كيف أعادت حرب روسيا على أوكرانيا تشكيل أسواق النفط العالمية؟

أزمة روسيا وأوكرانيا.. أين تتجه أسعار النفط؟ وماهي توقعات الخبراء؟
دفعت العقوبات روسيا إلى الابتعاد عن أوروبا والتوجه نحو المشترين في آسيا (الجزيرة)

أعادت حرب روسيا على أوكرانيا تشكيل سوق النفط العالمية، فتقدم موردون من أفريقيا لتلبية الطلب الأوروبي، في حين تسعى موسكو -التي ترزح تحت وطأة عقوبات غربية- للاستفادة بشكل متزايد من عمليات نقل خطرة من سفينة إلى سفينة لتوصيل الخام إلى آسيا.

ويمثل هذا التحول في المسارات أكبر تغيير على جانب العرض في السوق العالمية لتجارة النفط الخام منذ أن غيرت ثورة النفط الصخري الأميركي شكل السوق قبل نحو 10 سنوات، كما يشير إلى أن روسيا ستكون قادرة على التحايل على حظر نفط قد يفرضه عليها الاتحاد الأوروبي إذا استمرت دول آسيا -خاصة الصين- في شراء خاماتها.

شحنات روسية بتخفيضات كبيرة

ودفعت العقوبات التي فرضت على موسكو بعد بدء الحرب في أوكرانيا في فبراير/شباط الماضي -والتي تشمل حظرا أميركيا على الواردات- روسيا إلى الابتعاد عن أوروبا والتوجه إلى مشترين في الهند والصين يحصلون على شحنات بتخفيضات كبيرة، وفقا لبيانات لقطاع النفط والتجار.

وأفادت بيانات وكالة الطاقة الدولية -ومقرها باريس- بأن الصادرات الروسية عادت في أبريل/نيسان الماضي إلى مستويات ما قبل الحرب على أوكرانيا، واستقرت أسعار النفط قرب مستوى 110 دولارات للبرميل بعد أن بلغت أعلى مستوياتها في 14 عاما عند 139 دولارا للبرميل في مارس/آذار الماضي.

ويقول محللون إنه حتى لو اتفق الاتحاد الأوروبي على حظر النفط في الجولة التالية من عقوباته على روسيا فإن الطلب الآسيوي يمكن أن يعوض أثر ذلك الحظر.

وقال نوربرت روكر من "مجموعة جوليس بير" (Julius Baer Group) "لا نتوقع اتساع فجوة المعروض أو ارتفاع الأسعار ما لم يمارس الغرب ضغوطا دبلوماسية على المشترين الآسيويين".

ومنعت مجموعة العقوبات المتشابكة والمعقدة التي فرضتها الولايات المتحدة وبريطانيا والاتحاد الأوروبي على موسكو السفن المملوكة لروسيا أو التي ترفع علمها من دخول الموانئ، مما يعني أن بعضا من التجارة المتزايدة لآسيا تتم عن طريق نقل الشحنات من سفينة إلى أخرى في عرض البحر، وهي عملية مكلفة وتنطوي على مخاطر تسرب الخام.

وبشكل عام، قفزت تدفقات النفط الروسي إلى آسيا بحرا بنسبة 50% على الأقل منذ بداية العام وفقا لشركة "بترو-لوجيستكس" (Petro-Logistics) لتعقب ناقلات النفط، وبيانات أخرى.

وتحول نقل الشحنات من سفينة إلى أخرى -والذي يمثل نسبة ضئيلة من حجم التجارة البحرية- من الساحل الدانماركي إلى البحر المتوسط لتجنب العقوبات والاعتراضات.

وقال مارك جيربر رئيس "بترو-لوجيستكس" لرويترز إن كميات الخام والمنتجات النفطية الروسية التي تنقل من سفينة إلى أخرى في البحر المتوسط تقدر بنحو 400 ألف برميل يوميا، يذهب أغلبها لآسيا.

وفي يناير/كانون الثاني الماضي قبل الحرب الروسية كان نحو 1.5 مليون برميل يوميا تذهب مباشرة إلى آسيا.

والشحنات المنقولة بحرا مجرد جزء من إجمالي الصادرات الروسية، وقد ارتفع إجمالي الصادرات الروسية من الخام ومنتجاته -ومنها المنقولة عبر خطوط الأنابيب- إلى ما يزيد قليلا على 8 ملايين برميل يوميا، وفقا لبيانات وكالة الطاقة الدولية.

ماذا عن خام غرب أفريقيا؟

من أجل تعويض الخام الروسي تحولت المصافي الأوروبية إلى استيراد خامات من غرب أفريقيا، وزادت هذه الواردات بنسبة 17% في أبريل/نيسان الماضي مقارنة بمتوسط الفترة من 2018 إلى 2021، وفقا لبيانات "بترو-لوجيستكس".

وتظهر بيانات "آيكون" (Eikon) أن 660 ألف برميل يوميا -معظمها من نيجيريا وأنغولا والكاميرون- تصل إلى شمال شرق أوروبا في مايو/أيار الحالي، منها 3 شحنات من خام أمينام النيجيري مقارنة بشحنة واحدة في فبراير/شباط الماضي.

وفي الوقت نفسه، يقول جيربر إن شحنات خامات غرب أفريقيا إلى الهند انخفضت إلى النصف تقريبا، فتم شحن 280 ألف برميل يوميا في أبريل/نيسان الماضي انخفاضا من 510 آلاف برميل يوميا في مارس/آذار الماضي مع تحول نيودلهي إلى الخام الروسي.

ومع الزيادة الكبيرة في الطلب الأوروبي يقول التجار إن أسعار خامات نيجيريا الخفيفة منخفضة الكبريت على وجه الخصوص ارتفعت إلى مستويات قياسية.

وزادت الإمدادات من شمال أفريقيا إلى أوروبا بنسبة 30% منذ مارس/آذار الماضي وفقا ل،"بترو-لوجيستكس"، كما زادت الولايات المتحدة إمداداتها لأوروبا.

وتشير بيانات إلى أن واردات الخام الأوروبية من الولايات المتحدة في مايو/أيار الجاري ارتفعت بأكثر من 15% عنها في مارس/آذار الماضي، وهو أعلى ارتفاع شهري مسجل.

وأفرغت أوروبا نحو 1.45 مليون برميل يوميا من الخام من الولايات المتحدة.

فرص على حساب روسيا

من جهتها، قالت صحيفة واشنطن بوست (The Washington Post) إن الحرب الروسية الأوكرانية أثرت على الكثير من السياسات حول العالم، ولكن أبرز ما تؤثر عليه هي سياسات الطاقة العالمية، فمن جهة تسعى الدول المناوئة لروسيا إلى استبدال وارداتها من الطاقة الروسية لتحقيق المزيد من الضغط على بوتين لوقف الحرب، ومن جهة أخرى تحاول العديد من الدول ذات الإنتاج العالي من الطاقة الاستفادة من تلك الفرصة على حساب روسيا.

ونقلت الصحيفة عن دانييل يرغين مؤرخ الطاقة ونائب رئيس مجلس الإدارة لدى "ستاندرد آند بورز" (Standard & Poor’s) العالمية قوله إن ما حدث هو إعادة ترتيب عالمية مفاجئة لأسواق الطاقة أثارها تحول مفاجئ من جانب روسيا التي أمضت عقودا، في محاولة لاستخدام احتياطياتها من النفط والغاز للاندماج في الاقتصاد العالمي.

وأضافت الصحيفة في تقرير نهاية أبريل/نيسان الماضي أن مصدري النفط والغاز الآخرين الذين لم يكونوا من قبل في مقدمة محادثات الطاقة العالمية -مثل أنغولا ونيجيريا والكونغو- بدؤوا يبرزون أيضا كلاعبين محتملين لمستقبل أوروبا، حيث تتجه الدول الأوروبية التي تسارع لفك اعتمادها على الغاز الروسي إلى مزودي الغاز الطبيعي المسال الأكثر موثوقية، مثل قطر والولايات المتحدة.

لكن الصحيفة حذرت من أن الأشهر القادمة ستمثل وقتا مرعبا لأوروبا، حيث تنتشر آثار ارتفاع الأسعار في جميع أنحاء العالم وتكافح الحكومات من أجل تشغيل مصانعها وتدفئة منازلها والحفاظ على تشغيل محطات الكهرباء، ولا توجد بدائل كافية على المدى القريب لتجنب معاناة اقتصادية كبيرة في الشتاء القادم إذا أوقفت روسيا الإمدادات.

وترى الصحيفة أنه بدلا من شراء النفط والغاز الطبيعي من روسيا -حيث تكون تكاليف الإنتاج منخفضة للغاية والنقل بخطوط الأنابيب رخيصة- بات على أوروبا أن تتحول في المدى القريب إلى بدائل أكثر تكلفة مثل الولايات المتحدة التي لم يكن لديها حتى ما قبل 7 سنوات مرافق لتصدير الغاز على الإطلاق.

كما يتعين -حسب الصحيفة- على الشركات الأوروبية إضافة 1.50 دولار لكل ألف قدم مكعب -أي ما بين 30 إلى 50% من تكلفة الغاز نفسه- للحصول على ناقلة الغاز الطبيعي المسال للقيام بالرحلة من خليج المكسيك إلى أوروبا.

وتصف الصحيفة المشهد بأن الدول الأوروبية أيضا تتحرك لتنويع إمداداتها، لكن منتجي الطاقة لا يمكنهم مواكبة ذلك، مبينة أنه عادة ما يستغرق مشروع التحول السريع الذي يوفر إمدادات جديدة من الغاز الطبيعي ما لا يقل عن سنتين إلى 4 سنوات.

المصدر : الواشنطن بوست + رويترز