المعلومة بنت الميداح.. ألحان الفن وأحلام السياسة

المعلومة منت الميداح

فنانة موريتانية أخرجت الفن الموريتاني من أسره المحلي من خلال تطويرها الأغنية الشعبية اللهجية (أشوار الظل) عن النسق التقليدي، واستخدام آلات موسيقية جديدة على "الهول" (الغناء التقليدي) الموريتاني، وأضافت الالتزام السياسي إلى ذلك، فخلقت جمهورها المفتون بأغانيها.

المولد والنشأة
ولدت المعلومة بنت المختار ولد الميداح 1960 في الشارات (مقاطعة المذرذرة) بولاية الترارزة الموريتانية، لأسرة توارثت فن الغناء، فأبوها المختار كان فنانا وعازفا مشهورا، وأمها عائشة بنت البُـبّان تنتمي لإحدى العائلات العريقة في مجال الموسيقى التقليدية.

وفي هذا الجو الفني الصرف، نشأت الفنانة المعلومة في بيئة تتوارث فيها العائلات الغناء والموسيقى وتحتكر الفن فيها أسر معروفة لتبقى ممارسته مكونا أصيلا في شخصية أبناء وبنات العائلات الفنية، التي تعرف في موريتانيا بـ"إيكاون".

الدراسة والتكوين
دخلت المدرسة الابتدائية في المذرذرة سنة 1965 وحصلت على شهادت الدروس الابتدائية في روصو سنة 1974، لكن المعلومة انقطعت عن التعليم بسبب العادات التي تفرض على بنات الأسر الفنية الانشغال بتعلم الموسيقى التقليدية وإتقان التعاطي مع آلة "آردين" (آلة وترية تعزف عليها النساء خاصة).

ولتوارث الهول (الغناء) بموريتانيا في أسر معينة، كان لا بد لمن تنتمي لأسرة أهل الميداح أن تكون فنانة ، فانكبت أسرتها على تعليمها وتدريبها على الغناء والعزف بالطريقة الموريتانية القائمة على التلقين والتدريب العملي في هذا الميدان.

تعلمت الفناة المعلومة الموسيقى التقليدية الموريتانية على يد والدها الموسيقار المختار ولد الميداح، فأتقنت -وهي لا تزال صغيرة- العزف على الآلات الموسيقية التقليدية، وأحاطت "بمقامات الهول" (الغناء التقليدي) كواحدة من بنات الأسر الفنية المشهورة.

التجربة الفنية
انطلقت في مشوارها الفني بشكل تقليدي تعزف وتغني كأي فتاة من بنات جيلها، وأظهرت براعة في العزف والغناء، مستفيدة في ذلك من مهارتها وتاريخ أسرتها الفني العريق، وحاولت مبكرا البحث عن طريقة لتطوير فنها.

قادت المعلومة رغبتها في تطوير الفن الموريتاني للبحث عن التجديد، فتمردت على كل ما هو مطبوع بالروتين، وفاجأت الساحة الفنية بدءا من عام 1986 بأغانيها الخارجة على النسق التقليدي شكلا ومضمونا والجامعة بين الأصالة والمعاصرة، لقناعتها بأن النمط الموسيقي القديم لا بد من استخدامه بشكل يتناغم مع ذوق شعوب اليوم بإضفاء مسحة من العصرنة عليه.

وتوالى ظهورها عبر التلفزيون المحلي بصحبة شقيقتها المرحومة "مُنّينة" وشقيقها العازف "عرفات" في منوعات غنائية لحنتها لنفسها وكانت جديدة على المجتمع، مما جعل سيرتها مثيرة للجدل خاصة بعد صدور أغنيتها "حبيبي حبيته" التي شاركت بها في مهرجان قرطاج بتونس عام 1988.

لحنت المعلومة لفنانين وفنانات من بلدها، وغنت للقضايا الوطنية والعربية الكبرى وضد الفقر والأمراض والفوارق الطبيقة الاجتماعية، مما جعل جمهورها يلقبها بـ"مطربة الفقراء".

وظلت قضيتا فلسطين والعراق حاضرتين في أغانيها، كما زارت غزة في قافلة تضامن مع أهلها في شهر ديسمبر/كانون الأول 2012.

التجربة السياسية
دخلت الفنانة المعلومة المعترك السياسي من بوابة المعارضة سنة 1992 في أول انتخابات تعددية بموريتانيا، حيث ساندت المرشح لرئاسة الجمهورية أحمد ولد داداه الذي نافس الرئيس الموريتاني آنذاك معاوية ولد سيد أحمد الطايع.

انضمت إلى حزب اتحاد القوى الديمقراطية/عهد جديد، ثم لتكتل القوى الديمقراطية الذي تأسس بعد حل الأول (كلاهما تزعمه أحمد ولد داداه) وظلت تناضل في صفوفه، وتصدح بأغانيها المساندة للمعارضة. وهو ما عرضها لحصار إعلامي وفني فرضته عليها السلطة الحاكمة واستمر إلى غاية الإطاحة بنظام ولد سيدي أحمد الطايع في 3 أغسطس/آب 2005.

انتخبت سنة 2007 عضوا في مجلس الشيوخ (الغرفة الأولى في البرلمان الموريتاني) على قوائم حزب التكتل ووفر لها البرلمان منبرا لإيصال رسالتها السياسية، فواصلت ممارسة السياسة وتمسكت بالفن لأنها ترى أن "رسالة الفن أزلية والخطاب السياسي عابر، والغناء قد يساعد في بلورة خطاب سياسي يتجاوز مداه قاعة البرلمان".

وفي 16 ديسمبر/كانون الأول 2014 أعلنت المعلومة مغادرتها مربع المعرضة السياسية والتحاقها بالحزب الحاكم (حزب الاتحاد من أجل الجمهورية)، بعد فترة توقف دامت ثلاث سنوات واعتزلت خلالها الظهور في أنشطة العمل السياسي الحزبي.

وأوضحت -خلال مؤتمر صحفي نظمته بهذه المناسبة- أن قرارها يأتي بعد "تفحص عميق" للساحة السياسية، وهو ما ولّد لديها "قناعة راسخة" بأن حالة البلاد الراهنة تتطلب الوقوف خلف سياسات النظام الحالي بقيادة الرئيس محمد ولد عبد العزيز، لما لمسته فيه من "جدية وصرامة في بناء موريتانيا".

الأعمال الفنية
أصدرت المعلومة العديد من الألبومات الغنائية، ولها رصيد كبير من الأغاني في الأسواق المحلية والدولية، وأصدرت سنة 2014 ألبوم "أكنو" (شور تقليدي موريتاني ترقص النساء على أنغامه) الذي يجمع الفن التشكيلي والموسيقى بصفة عضوية.

الجوائز والأوسمة
نالت الفنانة المعلومة مجموعة من الأوسمة المحلية والدولية، منها وسام جوقة الشرف من الرئيس الفرنسي بتاريخ 13 ديسمبر/كانون الأول 2013، ولديها مؤسسة لحفظ وترقية الموسيقى والتراث الوطني، وهي سفيرة لاتحاد الشبكات الدولية للمحافظة على البيئة.

المصدر : الجزيرة