحاكم الإسلامية للخارج في يناير/كانون الثاني 2007، وتجددت المواجهات مع القوات الإثيوبية والصومالية في أبريل/نيسان 2007 في مقديشو.
وفي 31 يناير/كانون الثاني 2009 انتخب البرلمان الصومالي في جيبوتي الشيخ شريف شيخ أحمد رئيسا جديدا للصومال، وفي يناير/كانون الثاني 2010 حل الرئيس الجديد قوات المحاكم الإسلامية، لكن ذلك لم يحلّ أزمة الصومال لدخول الحكومة الجديدة في صراع جديد مع حركة الشباب المجاهدين والحزب الإسلامي.