كيف أثر الزلزال على القطاعات الاقتصادية التركية؟ وهل يتأثر الناتج المحلي؟

بين عشية وضحاها، تبدلت حال العشرات من المصانع والورش التي كانت تستقبل مئات العمال كل صباح في عدد من الولايات التي ضربها الزلزال المدمر الأخير في تركيا، وأصبح بعضها الآن مسكنا لآلاف العائلات التي باتت بلا مأوى.

في أحد هذه المصانع الصغيرة في مدينة غازي عنتاب، قال أحمد حازموز -وهو عامل في مجال صناعة الأحذية- للجزيرة نت إن المصنع الصغير الذي يعمل به لم يتضرر بشكل كبير، لكن الضرر الأكبر الذي أصاب المصنع هو توقف العمل فيه نتيجة الأضرار التي لحقت بالبنية التحتية، "فالأسبوع الماضي عدنا للعمل ولكن لمدة يومين فقط، بعدها توقف العمل مرة أخرى ولا نعرف إن كنا سنعود للعمل مرة اخرى خلال هذا الأسبوع أم لا؟".

حازموز أشار إلى أن المصنع الذي يعمل به لم يتأثر كثيرا، لكنه قال إن لدى العمال تخوفا كبيرا نتيجة الهزات الارتدادية التي ما زالت مستمرة وكان آخرها ما شهدته ولاية هاتاي قبل يومين.

من جانبه قال كاظم عثمان، وهو صاحب أحد المصانع في منطقة "أونالدي" التي توقف فيها العمل بشكل شبه كامل، "مصنعي لم يتضرر ولكنه أصبح سكنا لي ولعائلتي، بعد أن تضررت البناية التي كنا نقيم فيها قبل الزلزال".

وأضاف عثمان للجزيرة نت: "لا أستطيع أن أترك غازي عنتاب، لأنني مسؤول عن هذا المصنع، ونحاول أن نعاود العمل فيه خلال الأيام القادمة".

ويوما بعد يوم تظهر حجم الخسائر الناجمة عن الزلزال، إذ تباينت التقديرات حول حجم هذه الخسائر، فبينما قدر بنك "جي بي مورغان" (J.P. Morgan) الأميركي حجم الخسائر المباشرة نتيجة الزلزال بـ 25 مليار دولار، قدر "اتحاد الشركات والأعمال في تركيا" الخسائر بنحو 84 مليار دولار، وإلى الآن لم تصدر أي جهة رسمية تركية تقديرا رسميا لحجم هذه الخسائر.

ولم يتوقف حجم الأضرار على الآثار المباشرة للزلزال، بل شمل أيضاً عددا من القطاعات الاقتصادية الأخرى التي توقفت عن العمل بشكل جزئي نتيجة تأثر البنية التحتية لعدد من المرافق الحيوية.

أثر الزلزال على القطاع الزراعي

في القطاع الزراعي الذي يمثل نسبة لا يستهان بها من الدخل القومي التركي، أثر الزلزال على المناطق الجنوبية التي تضم مساحات كبيرة من الأراضي الزراعية، فأدى إلى نزوح 60% من سكان المناطق المتضررة إلى المناطق الآمنة، بالإضافة إلى ضحايا المباني المتهدمة من الأيدي العاملة، وهو ما أدى إلى توقف شبه كامل في قطاع الإنتاج الزراعي في هذه المناطق.

وتعتبر تركيا سابع أكبر منتج زراعي في العالم، ويبلغ عدد العاملين في الزراعة 270 ألفا حسب الإحصائيات الرسمية، وتبلغ نسبة الأراضي الزراعية حوالي 31.1%، بينما يبلغ الناتج الزراعي لهذه الولايات ما نسبته 14% من إجمالي الناتج الزراعي.

رئيس قسم الاقتصاد الإسلامي في جامعة صباح الدين زعيم بإسطنبول الدكتور عبد المطلب أربا، قال للجزيرة نت إن القطاع الزراعي لم يتأثر بشكل كبير بفعل الزلزال، حيث قامت الدولة بتوفير دعم وحوافز كبيرة للمزارعين والمستثمرين.

لكنه أشار إلى أن التخوف الأكبر هو حدوث هجرة للعاملين في هذا القطاع إلى المدن، وهو ما سيؤثر على الأيدي العاملة في هذا المجال، ويعتقد أن هذه الكارثة لو أصابت دولة أخرى بهذه القوة وعلى هذه المساحة لن تتعافى منها بسهولة، مشيرا إلى أن الاقتصاد التركي مستمر ونشط.

الزلزال أثر على المناطق الجنوبية في تركيا التي تضم مساحات كبيرة من الأراضي الزراعية (الأناضول)

أثر الزلزال على القطاع الصناعي

أما القطاع الصناعي الذي يعد من القطاعات الأكثر تضررا، فتوقفت فيه مئات المصانع عن العمل بشكل كامل نتيجة الزلزال، وتشتهر الولايات المنكوبة بصناعة الصلب والصناعات الزراعية والجلدية والألبسة.

وتضم ولايتا غازي عنتاب وأضنة مدنا صناعية كبرى توقف العمل بها بشكل كامل، ومن المتوقع أن يستمر هذا الإغلاق حتى منتصف مارس/آذار المقبل، حتى إعادة تقييم وفحص الأضرار التي لحقت بهذه المصانع، كما أدى الزلزال إلى نزوح عدد كبير من الأيدي العاملة وتوقف إمدادات الغاز والكهرباء، فضلا عن تهدم عدد من المصانع بالكامل.

كيف تأثر قطاع النقل والمواصلات؟

أما فيما يخص قطاع النقل -بأنواعه البري والبحري والجوي- فيعد أيضا من أكثر القطاعات تضررا، إذ توقفت حركة الطيران في عدد من المطارات عدة أيام، بالإضافة إلى توقف حركة القطارات بشكل جزئي نتيجة تعطل خطوط السكك الحديدية، إلى جانب توقف العمل في ميناء مدينة إسكندرون في ولاية هاتاي نتيجة الحريق الكبير الذي اندلع فيه نتيجة الزلزال.

المحلل الاقتصادي التركي يوسف غراي ألب قال إن ميناء إسكندرون تعرض لبعض التلف، لكن دون أن يؤثر ذلك على حركة النقل في الميناء. وأضاف للجزيرة نت، أن السفن العسكرية التركية استطاعت تأمين إيصال المساعدات إلى المناطق المتضررة عن طريق البحر عوضا عن الميناء.

وأشار غراي ألب إلى أن الطرق السريعة لم تتعرض إلى أضرار جسيمة، وأن الاضرار اقتصرت على الطرق الفرعية في المناطق الريفية، مضيفا أن انزلاق السكك الحديدية من 3.5 إلى 7 أمتار يؤكد أن الزلزال كان خطيرا جدا، وهو ما يتطلب العمل الجاد لصيانة السكك الحديدية لكي تكون صالحة للعمل مرة أخرى.

أما فيما يتعلق بالنقل الجوي، أشار غراي ألب إلى تضرر المدرج الرئيسي لمطار هاتاي بشكل كامل، ولم يكن من الممكن استخدامه لفترة من الزمن، وهو ما أدى إلى صعوبة في إيصال المساعدات، قبل أن تتمكن الحكومة من إصلاحه وإعادة المطار إلى العمل قبل أيام.

الطرق السريعة لم تتعرض إلى أضرار جسيمة واقتصرت على الطرق الفرعية في المناطق الريفية (الجزيرة)

تقديرات دولية

ورغم هذه الخسائر الكبيرة في القطاعات الاقتصادية المختلفة، فقد اتفقت تقديرات مؤسسات اقتصادية دولية على رؤية متفائلة لمستقبل الاقتصاد التركي، ففي وقت سابق أشار المدير التنفيذي لصندوق النقد الدولي محمود محيي الدين إلى أنه من غير المرجح أن يكون تأثير الزلزال الأخير على نمو الناتج المحلي الإجمالي لتركيا بنفس قوة ما حدث عقب زلزال 1999 الذي ضرب قلب الصناعة.

وأشار محيي الدين في تصريحات له على هامش مشاركته في منتدى المالية العامة في الدول العربية في دبي، إلى أن استثمارات القطاعين العام والخاص في إعادة الإعمار قد تعطي دفعة لنمو الناتج المحلي الإجمالي بعد التأثير الأولي للكارثة على مدى الأشهر القليلة المقبلة.

المصدر : الجزيرة