ما هو عجز الميزانية؟

A playground is seen behind a locked gate at Woods Elementary Math & Science Academy in Chicago, Illinois, United States, in this file photo from May 8, 2015. The Chicago Board of Education's $875 million bond issue next week comes as the nation's third-largest public school system struggles with a structural budget deficit of at least $1 billion. Rated below investment-grade, the Chicago Board of Education is likely to attract a new class of investors not typical to the municipal bond market. REUTERS/Jim Young/Files
لا يُعد عجز الميزانية على الدوام مؤشرا على سوء إدارة المالية العمومية وإنما العبرة بأوجه الإنفاق العمومي ومبرراته (رويترز)
عجز الميزانية هو الرصيد السالب للميزانية العامة للدولة، والناتج عن كون النفقات تفوق الإيرادات. وتضطر الحكومة في هذه الحالة إلى تمويل هذا العجز من خلال الاقتراض، مما يؤدي إلى تزايد الدين العمومي.
 
وفي الحالة الأخرى، أي حينما تزيد الإيرادات على النفقات، يُقال إن الميزانية تعرف فائضا. وتقوم الحكومة إما بترحيل هذا الفائض إلى ميزانية السنة القادمة على شكل إنفاق إضافي، أو تحوله إلى ادخار وتوظفه في أسواق المال أو في إنشاء صندوق سيادي.
 
تدقيق مصطلحي
لا ينبغي الخلط بين عجز الميزانية والمديونية العمومية، حتى وإن كان العجز يترجم بالضرورة كدين إضافي. إذ أن العجز عبارة عن تدفق (Flow) من حيث إنه حصيلة ميزانية سنة مالية واحدة، أما الدين العمومي فهو عبارة عن مخزون (Stock) أي تراكم لعدة سنوات من العجز.
 
كما لا ينبغي الخلط أيضا بين عجز الميزانية والعجز العمومي، فهذا الأخير أعم وأشمل من الأول لأنه يحوي فضلا عن عجز الميزانية، عجز الجماعات الترابية المختلفة (المجالس المحلية والجهوية) وعجز صناديق التقاعد ومنظمات الحماية الاجتماعية.
 
ومن المهم أيضا التمييز بين عجز الميزانية المتوقع والعجز الحقيقي، فالأول يخص مشروع الميزانية التي تتقدم به الحكومة في قانون المالية إلى البرلمان، وأما الثاني فهو حصيلة لتنفيذ الميزانية بعد نهاية السنة المالية.

الدواعي والمبررات
لا يعد عجز الميزانية على الدوام مؤشرا على سوء إدارة المالية العمومية، وإنما العبرة بأوجه الإنفاق العمومي ومبرراته التي استدعت وجود العجز أصلا.

فالحكومات أحيانا تكون مطالبة بنهج سياسة إنفاقية توسعية تقتضي بالضرورة ميزانية تعرف عجزا طارئا، تبرره الظرفية الاقتصادية السائدة أو المطالب الاجتماعية الملحة وضرورة حفظ السلم الأهلي والاستقرار السياسي.

وقد تلجأ الحكومات إلى التوسع في الإنفاق من أجل إنعاش الاقتصاد في لحظات الأزمات وتعرضه للصدمات الخارجية (تراجع الصادرات أو أعداد السياح الوافدين) أو بهدف تحفيز النشاط الإنتاجي من خلال رفع الطلب الكلي (الاستهلاك والاستثمار) كي يبلغ النمو مداه وتنخفض أعداد المواطنين الذين يعانون من البطالة ويئنون تحت وطأة الفقر.

وفي حال لم تجد الحكومة تحت يدها ادخارا عموميا قادرا على تمويل الإنفاق المطلوب، وإذا تعذر رفع الضرائب (الضريبة على الدخل أو الضريبة على الشركات مثلا) فإنها لا تجد بدا من اللجوء إلى العجز وتمويله عن طريق الدين في سبيل رفع إنفاقها.

فالإنفاق المنتج للثروة أو المحفز على إنتاجها يحقق الأهداف التي تقدم ذكرها، دون تبذير موارد البلد في إنفاق عقيم واستهلاك خارج على الغرض، فيتحول عندئذ العجز من عجز ظرفي إلى هيكلي، وتدخل البلاد في دوامة القروض إلى حد تعريضها لخطر العجز عن السداد والتبعات السلبية المترتبة عنه.

ويظل الاستثمار أعظم السبل وأيسر الطرق من أجل خلق الثروة، سواء كان استثمارا ينعكس على زيادة الإنتاج بشكل مباشر كتشييد منشأة صناعية جديدة أو تزويد منشأة قديمة بخط إنتاج إضافي، أو بشكل غير مباشر مثل توفير البنى التحتية الجاذبة للاستثمار أو تأهيل العمالة المحلية وتجويد التعليم أو تمويل البحث العلمي.

أما الإنفاق على الاستهلاك فلا يسري عليه ما يسري على الاستثمار، إلا ما كان منه موجها إلى تحفيز الاستثمار الخاص والإنتاج المحلي، فذلك طريق غير مباشر إلى زيادة الثروة القومية.

وغير ذلك لا يعدو أن يكون دعما للاقتصادات الأجنبية وسببا في تعميق عجز الميزان التجاري ومضيعة لـ الاحتياطي النقدي الوطني.

الاستهلاك والعجز
الأصل في الإنفاق العمومي على الاستهلاك ألا يخرج على الغرض، ويبقى في حدود ما تسمح به إمكانيات الدولة ويوافق الاتجاه العام لمستوى عيش المجتمع. وذلك ما يقضي به المنطق ومطلبي الفعالية والنجاعة في تدبير المالية العمومية.

فمن غير المعقول أن تلجأ الحكومة إلى العجز من أجل الإنفاق على شراء السيارات الفارهة والطائرات الخاصة، وأداء أجور خيالية لكبار موظفي الدولة ومسؤوليها، أو الإنفاق على صفقات تسلح غير مبررة. وخصوصا إذا تعلق الأمر ببلد محدود الموارد وغارق في الديون.

ويؤثر أصحاب المصالح الخاصة وذوو النفوذ في السياسات الحكومية في معظم بلدان العالم الثالث، ويظل القرار السياسي متفلتا من الإرادة الشعبية وعصيا على الترويض بسبب غياب الديمقراطية وطغيان الاستبداد.

وبالمقابل، تعطي الدول الإسكندنافية (النرويج والسويد على سبيل المثال) دروسا نموذجية عن الإنفاق الحكومي المسؤول والخاضع للرقابة الشعبية، بفضل رسوخ الديمقراطية والحق في الولوج إلى المعلومة وفاعلية المجتمع المدني.

المصدر : الجزيرة + مواقع إلكترونية