"باتريوت" منظومة دفاع جوية أميركية انتشرت في 4 قارات

منظومة باتريوت الأميركية هي نظام دفاع جوي صاروخي بعيد المدى، طورته شركة "رايثيون" لصالح الجيش الأميركي منذ ستينيات القرن الـ20، وبدأت خدمته الرسمية عام 1985.
صُممت المنظومة للتصدي للطائرات المعادية والصواريخ الباليستية، وتطورت عبر أجيال متعاقبة، أبرزها "باك-2″ و"باك-3" المزود بتقنية الإصابة المباشرة. ويعتمد النظام على رادار متقدم وقاذفات صواريخ متنقلة قادرة على العمل في مختلف الظروف.
وقد انتشر نظام باتريوت في أكثر من 18 دولة، واستخدم في نزاعات كبرى أبرزها حرب الخليج الثانية والحرب الروسية الأوكرانية.
النشأة والتطور التاريخي
بدأت فكرة تصنيع نظام دفاع جوي متقدم للجيش الأميركي عام 1961، تحت اسم "أيه أيه دي إس 70″، وكان من المقرر أن يكون نظاما دفاعيا متنقلا يحل محل صواريخ "هوك" و"نايكي هيركوليز" الثابتة.
وفي أكتوبر/تشرين الأول 1964 غير الجيش الأميركي تسمية البرنامج إلى "سام – دي"، وهو اختصار لـ"صاروخ أرض-جو التطويري"، وبدأ التصنيع الرسمي له في العام الموالي، وكان عبارة عن صاروخ يشبه الطائرة، مخصص لاعتراض الطائرات المعادية.
ومع اتساع نطاق التهديدات الجوية، سعت الولايات المتحدة إلى تحسين قدرات الدفاع الجوي، فعملت على تطوير برنامج "سام دي"، وبدأت منذ مطلع سبعينيات القرن الـ20 وحتى منتصف الثمانينيات برنامج تطوير أدارته شركة "رايثيون" المتخصصة في أنظمة الدفاع.

وقد أعيدت تسمية المنظومة إلى "باتريوت" عام 1976، وأعلن رسميا عن جاهزيتها التشغيلية الكاملة عام 1985.
ومع دخول باتريوت مرحلة الإنتاج المكثف منتصف ثمانينيات القرن الـ20، بدأت وزارة الدفاع الأميركية (البنتاغون) جهودا لإضافة القدرة على التصدي للصواريخ الباليستية إلى النظام.
وفي العام التالي تم تطوير النظام إلى معيار "قدرة باتريوت المتقدمة-1" أو "باك-1″، الذي تضمن تعديلات برمجية مكنت النظام من اعتراض الصواريخ الباليستية التكتيكية. وقد نشر الجيش الأميركي هذه النسخة رسميا في وحداته في يوليو/تموز 1988.
وكان أول استخدام قتالي فعلي لمنظومة باتريوت أثناء حرب الخليج الثانية عام 1991، حين استخدمتها الولايات المتحدة لاعتراض صواريخ "سكود" العراقية التي استهدفت الأراضي السعودية.
تحديثات باتريوت المتقدمة
بعد نشر الجيش الأميركي نظام "باتريوت باك-1″، شرع في برنامج تطوير ثانٍ عُرف بـ"باك-2″، وشمل تعديلات على صاعق الصاروخ والرأس الحربية ونظام التوجيه، بهدف تمكينه من التصدي لصواريخ باليستية أكثر تقدما، مثل الصاروخ السوفياتي "أو تي آر-23″ المعروف أيضا بـ"أوكا".
وفي عام 1993 طور الجيش النظام ليشمل قدرة الإطلاق عن بُعد، ما أتاح نشر منصات الإطلاق على مسافة تصل إلى 10 كيلومترات من الرادار، وهو ما ضاعف المساحة المحمية للنظام 5 مرات، من نحو 20 كيلومترا مربعا إلى ما يقارب 100 كيلومتر مربع.
ومن التحسينات الأخرى على النظام، تطوير صاروخ اعتراضي جديد بتقنية "الإصابة المباشرة" (هيت تو كيل)، وهي تقنية تُدمر الهدف عبر الاصطدام المباشر به.

كما بدأت عملية تطوير صاروخ يعتمد على "تقنية الاعتراض بعيد المدى"، وخضع لاختبارات طيران بين عامي 1992 و1994. وقد شكل هذا الصاروخ الأساس لنظام الاعتراض المعروف بـ"باتريوت باك-3".
وكان الجيش الأميركي قد أنشأ مكتب مشروع "باك-3" عام 1991، وخضع النظام لاختبار ميداني محدود عام 2000، ثم دخل مرحلة الإنتاج الأولى بمعدل منخفض. وأعلن عن جاهزيته للقتال في أغسطس/آب 2002.
وقد استُخدم نظام "باتريوت باك-3" أول مرة في العمليات القتالية أثناء الغزو الأميركي للعراق عام 2003، الذي جاء تحت ذريعة امتلاك بغداد "أسلحة دمار شامل".
وفي مارس/آذار 2009، أجرى الجيش الأميركي أول اختبار طيران موجه لصاروخ "باك-3" المطور، الذي تميز بمحرك أكبر وتحسينات إضافية ضاعفت مداه تقريبا، إلا أن التجربة باءت بالفشل، بعد إخفاق المرحلة الثانية من تشغيل المحرك في الاشتعال، مما حال دون استكماله مساره نحو الهدف.
وفي اختبار طيران ثان عام 2010 نجح الجيش الأميركي في اعتراض صاروخ باليستي تكتيكي باستخدام دفعة مزدوجة من صواريخ "باك-3" الاعتراضية. وفي عام 2014، تمت الموافقة على بدء الإنتاج الأولي للصاروخ المطور، قبل أن تتم المصادقة على بدء الإنتاج الكامل له عام 2018.
المواصفات
- النوع: نظام صواريخ دفاع جوي بعيد المدى يعمل على جميع الارتفاعات وفي مختلف الظروف الجوية.
- الوزن الكلي للصاروخ: نحو 700 كيلوغرام.
- طول الصاروخ: نحو 5.2 أمتار (ما يعادل 17 قدما).
- المدى: يتراوح بين 20 إلى 35 كيلومترا ويختلف باختلاف نوع الصارخ.
- قدرة التدمير: يستخدم الصاروخ تقنية "الإصابة المباشرة" التي تعتمد على الطاقة الحركية الناتجة عن اصطدامه المباشر بالهدف لتمديره، مع وجود رأس حربية صغيرة متفجرة لتعزيز التأثير التدميري.
- نظام التوجيه: يحتوي الصاروخ على باحث راداري نشط في مقدمته، يتيح له تتبع الأهداف والاشتباك معها بشكل مستقل، كما يتلقى تحديثات منتصف المسار من الرادار الأرضي، إلى جانب نظام الملاحة بالقصور الذاتي على متنه.
- سرعة الصاروخ: تصل السرعة القصوى إلى 5 ماخ، أي ما يعادل نحو 3836 ميلا في الساعة.
- الرادار: يعتمد النظام على رادار متطور من طراز "إيه إن/إم بي كيو-65".

مكونات النظام وآلية عمله
تتكون منظومة باتريوت من 5 مكونات رئيسية هي وحدة الرادار ومحطة التحكم في الاشتباك وقاذف الصواريخ والصواريخ نفسها ومولدات الطاقة.
تتألف وحدة الرادار من نظام رادار متعدد المهام يتم التحكم فيه عن بُعد بواسطة محطة التحكم. ويستطيع اكتشاف وتتبع أكثر من 100 هدف محتمل في آن واحد، ويغطي مدى يتجاوز 100 كيلومتر مربع.
أما محطة التحكم في الاشتباك، فهي الجزء الوحيد المأهول في وحدة باتريوت، وقد صُممت للتواصل مع منصات الإطلاق والبطاريات الأخرى ومراكز القيادة، إضافة إلى تتبع الأهداف وتحديد أولويات الاشتباك.
وعادة ما يتولى تشغيل المحطة 3 أفراد يتوزعون على وحدتي تحكم ومحطة اتصالات تحتوي على 3 أجهزة ربط راديوية.
ولتشغيل الرادار ونظام التحكم في الاشتباك، تمتلك كل وحدة باتريوت شاحنة توليد طاقة مزودة بمولدين كهربائيين تبلغ قدرة كل منهما 150 كيلوواط.
وتُشكل منصات إطلاق الصواريخ وصواريخ باتريوت الجزء الأخير من المنظومة. وتحتوي كل منصة على 4 حاويات، تنقل الصواريخ وتوجهها وتطلقها.
ويمكن وضع منصة الإطلاق على مسافة منفصلة عن الرادار ومحطة التحكم، وتكون جاهزة للإطلاق في أقل من 9 ثوان.
وبمجرد إطلاق الصاروخ، يُرسل بيانات إلى محطة الرادار التي تتابع مساره بدقة وتساعد في توجيهه نحو الهدف عبر التحديثات المستمرة.
الانتشار العالمي
بحسب تقارير إعلامية، تمتلك نحو 18 دولة منظومة باتريوت أو أبرمت اتفاقية لشرائها. وتشمل هذه الدول الولايات المتحدة وهولندا وألمانيا واليابان وإسرائيل والسعودية والكويت وتايوان واليونان وإسبانيا وكوريا الجنوبية والإمارات وأوكرانيا وقطر ورومانيا والسويد وبولندا والبحرين.
ورغم نشر إسرائيل بطاريات باتريوت أثناء حرب الخليج الثانية، فإنها أصيبت بـ39 صاروخا من طراز "سكود" أطلقتها بغداد، مما أثار حديثا حول فاعلية المنظومة آنذاك.
وفي أغسطس/آب 2010، أبلغت إدارة الرئيس الأميركي باراك أوباما الكونغرس عزمها بيع الكويت أحدث نسخة من صواريخ باتريوت الاعتراضية.
وذكرت وكالة التعاون الأمني والدفاعي التابعة للبنتاغون أن الكويت تسعى للحصول على 209 صواريخ من طراز باتريوت بقيمة تقدر بنحو 900 مليون دولار.
كما استخدمت إسرائيل منظومة باتريوت عام 2014 في مدينة حيفا ومدن أخرى للتصدي لصواريخ أطلقها حزب الله اللبناني.

وفي عام 2015، وبعد يوم واحد من إعلان ألمانيا إنهاء وجود قواتها العسكرية على الأراضي التركية ضمن قوات حلف شمال الأطلسي (الناتو)، قررت الولايات المتحدة سحب منظومة "باتريوت" من تركيا.
وفي عام 2017، قررت تركيا شراء منظومة "إس 400" الروسية، بعد تعثر مفاوضاتها المطولة مع الولايات المتحدة لشراء منظومة باتريوت، ما أثار توترات داخل حلف الناتو.
أما في حرب اليمن التي اندلعت عام 2015، فقد استخدمت كل من السعودية والإمارات منظومة باتريوت لاعتراض صواريخ باليستية وطائرات مسيرة أطلقتها جماعة أنصار الله (الحوثيون).
وفي عام 2023، بدأت القوات المسلحة الأوكرانية استخدام منظومة باتريوت المتطورة التي زودتها بها الولايات المتحدة وألمانيا في إطار حربها ضد روسيا.
وقد أعلنت كييف عن أول عملية اعتراض ناجحة، استهدفت صاروخا روسيا من طراز "كينجال-47" الفرط صوتي.
وفي يوليو/تموز 2025، أعلن الرئيس الأميركي دونالد ترامب عن إرسال صواريخ باتريوت إضافية إلى أوكرانيا، مشيرا إلى أنها "ضرورية لحمايتها من الهجمات الروسية"، وأوضح أن الاتحاد الأوروبي سيتكفل بتعويض الولايات المتحدة عن تكلفتها.