الجزائر.. 6 مليارات دولار لتعزيز مخزون الحبوب وإجراءات لدعم الأمن الغذائي

قطاع الفلاحة في الجزائر يساهم بنسبة 12.4% من إجمالي الناتج المحلي (رويترز)

الجزائر تُسرّع الجزائر من خطواتها لتأمين غذائها وتحصين مخزونها بالتزامن مع أزمة الغذاء العالمية وشح السلع كأحد تداعيات الحرب الروسية الأوكرانية، في وقت تستورد البلاد نحو 30% من احتياجاتها الغذائية سنويا على رأسها القمح، بقيمة تصل إلى 10 مليارات دولار.

وبالتوازي مع ارتدادات الحرب بأوكرانيا، وضعت السلطات الجزائرية إستراتيجية جديدة لتأمين وحماية أمنها الغذائي القومي، كان آخرها تخصيص نحو 6 مليارات دولار لتعزيز مخزون الحبوب.

وخلال عرض بيان السياسة العامة للحكومة أمام البرلمان، مطلع الشهر الحالي، أعلن رئيس الوزراء الجزائري أيمن عبد الرحمن عن منح حكومته 900 مليار دينار (ما يعادل نحو 6.4 مليارات دولار) للديوان المهني للحبوب من أجل تعزيز المخزون.

إنتاج وفير وتداعيات محدودة

في يونيو/حزيران الماضي، صنفت المنظمة العالمية للزارعة والأغذية "فاو" الجزائر في المرتبة الرابعة عالميا والثانية أفريقيا ضمن الأكثر استيرادا للقمح في 2022، وبمعدل سنوي يتراوح بين 7 إلى 11 مليون طن.

غير أن وسائل إعلام جزائرية نقلت معلومات عن وزارة الفلاحة نفت فيها صحة هذه الإحصائيات، وكشفت عن ارتفاع إنتاج الجزائر من القمح خلال العام العالي بنسبة 100% مقارنة بعام 2021، وأن حجم الاستيراد هذا العام لن يتجاوز 6 ملايين طن.

وفي وقت سابق، توقع وزير الفلاحة والتنمية الريفية الجزائري عبد الحفيظ هني أن يصل إنتاج البلاد من القمح خلال الموسم الحالي إلى 3.2 ملايين "على الأقل"، وهو ما يسمح للجزائر بتقليص فاتورة الاستيراد.

كما لفت الوزير الجزائري إلى أن الجزائر استوردت مؤخرا 3 ملايين طن إضافية من القمح في مناقصة دولية، لرفع مخزون البلاد إلى 10 أشهر أخرى.

في السياق ذاته، استبعد تقرير لوزارة الزراعة الأميركية، أن تكون الجزائر من الدول المتأثرة بتداعيات الحرب في أوكرانيا على وارداتها من القمح، وأبرزت أن واردات الجزائر من القمح الروسي والأوكراني لا تتعدى 4% من حجم وارادتها.

وتوقع تقرير الوزارة الأميركية أن يصل إنتاج الجزائر من القمح إلى 3.3 ملايين طن، بنسبة ارتفاع قد تبلغ 38% مقارنة بالعام الماضي، لكنه أشار إلى ارتفاع واردات الجزائر من القمح بنسبة 2.5%، وتوقع أن يصل إجمالي واردات البلاد مع نهاية العام الحالي إلى 8.3 ملايين طن.

ووفق إحصائيات رسمية، بلغ استهلاك الجزائريين للقمح خلال 2021 نحو 11 مليون طن، في الوقت الذي يلبي فيه إنتاج القمح حاجة 34% من الجزائريين.

وفي أبريل/نيسان الماضي، وضع "المؤشر العالمي للأمن الغذائي" الجزائر في المركز الأول بالقارة الأفريقية والـ54 عالميا خلال 2021، متقدمة بـ16 مركزا عن تصنيف 2020.

الفاو صنفت الجزائر في المرتبة الرابعة عالميا والثانية أفريقيا ضمن الأكثر استيرادا للقمح في 2022 (رويترز)

ثورة زراعية

وفي الفترة الماضية، اتخذ مجلس الوزراء الجزائري في اجتماع له قرارات جديدة لتأمين الغذاء، وصفتها وسائل إعلام محلية بـ"الإرادة السياسية لإحداث ثورة فلاحية" في البلاد.

ومن أبرز مخرجات الاجتماع، السماح باستيراد المعدات الفلاحية بجميع أنواعها وقطع غيارها، بما فيها استيراد الجرارات بعد وقفها في 2019 للحفاظ على الاحتياطات الأجنبية.

كما أمر الرئيس الجزائري بـ"إخراج الفلاحة من الطابع الاجتماعي إلى الطابع العلمي، وفق نظرة عصرية، تشمل تكوين وتأهيل المورد البشري، مع اعتماد تقنيات جديدة في بناء مخازن المحاصيل الزراعية، من أجل تسريع عملية التشييد، خاصة في الولايات المعروفة، بإنتاجها الغزير"، بحسب بيان للرئاسة الجزائرية.

ويساهم قطاع الفلاحة في الجزائر بنسبة 12.4% من إجمالي الناتج المحلي وبقيمة 25 مليار دولار سنويا، في حين يوفر 2.6 مليون منصب عمل، بحسب أرقام قدمتها وزارة الفلاحة الجزائرية.

كما قررت الحكومة الجزائرية دعم أسعار الأسمدة بنسبة 50% لتخفيف الأعباء عن المزارعين نتيجة ارتفاع أسعارها عالميا.

 

 

تأميم الغذاء المحلي

في السياق نفسه، تعتزم الحكومة الجزائرية استحداث "بنك الجينات" في ديسمبر/كانون الأول المقبل، بهدف تحقيق الاكتفاء الذاتي وضمان الأمن الغذائي، خصوصا الحبوب.

وكشف رئيس الوزراء الجزائري أمام البرلمان، خلال الأسبوع الأول من الشهر الحالي، بأن أولوية "البنك" ستكون من خلال إطلاق مشاريع لتصنيع وتنصيب صوامع خاصة بتخزين الحبوب.

وفي أغسطس/آب الماضي، أعلنت الجزائر إنشاء "قطب فلاحي غذائي"، ويهدف لمواجهة ارتفاع الأسعار وندرتها، وحماية الأمن الغذائي للبلاد.

وقبل ذلك، كشفت السلطات الجزائرية استعادتها 750 ألف هكتار من المساحات الفلاحية، تم منحها امتيازات خلال فترة نظام الرئيس السابق عبد العزيز بوتفليقة لشخصيات نافذة.

واعتبر الخبير الاقتصادي الدكتور علاوة خلوط في تصريح للجزيرة نت أن هذه الإجراءات في حد ذاتها "سليمة"، ووصفها بـ"تأميم الغذاء الجزائري ومواجهة أزمة عالمية قد تكون نتائجها وخيمة على العالم برمته".

ورأى أن هذه السياسة الحكومية المتبعة جاءت نتيجة لـ"الوضع المالي المريح للجزائر، وهي سياسات يمكن اعتبارها ضرورية لمواجهة الأزمات بهذا الشكل". وأضاف "فيما يتعلق بتقوية الإنتاج الزراعي وتأمين الأمن الغذائي بمواردنا الخاصة فهي أيضا سياسة مهمة جدا".

ورغم إقراره بأهمية القرارات والإجراءات المتخذة من قبل السلطات الجزائرية، فإن خلوط يراها "لم تصل لتكون سياسة ذات عمق بعيد، وهي مجرد إجراءات ظرفية".

وقال إن "العمق هو ماذا تريد الجزائر في 2035؟ وما البرامج التي يجب إعدادها للوصول إلى الأهداف المسطرة؟"، مشيرا إلى أن الإدارة عجزت عن إيصال الدعم الحقيقي للفلاح.

A farmer harvests cauliflowers for sale at the field in Tipaza
المساحة الصالحة للزراعة في الجزائر تبلغ نحو مليونين و750 ألف هكتار (رويترز)

امتيازات للمزارعين

ويُجمع الخبراء الاقتصاديون على أن المساحات الشاسعة في صحراء البلاد باتت ورقة الحكومة الجزائرية التي تعول عليها في المرحلة المقبلة لتحقيق الأمن الغذائي، خصوصا بعد النجاح الذي حققته محافظة وادي سوف (جنوب شرق) في إنتاج عدد كبير من الخضر والفواكه.

ويبلغ إجمالي المساحة الصالحة للزراعة في الجزائر نحو مليونين و750 ألف هكتار، في حين تفوق مساحة الصحراء الجزائرية مليوني كيلومتر مربع.

ومنذ بداية العام الحالي، منحت الحكومة الجزائرية 140 ألف مزارع مساحة مليون و150 ألف هكتار، لتحويلها إلى استثمارات زراعية، من بينها 167 ألف هكتار واحات نخيل، و233 ألف هكتار لإنتاج الحبوب والخضر والفواكه وغيرها.

وبهدف تشجيع الاستثمار الزراعي جنوبي البلاد، خصصت الجزائر نحو 919 مليون دولار إعانات لتطوير هذا الاستثمار وضبط الإنتاج الزراعي خلال العام الحالي، كما قدمت قروضا لـ182 ألفا و766 مزارعا صغيرا ومتوسطا بقيمة تربو على 1.5 مليار دولار.

صعوبات ميدانية

لكن رابح هلالات وهو مزارع من منطقة "ملال" بمحافظة باتنة شرقي الجزائر، يملك أرضا لإنتاج القمح، كشف للجزيرة نت عن جملة من الصعوبات التي يواجهها على مدار عدة سنوات، واعتبر أن القرارات التي اتخذتها الحكومة الجزائرية منذ نهاية العام الماضي أنقذت محصوله هذا العام من "التخزين والبيروقراطية"، حسب وصفه.

وأشار إلى أن المشكلة الكبرى التي تواجه محصوله كل عام هي نقص التخزين بديوان الحبوب المحلي، مما يدفعه لبيع جزء منه للديوان وترك الباقي في الأرض.

ورغم قرار الحكومة الجزائرية نهاية العام الماضي رفع أسعار شراء القمح والشعير من المزارعين المحليين لتشجيع الإنتاج وتحقيق الأمن الغذائي، فإن المزارع رابح هلالات رأى أنها "تبقى غير كافية ولا تغطي التكاليف التي أنفقها طوال الموسم الفلاحي من الأسمدة والري وحتى تأجير جرارات الحرث وعتاد الحصاد".

المصدر : الجزيرة