حملة توزيع الأراضي على العراقيين.. هل ينجح الكاظمي في حل أزمة السكن؟

أحد المشاريع السكنية الجديدة شمالي بغداد
أحد المشاريع السكنية شمالي بغداد (الجزيرة)

مضى 25 عاما على خدمة خالد عبد الحميد في وظيفته الحكومية وهو لا يملك قطعة أرض باسمه ويسكن مع أسرته في بيت مستأجَر بإحدى مناطق شرقي العاصمة العراقية بغداد.

ويشكو عبد الحميد الثقل المالي إذ يسدد شهريا لدفع الإيجار نحو 600 ألف دينار (400 دولار) من راتبه البالغ 850 ألف دينار (566 دولارا)، متسائلا "لماذا تعاقبت الحكومات ولم تفكر في حل لأزمة السكن؟ هل تستلذ بمعاناة شعبها؟".

واستدرك بالقول إن الرئيس الأسبق للعراق أحمد حسن البكر هو الوحيد من وزع الأراضي على المواطنين بأسعار رمزية.

رنا خالد رأت أن الاستثمار بالبناء يفتقر إلى خطة شاملة تدرس العلاقة بين حاجة المواطن واتجاهات المشاريع (الجزيرة نت)

الافتقار إلى خطة شاملة

وترى الدكتورة رنا خالد المديرة التنفيذية في منتدى صنع السياسات (IFPMC-London) أن "الاستثمار في مجال البناء والإنشاءات في العراق يفتقر إلى وجود خطة شاملة تدرس العلاقة بين حاجة المواطن وهيئة تلك المشاريع وأسلوبها واتجاهاتها".

وتضيف للجزيرة نت أن القطاع الخاص العراقي استطاع تقديم الشكل والنموذج المتطور والمحاكي للمشاريع السكنية الفاخرة في بعض الدول العربية الرائدة في هذا المجال إلا أن انعدام الضوابط والأحكام التي تنظم عمليات البناء أدى إلى تحولها إلى مشاريع للربح الفاحش، مؤكدة أن تلك المشاريع لم تستطع حل مشكلات السكن المزمنة في العراق.

إخفاق الحكومات

منذ عام 2003 لا توجد حكومة عراقية في كل نسخ الحكومات السابقة حتى الوقت الحالي استطاعت رسم خطة تنمية للإسكان والتعمير سواء في المدن الرئيسة أو النائية وفق رنا، مشيرة إلى أن تلك الحكومات لم تستطع أيضا مناقشة ملفات الفساد بمجال الاستثمار في البناء أو أي مجال آخر.

ونوّهت بأن الحكومة الحالية برئاسة مصطفى الكاظمي ليست استثناء عن سابقاتها بل هي "استمرار لهشاشة المؤسسات الحكومية وعجزها عن التخطيط الإستراتيجي، على حد تعبير رئيس الباحثين في منتدى صنع السياسات".

وبخصوص ملف الفساد في الاستثمار بقطاع السكن فقد عدّته خالد أحد تلك الملفات الغامضة التي تحميها منظومة الفساد المتوغلة في نسيج الاقتصاد الريعي والتي لطالما حمتها وتنتفع منها الكتل والأحزاب السياسية في العراق.

مشتت: حملة السكن ستشمل جميع العراقيين لكنها لن تحل الأزمة بصورة نهائية (الجزيرة نت)

حملة الكاظمي للسكن

وفي مبادرة جديدة لإنهاء أزمة السكن في العراق، أطلق الكاظمي حملة واسعة لتوزيع قطع الأراضي على المواطنين من الفئات المستحقة، في خطوة على طريق حل الأزمة التي تعانيها البلاد.

وبخصوص الفئات المشمولة بهذه الحملة فقد كشف عنها -للجزيرة نت- الدكتور صباح مشتت مستشار رئيس الوزراء العراقي لشؤون الإعمار، إذ ستشمل الحملة العراقيين الذين لا يملكون قطعة أرض وفي مقدمتهم الأرامل وضحايا الحروب والإرهاب والمظاهرات فضلا عن الصحفيين والإعلاميين وجميع من يشمله قانون الرعاية الاجتماعية.

وكشف مشتت أيضا عن التوصل إلى مراحل نهائية من العمل على تلك الحملة، وأنه بعد شهر من الآن ستكون هناك بوابة إلكترونية للتقديم وسيُحسب لكل متقدم قطعة أرض وفق نظام "النقاط المعلوماتي"، وفي ضوء النقاط المستحصلة ستوزع قطع الأرض على المستفيدين.

وأضاف المستشار أن الحكومة ستساعد ضمن الحملة المستفيد من قطعة الأرض ببنائها عن طريق وزارة الإعمار والإسكان التي ستجهز بدورها مخططات للأراضي، وسيختار المستفيد تصميم البناء حسب حاجته وعدد أفراد أسرته ومساحة الأرض، وستكون هناك وسائل مساعدة للمستفيد أيضا بمنح قروض البناء عن طريق المصرف العقاري أو صندوق الإسكان بعد أن رفع البنك المركزي حجم القروض إلى أكثر من تريليوني دينار.

3.5 ملايين وحدة سكنية!

وحسب الدراسات التي أعدّتها الأمم المتحدة فإن العراق بحاجة إلى 3.5 ملايين وحدة سكنية، وهذا العدد يزداد سنويا نتيجة الارتفاع المستمر لسكان العراق الذي يزداد نحو قرابة المليون في السنة الواحدة.

فتوزيع قطع الأراضي مهم جدًا لكنه لن يحل أزمة السكن بصورة نهائية، حسب مشتت، ويجب استمرار المشاريع الوزارية الأخرى، مضيفا أن وزارة الإعمار لديها في كل محافظة مشروع سكني قسم منه مشروعات منخفضة الكلفة والقسم الآخر مشروعات استثمارية تستهدف أصحاب الدخول المتوسطة وما فوقها في حين "ستستهدف الحملة الجديدة للكاظمي من هو تحت خط الفقر وأقل من الفئة المتوسطة".

الخرسان أبدى تخوفه من صعوبة تنفيذ الحكومة لحملة السكن بخاصة في ظل وعود سابقة لم تتحقق (الجزيرة نت)

تفاؤل حذر

من جهتهِ يبدي الأكاديمي المالي في وزارة التعليم العالي الدكتور محمد حلو الخرسان أمله أن تساعد حملة الكاظمي على تخفيض أسعار العقارات التي تشهد غلاء جنونيا، مضيفا أن من شأن الحملة أن تعين على تجنيب المواطنين استغلال المصارف التي تتعامل مع المواطن بأسلوب ربوي بشع عن طريق معدل الفوائد المرتفعة على القروض الممنوحة للسكن.

ويضيف الخرسان للجزيرة نت أن المشاريع الاستثمارية للوحدات السكنية التي تعاقدت معها هيئة الاستثمار الوطنية في بغداد وفي المحافظات هي كذلك ذات أسعار ومعدلات فائدة مالية كبيرة تضع عبئا كبير على المواطنين.

ولكن الخرسان أبدى تخوفه من صعوبة التنفيذ الحكومي لحملة السكن الجديدة خصوصا أن الحكومة الحالية لم تحقق قسما كبيرا من الوعود التي تعهدت بها، كالكشف عن قتلة المتظاهرين والسيطرة على أسعار صرف الدولار، لذا بلغ نحو 1520 دينارا لكل دولار.

وأعرب عن خشيته إخفاق الحملة لعدم موافقة أصحاب الأراضي أو إدارة المحافظات.

صكر: رئيس الوزراء صاحب وعود غير منفذة (الجزيرة نت)

الحلم الانتخابي

جميع رؤساء الوزراء الذي حكموا العراق منذ 2003 هم نسخ متشابهة، هكذا يراهم الصحفي العراقي مصطفى صكر، مشيرا إلى أنهم يطلقون وعودا لتوزيع قطع أراض فقط ولا يوجد أي تنفيذ حكومي جاد تجاه هذه الأزمة التي تؤرق الشعب.

وفي حديثه للجزيرة نت، رأى صكر أن إعلان الكاظمي حملة السكن دعاية انتخابية مبكرة له كما حدث مع أسلافه من رؤساء الوزراء، متيقنا عدم الجدّية في توزيع قطع السكن سواء مجانا أو بمقابل نقدي.

المصدر : الجزيرة