لتعزيز التجارة بين البلدين.. البرازيل والأرجنتين تعتزمان إطلاق عملة موحدة
أُعلن في الآونة الأخيرة عن بدء التحضير لاعتماد عملة برازيلية أرجنتينية موحدة قبيل زيارة الرئيس البرازيلي لولا دا سيلفا للعاصمة الأرجنتينية بوينس آيرس للمشاركة في قمة أميركا اللاتينية والكاريبي، والتي كان الرئيس البرازيلي السابق جايير بولسونارو قد انسحب منها.
وبحسب الاقتراح البرازيلي، ستحمل العملة الجديدة اسم "سور" (الجنوب)، دون أن تكون بديلا عن أي من عملتي البلدين.
ما فوائد العملة الجديدة؟
في تصريح حصري للجزيرة نت، تقول فلورينسيا غوتييرس، وهي خبيرة اقتصادية تعمل في مركز الاقتصاد السياسي الأرجنتيني "لقد نوقشت فكرة العملة الموحدة لفترة طويلة. من حيث المبدأ، تجري دراسة إمكانية اعتماد عملة بين الأرجنتين والبرازيل، مع الاحتفاظ بالعملات السيادية، أي دون الحاجة إلى فقدان كلا البلدين للاستقلالية في قرارات السياسة النقدية والمالية، وسيتم استخدام هذه العملة للتكامل والتجارة، ويمكن أن تنضم المزيد من البلدان في المنطقة".
وتعتبر غوتييريس أنه يمكن أن يكون التأثير إيجابيا، لأن الإجراء الجديد سيقوي ويدمج اقتصادات دول المنطقة التي ستنضم، متجنبة الاعتماد على الدولار في التجارة الإقليمية.
بينما كان للخبير الاقتصادي البرازيلي دانيال فيرير دي ألميدا، رأي آخر، إذ يقول في تصريح للجزيرة نت، إن العملة الجديدة لن تكون بديلا عن العملات الأخرى، وخير مثال على ذلك "اليورو"، الذي جاء بعملية تدريجية بطيئة ومدروسة، وقد ظلت العمليات التجارية، حتى بعد توحيد اليورو، تتم بطريقة مقيدة، مما يعني أنه لا يمكن الاستغناء عن العملات المحلية على الفور.
ومن الناحية النظرية، عندما يكون لديك العديد من المنتجات والسلع التي يتم تصديرها من أميركا اللاتينية إلى الصين، والتي تستوردها البرازيل بقيمة مضافة منخفضة جدا مقارنة بالاستيراد مباشرة من البلدان المجاورة في أميركا اللاتينية، هنا ربما من الأفضل توحيد العملة في هذه الدائرة الاقتصادية التجارية في أميركا اللاتينية، ومع ذلك، في هذه اللحظة تقتصر الوحدة النقدية على هذين البلدين فقط، الأرجنتين والبرازيل، وستليها الأوروغواي وباراغواي، ثم البلدان الأخرى المرتبطة بالسوق المشتركة لبلدان السوق الجنوبية (ميركو سور).
ويرى أن اقتراح العملة الموحدة "يميل إلى تقوية الأرجنتين، حيث من المهم لها أن تنجو من الأزمة التي تواجهها حكومتها، حيث ما تعانيه الأرجنتين اليوم في اقتصادها هو نتاج تخفيض كبير في سعر الصرف، وهو ما أدى لتأثير تضخمي هائل".
ويضيف أن العملة الجديدة ستكون معادلة للريال البرازيلي، وهذا يشير إلى ضعف العملة الأرجنتينية اليوم، وأن أي ارتفاع في أسعار الفائدة الأميركية -على سبيل المثال- سيؤدي إلى هروب رأس المال عبر سندات الدين العام الأميركية، فالولايات المتحدة تفرض السياسة النقدية على العالم، وبالتالي، فإننا نشهد هروبا أكبر بكثير لرؤوس الأموال الأرجنتينية مقارنة بالبرازيل.
هل يتم التخلي عن الدولار والعملات الصعبة الأخرى وتجاوز العقوبات الأميركية؟
تجيب فلورينسيا غوتييرس أن الإجراء الجديد يسمح باستبدال الدولار في التبادل التجاري بين الأرجنتين والبرازيل، وتضيف "لقد بلغت الواردات من الأرجنتين إلى البرازيل أكثر من 20 مليار دولار في عام 2022، وكانت البرازيل شريكنا التجاري الرئيسي، وهذا المشروع، إذا تم إنجازه، سيقلل الضغط على احتياطيات الأرجنتين ويؤدي إلى تخفيف أكبر لمشكلة القيود الخارجية".
بينما يقول دي ألميدا إن الولايات المتحدة تفرض هيمنتها على العالم منذ نهاية السبعينيات من القرن الـ20، مع تأثير السياسة النقدية لبنك الاحتياطي الفدرالي (البنك المركزي الأميركي) على السياسة النقدية العالمية بأكملها، وهو ما يساهم في هروب رأس المال الذي يؤثر على سعر الصرف، مما يتسبب بشكل غير مباشر في تفاوت استقرار الوضع الاقتصادي.
ويضيف أنه من حيث المبدأ، لا يوجد سعر صرف أفضل مما هو موجود، فسعر الصرف الحالي يلبي احتياجات واقع معين أو قطاع معين من الاقتصاد، بينما انخفاض سعر الصرف ليس سيئا دائما، وهذا هو الحال في بلد يمر بمرحلة تراجع التصنيع، طالما أنه يفضل تركيز اقتصاده على الصادرات، وهو ما يخلق، من ناحية أخرى، حصارا على الواردات، لأنه يخلق صعوبات أمام المنافسة الداخلية ويولد ضغطا تضخميا، وهذا ما يحدث بالفعل، وهو ليس تخمينا في النظرية الاقتصادية.
ويرى دي ألميدا أنه لا يمكن فصل الاقتصاد عن السياسة، وأن الرئيس السابق جايير بولسونارو كان قد اقترح الوحدة النقدية بالمعنى نفسه الذي قدمه دا سيلفا، و"نحن في الواقع نرى خطا ضعيفا بين احتمال وجود إمبريالية برازيلية أو اقتراح تكامل متوسط وطويل الأمد في أميركا اللاتينية".
هل ستنجح المبادرة الجديدة؟
تعبر فلورينسيا غوتييرس عن تفاؤلها وتقول إن رئاسة لولا تسهل التكامل الإستراتيجي في المنطقة، وبالنظر إلى التقارب الأيديولوجي والسياسي، فمن المحتمل جدا أن تنجح هذه المبادرة، رغم أن تنفيذها سيستغرق وقتا، ومن الممكن بمرور الوقت أن تنضم إليها المزيد من دول المنطقة.