الفساد وتحديات الهدر والضرائب.. ما عقبات توفير الكهرباء في لبنان بعد رفع تعرفتها؟

BEIRUT, LEBANON - MAY 10: The streets remain empty at night in the al-Hamra shopping district after fighting broke out between Shiite Hezbollah forces and Sunni Muslims May 10, 2008 in Beirut, Lebanon. The country remains poised on the brink of civil war as Hezbollah supporters took control of the Muslim sections of the city. At least twenty-five people have been killed in the conflict, with dozens more injured during four days of clashes. Today the country has seen a withdraw of Hezbollah gunman as the Lebanese army began patrolling streets. (Photo by Salah Malkawi/Getty Images)
لبنان يشكو من فجوة كبيرة بين سعر تعرفة الكهرباء وسعر كلفتها (غيتي)

بيروت- يترقب اللبنانيون مفاعيل رفع تعرفة الكهرباء للمرة الأولى منذ تسعينيات القرن الماضي، ومفارقة القرار أنه يترافق مع انقطاع الكهرباء لنحو 22 ساعة يوميا، ما يطرح التساؤلات حول مدى تجاوب المواطنين مع تسديد فواتير للدولة بأكثر من 10 أضعاف.

وفيما يختزل ملف الكهرباء تركيبة فساد مالي وإداري عمره أكثر من 30 عاما، تحقق "كهرباء لبنان" عبر رفع التعرفة أحد شروط البنك الدولي للحصول على تمويل قرضي استجرار الكهرباء الأردنية والغاز المصري، وهي ما زالت عاجزة عن تنفيذ شروط أخرى، بفعل الصراعات السياسية، وعلى رأسها تعيين هيئة ناظمة مستقلة للكهرباء.

ويترافق رفع التعرفة مع وعود بزيادة التغذية الكهربائية بين 8 و10 ساعات يوميا، بعدما لاحق شبح العتمة سكان لبنان طوال عقود، وأغرقهم بظلام دامس بلغ ذروته في 2022. وهكذا، يقع غالبية السكان بمصيدة أصحاب المولدات الخاصة الذين يوفرون التيار الكهربائي لساعات محددة بكلفة باهظة بالدولار الأميركي، بينما استغنت عشرات آلاف الأسر بالأحياء الفقيرة والمخيمات عن الكهرباء، مقابل تنامي الطلب على الطاقة الشمسية التي انتشرت عشوائيا، وما زالت خيار الأسر المتوسطة والميسورة، في بلد دفعت الأزمة أكثر من 85% من سكانه إلى الفقر.

ما أسباب وخلفيات رفع أسعار الكهرباء؟

تاريخيا، يشكو لبنان من فجوة كبيرة بين سعر تعرفة الكهرباء وسعر كلفتها، ومنذ عام 1994، عمدت الدولة تحت شعار "دعم الكهرباء"، إلى تثبيت تعرفتها بالليرة بما يوازي 8 سنتات للكيلووات حين كان سعر صرف الدولار ثابتا عند 1507 ليرات رسميا، وهي تعرفة تآكلت قيمتها بفعل الانهيار المدوي لليرة، فصارت قيمتها بأقل من نصف سنت.

وقبل نحو 30 عاما أيضا، كان سعر برميل النفط عالميا لا يتجاوز 22 دولارا، فتصاعد حتى قارب بعد الحرب الروسية على أوكرانيا معدل 100 دولار، وكانت الدولة تستدين من مصرف لبنان المركزي حتى تمول من خزينتها الفارق بين سعري إنتاج الكهرباء وبيعها للمستهلك.

ساعات كهربائية

والقرار الأول من نوعه لمؤسسة كهرباء لبنان، دخل حيز التنفيذ من مطلع نوفمبر/تشرين الثاني 2022، فحدد تسعير كلفة الكهرباء بقيمة 10 سنتات للكيلووات لأول 100 كيلووات/ساعة مستهلَكة، وتسعير كل كيلووات/ساعة بقيمة 27 سنتا للاستهلاك فوق ذلك.

وعليه، سيتم احتساب تعرفة وتكاليف الكهرباء بالليرة اللبنانية، وفق سعر صرف منصة صيرفة بالبنك المركزي، وهو سعر متحرك على وقع تقلبات سعر صرف الدولار بالسوق السوداء الذي يبلغ فيه نحو 37 ألفا مقابل الدولار، بينما يبلغ بصيرفة راهنا نحو 30 ألفا مقابل الدولار.

وفي حديث للجزيرة نت، تقول المديرة العامة للنفط في وزارة الطاقة والمياه أورور فغالي، إنه وبعد المشاورات مع وزارة المالية وحاكم مصرف لبنان المركزي، أطلقت 3 مناقصات لشراء الوقود لصالح مؤسسة كهرباء لبنان، وتأمين مشتقات النفط اللازمة لتشغيل معامل إنتاج الطاقة التابعة للمؤسسة، بمعدل تغذية كهربائية من 8 إلى 10 ساعات يوميا، وتتوقع تحقيق ذلك في ديسمبر/كانون الأول المقبل.

وقالت فغالي إن الدفع للشركات بالدولار سيكون مؤجلا بكفالة من المركزي، إلى حين تأمين أول جباية وفق التعرفة الجديدة.

وواجهت وزارة الطاقة والحكومات المتعاقبة اتهامات بهدر الأموال وعدم تنفيذ المشاريع الإصلاحية للكهرباء، وإغراق البلاد بالمديونية نتيجة مناقصات البواخر وشراء الوقود من دون تحسين التغذية الكهربائية، وشاركت في ذلك كل الأحزاب السياسية بالحكومات المتعاقبة.

وتولى حقيبة الطاقة والمياه 16 وزيرا، من قوى بارزة، وفي طليعتها التيار الوطني الحر (برئاسة جبران باسيل) الذي أدار فريقه وزارة الطاقة على مدار 12 عاما.

وقالت فغالي إن "زيادة التعرفة ستكون كلفتها على المواطن أقل من نصف ما يسدده للمولدات الخاصة التي تجني الأرباح، بينما الدولة لا تبغي الربح".

وينتظر لبنان تنفيذ مشروع جلب الكهرباء من الأردن والغاز من مصر عبر سوريا، ووقعت الاتفاقيات مع البلدين بموجب قرضين من المفترض أن يمنحهما البنك الدولي للبنان بمعدل 600 مليون دولار للمشروعين، وكان منتظر تنفيذهما مطلع العام الجاري، وأن يسهما بتوفير نحو 6 ساعات إضافية من الكهرباء.

وما يعيق المشروعين، بحسب فغالي، أن واشنطن لم تمنح الأردن ومصر إعفاء رسميا خطيا من عقوبات قانون "قيصر" الذي يحظر التعامل مع السلطات السورية.

وتردف بأن الأولوية راهنا، لتنفيذ خطة كهرباء لبنان التي "يتوقف نجاحها عند التزام المواطن بدفع التعرفة الجديدة لتغطية نفقات الكهرباء، أو سيكون مصيرها الفشل".

تحديات المشروع

ويولد لبنان معظم الطاقة الكهربائية عبر 7 معامل حرارية تشكو من الأعطال والتقادم وضعف الإنتاج، وتم تشييدها قبل عام 2000، أولها معمل الجية (1970)، وأحدثها معملا الزهراني ودير عمار (1998).

وهنا، يقول الخبير الاقتصادي علي نور الدين، إن الخطة الجديدة لكهرباء لبنان ترتكز على أساسيين:

  • تحديد التعرفة بالدولار رغم استيفائها المتحرك بالليرة بحسب سعر منصة صيرفة.
  • تعديل قيمة التعرفة بما يوازي سعر برميل النفط عالميا، لضمان توفير الوقود.

ويقول نور الدين للجزيرة نت إن الخطة نظريا تسمح بإعادة الانتظام المالي بمؤسسة الكهرباء، والسؤال الجوهري هل ستسهم فعلا بتوفير ساعات إضافية من التغذية الكهربائية؟

ويفيد الخبير بأن هاجس السكان هو عدم الوقوع أمام فاتورتين باهظتين، واحدة للدولة وأخرى لأصحاب المولدات "ما يستوجب ضبط قطاع المولدات الخاصة، وتشديد الرقابة على تسعيرته".

وخلافا لما تقوله فغالي، يقول نور الدين إن حصول لبنان على قرض البنك الدولي للكهرباء الأردنية والغاز المصري لا يتوقف عند إعفاء قيصر فحسب، بل مشروط بتنفيذ إصلاحات، وأبرزها إنشاء هيئة ناظمة للكهرباء ومكافحة الهدر، مقابل الحاجة لإنشاء معامل جديدة لتوفير الكهرباء 24/24.

ويضيف "إن أولوية المواطن هو أن تحل كهرباء الدولة كليا مكان المولدات الخاصة، وسينعكس نجاح الخطة على الصناعة بتقليص كلفة الإنتاج، وإلا سيكون لبنان أمام سيناريو سيئ بحال فشلها".

إجمالي الإنفاق العام على الكهرباء بلغ نحو 82%، مقابل 12.5% فقط على الإنفاق الاستثماري (وكالة الأنباء الأوروبية)

الفساد والغموض

يذكر الأكاديمي والخبير بمجال الطاقة مارك أيوب عبر الجزيرة نت، أن "إنفاق المواطن على الكهرباء الباهظة منذ سنوات، كبده كلفة عالية رغم حرمانه من التغذية" الكهربائية.

وقال إن حصة كبيرة من ميزانيات الأسر، تذهب كنفقات على الطاقة، سواء للدولة أو للمولدات الخاصة أو عبر أسعار السلع والخدمات التي ارتفعت كثيرا نتيجة أزمة المحروقات.

رقميا، يوضح أيوب أن القيمة السنوية للتحويلات من الخزينة العامة للدولة إلى مؤسسة كهرباء لبنان، تطورت من 20 مليون دولار في 1992 وبلغت ذروتها في عام 2012 بـ2.2 مليار دولار، ثم بلغ مجموعها التراكمي نهاية عام 2019، أي قبيل الانهيار المالي والاقتصادي، نحو 24 مليار دولار.

ويجد الباحث أن الخطة الراهنة غامضة ويتم تصويرها كإنجاز، بينما رفع التعرفة لا يؤدي إلى نتيجة، إذا لم يترافق مع مجموعة إصلاحات.

ويذكر أن ثقة الناس بالمؤسسات العامة أصبحت "صفرا، ما يزيد الشكوك حول قابليتهم لتسديد الفواتير"، والأزمة برأيه، أن التعرفة الجديدة ستعدل شهريا حسب سعر صرف صيرفة، أي أنها قابلة للارتفاع، متوقعا أن ترد "كهرباء لبنان" بعد نحو 6 أشهر الدَّين للمركزي، إذا أحسنت الجباية.

ولضمان التغذية بمعدل 8 إلى 10 ساعات، يعدد أيوب مجموعة من الإصلاحات من بينها: إزالة التعديات، وإصلاح الشبكة وتطويرها، ومعالجة الخسائر التقنية وغير التقنية، وكذلك تعيين الهيئة الناظمة، وإعادة بناء مركز التحكم الكهرباء، وجباية المتأخرات، فضلا عن تنظيم الجباية في موعدها شهريا.

ويتساءل عن قدرة "كهرباء لبنان" على استيفاء الفواتير المتراكمة من مؤسسات الدولة الرسمية، معتبرا أن الحكومات المتعاقبة تأخرت كثيرا بإيجاد الحلول الجذرية لقطاع الكهرباء، إذ بلغ إجمالي الإنفاق العام على الكهرباء المخصص لشراء الفيول نحو 82%، مقابل 12.5% فقط على الإنفاق الاستثماري.

ويؤكد الخبير بمجال الطاقة أن ما أنفق على الكهرباء في سنوات ما بعد الحرب الأهلية "كان بلا رؤية مستقبلية، مقابل استشراء سوء الإدارة والزبائنية السياسية، ما يقلص الآمال بقدرة السلطة نفسها على توفير الحلول لقطاع أهلك عيش اللبنانيين".

المصدر : الجزيرة