آثاره مدمرة على الاقتصاد والمواطنين.. كيف تصل الدول إلى إعلان حالة الإفلاس الاقتصادي؟

صنفت وكالة فيتش للتصنيف الائتماني لبنان دولة مهددة بالإفلاس منذ 2020 (رويترز)

كثر في الآونة الأخيرة الحديث عن احتمال إعلان دول عربية إفلاسها بسبب الأزمات الاقتصادية المتعاقبة، التي كرستها الحرب الروسية في أوكرانيا.

ويبقى مصطلح "الدولة المفلسة" مصطلحا مرعبا لحكومة أي دولة، وكذلك للمؤسسات الاقتصادية الدولية، لما يترتب عنه من تبعات مدمرة لصورة البلاد خارجيا وتفجير أزمات اجتماعية في الداخل.

ماذا يعني إفلاس الدولة؟

يبقى "إفلاس الدولة" مصطلحا أدبيا للتعبير عن الوضعية التي تكون فيها الدولة عاجزة عن سداد ديونها، ذلك أنها عكس الشركات والأفراد لن يكون هناك حجز على ممتلكاتها، فللدولة سيادتها، حتى وإن عجزت عن سداد ديونها.

وتصل الدولة لمرحلة الإفلاس عندما تتراكم عليها فوائد الديون، وتصبح ميزانيتها غير قادرة على سداد هذه الفوائد، حينها تعلن للمؤسسات التي أقرضتها سواء تعلق الأمر بالسوق الداخلية أو المؤسسات الدولية، أنها لم تعد قادرة على سداد هذه الديون.

بعدها يمكن أن تدخل الدولة في مفاوضات مع صندوق النقد الدولي، الذي يصفه الاقتصاديون في أدبياتهم بأنه "آخر جهة يمكن اللجوء إليها"، لحل هذه المشكلة، إذ إن الصندوق لن يقبل بمساعدة هذه الدولة إلا عندما تقبل بدورها بتنفيذ الكثير من سياساته القاسية أحيانا، حيث يطلب من الدولة التقليص من النفقات العمومية على الصحة والتعليم وتقليص كتلة أجور الموظفين الحكوميين.

من هي أكثر الدول المهددة بإعلان إفلاسها هذه السنة؟

حذرت وكالة "فيتش" (Fitch) للتصنيف الائتماني من أن الدول السائرة في طريق النمو هي الدول الأكثر تعرضا لخطر إعلان الإفلاس، ذلك أن المستثمرين لا يقبلون منح هذه الدول قروضا إلا بنسبة فائدة جد مرتفعة، وانتقلت هذه النسبة من 4.4% إلى 5.1% خلال السنوات العشر الماضية.

وحسب الأرقام التي قدمتها الوكالة، فإن حجم الأموال التي دفعتها الدول الفقيرة كسعر لفائدة الديون هو نفسه حجم الأموال التي دفعتها الدول الغنية، والذي بلغ 711 مليار دولار تقريبا، وهذا بسبب أن الدول الغنية تحصل على قروض بنسبة فائدة منخفضة عكس الدول الفقيرة.

وأكدت الوكالة أن وباء كورونا ساهم في تفاقم الأزمة، مما سيؤدي لوجود 5 دول في قائمة الدول المهددة بالإفلاس منذ عام 2020، وهي الأرجنتين والإكوادور ولبنان وسورينام وزامبيا، وتوقعت الوكالة أن الوضع سيصبح أكثر قتامة هذه السنة.

من الدول العربية الأكثر استدانة؟

يجب التأكيد على أن ظاهرة ارتفاع نسبة المديونية هي ظاهرة عالمية، خصوصا منذ سنة 2020 وهي سنة وباء كورونا، ذلك أن دول العالم اقترضت في تلك السنة لوحدها مجموع ما اقترضته لمدة 7 سنوات قبلها.

وبلغ حجم الديون العالمية حوالي 226 تريليون دولار مع نهاية العام الماضي، وهو رقم قياسي وغير مسبوق في التاريخ. ويواصل ارتفاعه بسبب الحرب الروسية على أوكرانيا وموجة الغلاء العالمية، حيث من المتوقع أن يبلغ 300 تريليون هذه السنة.

وعلى الصعيد العربي:

  • يتصدر السودان الدول العربية من حيث الاقتراض بنسبة تبلغ 177% من الناتج الداخلي الخام، وهي ثالث أعلى نسبة في العالم.
  • ثم لبنان بنسبة 157% من الناتج الداخلي الخام.
  • البحرين في المركز الثالث بنسبة 100% من الناتج الداخلي الخام.
  • الأردن بنسبة 94% من الناتج الداخلي الخام.
  • مصر في المركز الخامس بنسبة 86% من الناتج الداخلي الخام.

ويكثر الحديث عن الحالة المصرية وارتفاع ديونها أكثر من غيرها من الدول العربية، بالنظر لحجم الناتج الداخلي الخام المصري، الذي يعد الثالث في العالم العربي (331 مليار دولار).

كيف تصل الدولة لمرحلة الإفلاس؟

تصبح الدولة مفسلة عندما تخرج نسبة مديونتها عن السيطرة، ولا يصبح بالإمكان التحكم فيها، أي أن نسبة النمو تصبح غير كافية من أجل تحمل تكاليف نسبة فائدة الديون، مما يجعلها تدخل في حلقة مفرغة لا يمكن الخروج منها.

هذه الوضعية يطلق عليها الاقتصاديون "كرة ثلج الديون"، أي أنه كلما تعثرت الدولة في سداد ديونها، ارتفعت نسبة الفائدة على الديون التي ستحصل عليها، مما يعني زيادة في حجم المديونية، وهكذا إلى أن تصل الدولة لمرحلة لا تستطيع فيها سداد هذه الفوائد.

ويبقى المستوى الذي يجب على المديونية ألا تتجاوزه مقارنة بالناتج الداخلي الخام، مرتبطا بالعديد من العوامل الاقتصادية، أهمها نسبة النمو الاقتصادي، وحجم الناتج الداخلي الخام، ونسبة الفائدة على الديون التي تحصل عليها هذه الدولة.

فعلى سبيل المثال، تعتبر اليابان الدولة الأكثر استدانة في العالم، إذ تصل نسبة مديونتها إلى 250% من الناتج الداخلي الخام، ومع ذلك فهذا الوضع يبقى عاديا بالنسبة للاقتصاد الياباني ولا يدعو للقلق بالنظر لحجم الناتج الداخلي الخام في اليابان ونسبة النمو، كما أنها تحصل على ديون بأقل نسبة فائدة في العالم لأن المانحين يثقون في قوة الاقتصاد الياباني.

ماذا على الدولة أن تقوم به عندما تعلن إفلاسها؟

عند إعلان الدولة إفلاسها يصبح التحدي الحقيقي هو إيجاد من يقرضها المال، إذ يصبح من شبه المستحيل أن تثق فيها أي جهة مانحة، ولهذا تكون:

  • الخطوة الأولى التي تقوم بها هي محاولة موازنة حساباتها الاقتصادية عبر تقليص نفقاتها بشكل كبير، حتى تصبح مداخيلها الضريبية متساوية مع نفقاتها.
  • وإذا عجزت عن هذا الأمر فإنها تلجأ لاستعمال مدخرات المواطنين من أجل الحصول على العملة الصعبة، وهي خطوة تؤدي إلى أزمات سياسية واجتماعية كبيرة، كما أن هذه الخطوة قد تؤدي إلى هروب كبير لرؤوس الأموال خارج البلاد كما حدث في قبرص وكما كاد أن يحدث في اليونان.
  • أما الخطوة الأخيرة فهي اللجوء إلى بيع ممتلكات الدولة، أي اللجوء إلى الخصخصة، وهنا أيضا قد تعترضها مشكلة في إيجاد مستثمر قادر على الاستثمار في مرافق عمومية في دولة مهددة بالإفلاس.
  • وآخر حل هو تسليم قرارها الاقتصادي لصندوق النقد الدولي، الذي يقدم وصفته للحل، التي يكون فيها دائما التحكم في النفقات العمومية وتقليص أجور الموظفين الحكوميين.
المصدر : الجزيرة