مائدة إفطار خالية من اللحوم.. كيف يحل رمضان على السوريين في مناطق النظام؟

كشف تقرير في صحيفة الوطن التابعة للنظام أن السوريين باتوا ينتظرون بين 70 إلى 90 يوما للحصول على أسطوانة غاز سعة 25 كيلوغراما بالكاد تكفي العائلة شهرا

شام مصطفى_ دمشق_ لقطة عامة دمشق_ خاص للجزيرة_
أسعار معظم السلع الغذائية في الأسواق السورية تشهد ارتفاعا كبيرا منذ مطلع هذا العام 2022 (الجزيرة)

دمشق- يعتري أم ملهم (47 عاما) -وهي نازحة إلى ريف دمشق- شعور مزدوج مع حلول شهر رمضان المبارك، فالأرملة الأربعينية تحس بشعور طيب مع إقبال "الشهر الذي خصنا الله به لنكثر من صلاتنا له وحبنا وعطائنا لبعضنا البعض"، فيما تخشى ألا يشعر أبناؤها ملهم (9 أعوام) وأحمد (7 أعوام) بمعنى هذا الشهر وقيمته تحت وطأة الظروف المعيشية القاسية التي تعيشها الأسرة.

وإلى جانب أم ملهم تخشى شرائح واسعة من السوريين في مناطق سيطرة النظام من عدم قدرتها على توفير المواد الغذائية الأساسية لموائد إفطارها في ظل الارتفاع المستمر وغير المسبوق لأسعار الأغذية والمواد الاستهلاكية تزامنا مع ارتفاع سعر صرف الدولار أمام الليرة وانخفاض القيمة الشرائية لرواتب السوريين من عمال وموظفين في القطاعين العام والخاص.

وبحسب بيان برنامج الأغذية العالمي، فإن حوالي 12.4 مليون سوري (ما يقارب 60% من السكان) يعانون من انعدام الأمن الغذائي ولا يعرفون من أين ستأتي وجبتهم التالية، في حين تجاوزت نسبة الفقر 90%.

مائدة إفطار خالية من اللحوم

تشهد أسعار معظم السلع الغذائية في الأسواق السورية ارتفاعا كبيرا منذ مطلع العام 2022، وبلغ الارتفاع ذروته خلال الأسبوع الفائت، مسجلا بذلك نسبا قياسية تجاوزت 150% لبعض المواد الأساسية.

وارتفع سعر كيلو الطماطم في أول أيام رمضان إلى 4500 ليرة سورية (1.1 دولار) بعدما كان في بداية العام 1200 ليرة (0.3 دولار)، في حين بلغ سعر كيلو البطاطا 4 آلاف ليرة (دولار واحد تقريبا) بعدما كان 1500 ليرة (0.4 دولار)، ووصل ثمن كيلو الفاصولياء الخضراء إلى 18 ألف ليرة (4.5 دولارات) بعدما كان 5 آلاف ليرة (1.3 دولار).

وشهدت أسعار اللحوم أيضا ارتفاعا ملحوظا، فبلغ سعر كيلو اللحم البقري 32 ألف ليرة (8.2 دولارات)، أما كيلو الدجاج فبلغ 10 آلاف ليرة (2.5 دولار).

وهو ما ينطبق على أسعار الحبوب من عدس وبرغل وأرز والتي ارتفعت بنحو الضعف مقارنة بأسعارها في بداية العام، أما لتر الزيت النباتي فبلغ سعره 18 ألفا (4.5 دولارات) بعدما كان 8500 ليرة (2.1 دولار).

أما المأكولات التقليدية للسوريين في شهر رمضان فسجلت هذا العام أرقاما خيالية، ووصل سعر كرتونة قمر الدين سعة 20 قطعة إلى 40 ألف ليرة (10 دولارات تقريبا)، وبيعت كل قطعتين بـ4 آلاف ليرة، فيما سجل سعر كيلو التمر هندي 13 ألف ليرة (3.3 دولارات).

وعن أثر موجة الغلاء على معيشة السوريين في رمضان، يقول منذر (51 عاما) -وهو موظف في شركة نقل داخلي بدمشق- للجزيرة نت "إذا افترضت أني سأكتفي وعائلتي المكونة من 5 أفراد بالبطاطا المقلية وشوربة العدس كوجبة إفطار فإني سأحتاج بذلك إلى 3 كيلوغرامات بطاطا وكيلو ونصف من العدس ولتر زيت نباتي لتجهيز الوجبة، ومجموع ثمن هذه المواد يساوي نصف مرتبي حقيقة لا مجازا".

بدوره، يعزو مدير حماية المستهلك في وزارة التجارة الداخلية حسام النصر الله ارتفاع الأسعار اليومي إلى حرب روسيا على أوكرانيا، مشيرا إلى وجود ارتفاع في أجور شحن المواد الواردة إلى سوريا، إضافة إلى وجود بعض العوائق باستيراد المواد وارتفاع أجرة شحنها بحسب مصدرها والمكان التي تشحن منه، معتبرا أن كل هذه العوامل أدت إلى ارتفاع أسعار المواد المستوردة.

وأرجع النصر الله سبب ارتفاع أسعار الخضار والفواكه إلى العواصف والأمطار التي هطلت خلال الفترة الماضية وأدت إلى منع الفلاحين من جني المحاصيل الزراعية بالشكل المطلوب.

من جهته، يقول لؤي خياطة خبير اقتصادي من دمشق للجزيرة نت إن السبب الرئيسي لارتفاع الأسعار هو عدم تمكن حكومة النظام من إحكام السيطرة على سعر صرف الدولار الذي ما زال يرتفع في السوق السوداء والذي بلغ نهاية مارس/آذار 4 آلاف ليرة للدولار، وهو ما يدفع آلاف التجار إلى تخزين المواد وعدم بيعها بالنشرات التي تحددها وزارة حماية المستهلك وفق السعر الرسمي لصرف الدولار في البنك المركزي البالغ 2500 ليرة.

ويضيف خياطة "كما أن الحكومة تعاني من نقص شديد في المحروقات، وهو ما يؤدي إلى اتجاه أصحاب الأعمال لشراء المحروقات من السوق السوداء بأسعار مرتفعة جدا".

ويشير إلى أن الأسر السورية بحاجة إلى ما بين 700 ألف ومليون ليرة (180-260 دولارا) في الشهر لتغطي احتياجاتها الأساسية، فيما يتراوح متوسط رواتب السوريين في القطاعين العام والخاص بين 100 و250 ألفا (25.6-64.5 دولارا).

شام مصطفى_ دمشق_ لقطة للأسعار_ خاص للجزيرة(1)
لؤي خياطة: الأسر السورية بحاجة إلى ما بين 700 ألف ومليون ليرة في الشهر لتغطي احتياجاتها الأساسية (الجزيرة)

تحديات أخرى

لا تقتصر التحديات والصعوبات التي تواجه السوريين خلال شهر رمضان على الغلاء المتزايد في أسعار السلع الرئيسية وصعوبة توفيرها، وإنما تتعدى ذلك لتطال المصادر المختلفة لإشعال نار الطهي (غاز، كهرباء) في منازلهم، مما سيصعب على الأسر طبخ مأكولاتها خلال الشهر الفضيل.

وعن ذلك تقول أم ملهم للجزيرة نت "لم أستلم أسطوانة الغاز منذ 65 يوما، وحين تأتي الكهرباء لا أكاد أنتهي من طبخ كأس أرز حتى تكون قد انقطعت، فماذا عساي أن أطبخ على طباخ كهربائي خلال 3 أرباع الساعة التي تأتي بها الكهرباء كل 6 ساعات".

وتضطر أم ملهم بذلك إلى تجهيز طبختها على مراحل، فتقوم بطبخ ما استطاعت من الطبخة في أولى فترات التغذية الكهربائية في الصباح الباكر، وتقوم بإكمالها في فترة التغذية الثانية بحلول المساء.

وتشهد البلاد أزمة محروقات خانقة منذ سنوات تفاقمت في الشهور القليلة الماضية، ولا سيما مادة الغاز المسال، وعلى الرغم من رفع حكومة النظام الدعم عن شرائح واسعة من السوريين ورفع أسعار المحروقات المدعومة مطلع العام الجاري فإنها لا تزال عاجزة عن توفير الكميات المطلوبة من الغاز عبر "البطاقة الذكية" (بطاقة يحصل من خلالها السوريون على المواد الغذائية والمحروقات على شكل مخصصات تصرف شهريا وبكميات محدودة).

وكشف تقرير في صحيفة الوطن التابعة للنظام إلى أن السوريين باتوا ينتظرون ما بين 70 إلى 90 يوما للحصول على أسطوانة غاز سعة 25 كيلوغراما بالكاد تكفي العائلة شهرا.

وفي تقرير آخر تشير الصحيفة إلى أن سعر أسطوانة الغاز وصل إلى 150 ألف ليرة (38.5 دولارا) في السوق السوداء.

كما يعاني السوريون في مناطق سيطرة النظام من تقنين كهربائي (انقطاع) جائر يصل في بعض المحافظات إلى 18 و20 ساعة في اليوم، مما يعني عدم قدرة سكان تلك المحافظات الاعتماد على الكهرباء لطبخ طعامهم.

ولا يبدو توليد الكهرباء المنزلي من خلال المولدات خيارا مطروحا عند معظم السوريين، إذ وصل سعر لتر البنزين الحر في السوق السوداء إلى 4 آلاف ليرة (0.9 دولار)، فيما بلغ سعر لتر المازوت (الديزل) في بعض المناطق 5 آلاف ليرة (1.2 دولار) في ظل عدم قدرة حكومة النظام على توفير المادتين بالشكل المطلوب عبر البطاقة الذكية.

ويعد التقنين الكهربائي أحد أبرز عوامل غلاء السلع والخدمات الضرورية، إذ يضطر منتجو الأغذية من صناعيين وحرفيين وأصحاب مهن إلى توليد الكهرباء بالاعتماد على مولدات البنزين أو المازوت، وهو ما يعني زيادة في تكلفة الإنتاج وبالتالي في سعر السلعة أو الخدمة المقدمة.

شام مصطفى_ دمشق_ لقطة للاسعار_ خاص للجزيرة
محمد حسن: نسبة الإقبال على شراء المواد الغذائية من السوق لا تتجاوز 5% مقارنة بالأسبوع السابق لشهر رمضان الفائت (الجزيرة)

ركود في الأسواق وعجز حكومي

وعلى الجهة الأخرى، لا يبدو حال الباعة وأصحاب المحال التجارية في الأسواق السورية أفضل من حال الزبون، إذ يسعى أصحاب تلك المحال باطراد إلى تسليمها أو إغلاقها نتيجة انخفاض مستوى المبيع إلى أدنى درجاته.

وأشار عدد من أصحاب المحال في دمشق للجزيرة نت إلى أنه حتى مع إقبال السوريين على شراء السلع من محالهم فإن سعر المبيع للمنتج بالتجزئة في يوم المبيع سيكون أدنى من سعر شراء المنتج بالجملة من قبل التجار في اليوم اللاحق ليوم المبيع، وذلك نتيجة ارتفاع سعر صرف الدولار مقابل الليرة السورية بشكل يومي.

ويقول صالح -وهو صاحب محمصة في دمشق- للجزيرة نت "إن البضاعة في المحل تكدست، لقد أصبحت الموالح آخر الرفاهيات التي يمكن أن تخطر على بال السوري في هذه الأوقات العصيبة التي تمر بها العائلات، وما زلت منذ 8 أشهر أضع لافتة لتسليم المحل دون أن يتصل بي أحد".

وعلى الرغم من الخطوات التي اتخذتها حكومة النظام مع بداية حرب روسيا على أوكرانيا في صدد ما سمتها "الاستجابة الطارئة للتطورات الاقتصادية العالمية" فإنها حتى الآن لم تتمكن من توفير السلع الرئيسية بالأسعار المناسبة كما وضحت عبر تصريحات مسؤوليها مطلع مارس/آذار الماضي.

وقال رئيس لجنة سوق البزورية في الزبلطاني محمد حسن في تصريح لصحيفة الوطن المقربة من النظام إن نسبة الإقبال على شراء المواد الغذائية من السوق لا تتجاوز 5% مقارنة بالأسبوع السابق لشهر رمضان الفائت.

وأضاف حسن أنه مع استمرار الحركة التجارية على هذا المنوال فإن العيد سيكون أسوأ من بداية رمضان، وسيكون أثر ذلك كبير على المستهلك، لأن تلبية حاجات المستهلك من المواد الغذائية بأسعار مناسبة حاجة ضرورية مثلها مثل الماء والهواء، وذلك على عكس التاجر الذي قد يستطيع ترتيب أموره بشكل أو بآخر.

وأوضح حسن أن التمر هندي غير متوفر في الأسواق السورية وإذا توفر فبكميات قليلة، علما أنه يتوفر عادة قبل شهر رمضان في كل محل لأنه مادة أساسية للصائمين.

من جانبه، صرح وزير الصناعة في حكومة النظام زباد صباغ بأنه لن تكون هناك تخفيضات للأسعار في شهر رمضان المبارك "لأن موضوع ارتفاع الأسعار وانخفاضها مرتبط بعوامل تكلفة المواد الأولية الداخلة في العملية الإنتاجية".

المصدر : الجزيرة