زيادة الرواتب بنسبة 100%.. هل تؤثر على واقع السوريين؟

الازدحام على المواقف وإضراب مواصلات النقل العام_ وسائل التواصل الاجتماعي_
يعيش 90% من السوريين تحت خط الفقر (مواقع التواصل الاجتماعي)

دمشق – أصدر رئيس النظام السوري بشار الأسد -أمس الأربعاء- قرارات بزيادة الرواتب والأجور بنسبة 100% لكل العاملين في الدولة من مدنيين وعسكريين، ومنح أصحاب المعاشات التقاعدية من العسكريين والمدنيين زيادة قدرها 100%.

وبالتزامن مع هذه الزيادة رفعت حكومة النظام أسعار المحروقات والمشتقات النفطية بنسب متفاوتة تصل أعلاها إلى نحو 150%، فارتفع سعر لتر البنزين المدعوم (90 أوكتان) إلى 8 آلاف ليرة بدلا من 3 آلاف، وسعر لتر البنزين "95 أوكتان" إلى 13 ألفا و500 ليرة بدلا من 10 آلاف، وسعر لتر المازوت المدعوم إلى ألفي ليرة بدلا من 700 ليرة، وسعر لتر المازوت الحر للقطاع الصناعي إلى 11 ألفا و550 ليرة بدلا من 5 آلاف و400 ليرة.

وأدى هذا القرار الحكومي إلى إشعال غضب أصحاب وسائل النقل العامة الذين أعلنوا إضرابات في عدد من المحافظات السورية، ممتنعين عن نقل الركّاب إلى وجهاتهم.

وتشهد الليرة السورية، منذ مطلع العام الجاري، انهيارا متسارعا في قيمتها تخطى معه سعر صرف الدولار حاجز 15 ألف ليرة للمرة الأولى مساء أمس الأربعاء.

زيادة شكلية

واستقبل سوريون خبر زيادة الرواتب بالتزامن مع ارتفاع أسعار المحروقات بالسخرية حينا والسخط أحيانا مشيرين في منشوراتهم على مواقع التواصل الاجتماعي إلى عدم جدوى هذه الزيادة في ظل الارتفاع الكبير والمتسارع الذي تشهده أسعار السلع الغذائية والاستهلاكية.

ودوّن مجد محمد على صفحته في فيسبوك موجها حديثه للجهات المسؤولة "ألغوا زيادة الرواتب وخذوا الراتب كله، وبالمقابل ألغوا قرارات مبارح (أمس)، أساسا نحن اقتنعنا أننا لا نستحق العيش".

واستشرف المستشار الاقتصادي السوري أسامة القاضي، على صفحته الشخصية في فيسبوك، حدوث تضخم جديد بالتزامن مع قرار الحكومة رفع أسعار مادتي المازوت والبنزين، وأشار القاضي إلى تراجع قيمة الموازنة العامة السورية لعام 2023 من 2.7 مليار دولار إلى مليار دولار بالتزامن مع رفع أجور العاملين 100%.

 

ويقول جعفر (38 عاما)، موظف في القطاع العام في دمشق، للجزيرة نت "راتبي قبل الزيادة 175 ألف ليرة والآن أصبح بعد الزيادة 350 ألفا (22 دولارا)، ولكن قبل شهور قليلة كنت أشتري كيلو البن بـ40 ألف ليرة أما اليوم فأصبح بـ100 ألف ليرة، وإيجار منزلي كان بـ200 ألف ليرة والشهر الماضي ارتفع إلى 450 ألفا".

ويضيف "هذه الزيادة شكلية وفي الواقع غير ملموسة، فنحن 3 أفراد في المنزل وتكلفة أبسط وجبة خالية من اللحوم لا تقل عن 40 ألف ليرة (2.5 دولارا)، وإذا قلنا إننا سنكتفي بوجبتين في اليوم فقط وضربنا ثمن هاتين الوجبتين بعدد أيام الشهر لكان الحاصل مليونان و400 ألف ليرة (154 دولارا)، فكيف يمكنني دفع إيجار منزلي وإطعام أسرتي بعد هذه الزيادة؟".

وارتفع متوسط تكاليف معيشة الأسرة السورية في مناطق سيطرة النظام شهريا، في مارس/آذار الماضي، إلى 6.5 ملايين ليرة وفقا لـ"مؤشر قاسيون لتكاليف المعيشة".

ويعاني السوريون اليوم من أزمة معيشية غير مسبوقة منذ اندلاع الحرب وبداية الأزمة الاقتصادية في البلاد قبل 12 عاما، ويعيش 90% منهم تحت خط الفقر منذ عام 2021 وفق برنامج الأغذية العالمي.

صورة لخضر وفواكه من سوق في دمشق (أرشيف المراسل الجزيرة نت)
رفع الرواتب والأجور رافقه ارتفاع في أسعار المحروقات والغذاء (الجزيرة)

مسرحية رفع الرواتب والأجور

ويرى الخبير الاقتصادي السوري وسام أبو حسون أن زيادة الرواتب والأجور لا تعدو أن تكون "مسرحية هزلية في ظل النظام السوري الذي هو في الأساس نظام طبقي تغيب عنه آليات التنسيق ما بين السياستين المالية والنقدية، فتصبح زيادة الرواتب أداة لامتصاص الغضب الشعبي، فالزيادة الأخيرة في الرواتب هي زيادة في كمية النقد المتداول فقط، والتي سينتج عنها تضخمية ارتدادية نتيجة لازدياد الطلب المترافق مع زيادة الرواتب وعدم وجود أي مرونة مقابلة في العرض السلعي والخدمي، وبالتالي تهالك جديد في القوة الشرائية لليرة السورية".

أما عن دلالة تزامن صدور مرسوم زيادة الرواتب مع قرار حكومة النظام رفع أسعار المحروقات والمشتقات النفطية؛ فيقول أبو حسون للجزيرة نت "إن هذا التزامن يدل على نية النظام في الانتقال إلى سياسة تحرير السوق، وبالتالي تحرير الدولة من آخر التزاماتها تجاه الشريحة الأوسع من السوريين، لا سيما مع إلغاء الدعم نهائيا، واقتصار السياسة المالية على خدمة الطبقة السائدة فقط من رجالات النظام والتجار".

واستبعد الخبير الاقتصادي أن تكون هذه الزيادة كفيلة بتغطية التضخم "لأنها لا تعالج أسباب المشكلة، ولأن أدوات السياسة النقدية المتمثلة بسعر الفائدة وسعر الصرف لم تعد قادرة على ضبط السوق السورية، فسعر الصرف الذي يعتمد بشكل أساسي على الميزان التجاري وقيمة الصادرات -التي ترفع من احتياطيات المصرف المركزي- أصبح منهارا تحت ضغوط العقوبات الاقتصادية والدمار الذي لحق بالقدرة الإنتاجية، وأما سعر الفائدة فإنه مهما تم رفعه فهو لن يكون جذابا لامتصاص أي كتل نقدية من التداول، لأن قيمة الفائدة سوف تتآكل بنسب التضخم العالية".

وعن قدرة النظام على تأمين هذه الزيادة في الرواتب في ظل الأزمة الاقتصادية الطاحنة التي تشهدها البلاد، يقول أبو حسون "الزيادة بصيغتها الحالية لا تتطلب الدعم المالي الخارجي لأنها زيادة غير حقيقية ولا تتحمل عبئها موازنة الدولة التي كانت قد مولت هذا الإنفاق من خلال شطب إنفاق آخر وهو دعم المحروقات، فكل ما يتطلبه الأمر هو فقط ضخ كمية من الليرات السورية المكدّسة في خزائن المصرف المركزي وترك مستوى الأسعار يتوازن عند مستوى أعلى".

الازدحام على المواقف وإضراب مواصلات النقل العام_ وسائل التواصل الاجتماعي_ 2
مواصلات النقل العام في عدد من المحافظات شهدت ازدحاما شديدا نتيجة إضراب السائقين (مواقع التواصل الاجتماعي)

إضراب وارتباك في المواصلات

وشهدت مواقف النقل العام في عدد من المحافظات في مناطق سيطرة النظام -أمس الأربعاء- ازدحاما شديدا نتيجة إضراب لسائقي عدد من وسائل النقل العام بعد قرار حكومة النظام رفع أسعار مادتي المازوت والبنزين.

وتداول سوريون على مواقع التواصل الاجتماعي صورا تبين الازدحام وارتباك حركة الناس والطلاب في عدد من المواقف العامة في البلاد.

وأعلنت جامعة دمشق (فرع السويداء)، في منشور على صفحتها في فيسبوك، عن تأجيل امتحانات أمس الأربعاء إلى الأحد القادم.

وبحسب وكالة نورث برس المحلية فإن هذا التأجيل جاء على خلفية شكاوى الطلاب الذين لم يتمكنوا من الوصول إلى مبنى الجامعة بسبب تعطل حركة السير في المحافظة على خلفية الإضراب.

المصدر : الجزيرة