بعد سنوات من الصراعات.. قرار تاريخي لمعاقبة الشركات العملاقة

خزائن الدول الكبرى ستكون الرابح الأكبر من فرض ضرائب على الشركات العملاقة.

شركات التكنولوجيا العملاقة نقلت عشرات الآلاف من الوظائف إلى تكساس.
فرض ضريبة أرباح على الشركات العملاقة أو المعروفة باسم "غافا" يعتبر قرارا تاريخيا (الجزيرة)

بعد سنوات من الصراعات والجدل، اتفق وزراء مالية دول مجموعة السبع على قرار وصفه كثيرون بالتاريخي، وهو فرض ضريبة أرباح على الشركات العملاقة أو المعروفة باسم "غافا" (GAFA) -"غوغل" (google)، "آبل" (Apple)، "فيسبوك" (facebook)، "أمازون" (Amazon)- بعد أن ظلت تلك الشركات تتجنب لسنوات الاستجابة لطلب الحكومات الغربية دفع الضرائب على أرباحها الحقيقية.

ولم يكن التوصل لهذا القرار سهلا، كما أنه نزل بردا وسلاما على مسؤولي الخزانة في الدول الغنية، بينما كان كالصاعقة على الشركات الكبرى. وفي هذا المقال، نوضح من خلال رأي خبراء في الاقتصاد الدولي، أهمية هذا القرار، وكيف سيتم احتساب هذه الضريبة، وهل سيتأثر المستهلك بهذه الضريبة، ومن الرابحون والخاسرون منها؟

كيف تؤدي الشركات العملاقة الضريبة على أرباحها؟

طريقة أداء الضريبة من قبل هذه الشركات هي محط امتعاض من قبل الدول الكبرى، ويقدم نهاد إسماعيل الخبير في الاقتصاد الدولي، مثالا على ذلك من خلال شركة أمازون التي حققت أرباحا في بريطانيا وحدها تتجاوز 19 مليار دولار، وكان من المفروض أن تدفع حوالي 2.8 مليار دولار ضريبة على هذه الأرباح، إلا أنها دفعت 290 مليون دولار فقط.

لماذا تدفع الشركات العملاقة ضريبة منخفضة على الأرباح؟

الجواب يقدمه الخبير الاقتصادي الدكتور ناصر قلوون، بأن هذه الشركات كانت "تتحايل" على القانون، وذلك من خلال تسجيل مكتبها في أحد الملاذات الضريبية (عددها 60 في العالم)، بينما نشاطها في أحد المراكز المالية الكبرى، وهكذا ترحل كل أرباحها لهذه الملاذات ولا تدفع أي ضريبة عليها، أما الطريقة الثانية فهي أن المؤسسين والمديرين التنفيذيين وكبار المسؤولين في هذه الشركات، يقرون لأنفسهم رواتب منخفضة، بينما يخصصون لأنفسهم حوافز وأسهما لا يدفعون عليها أي ضريبة.

لماذا سمحت الدول الكبرى بهذه الممارسات في السابق؟

يقول الدكتور نهاد إسماعيل إن الدول الكبرى سابقا دخلت فيما يسمى "السباق نحو القاع"، ويعني أن كل دولة كانت تقدم تحفيزات ضريبية كبرى لهذه الشركات لإقناعها بتغيير مقر نشاطها، لأن هذه الشركات تخلق الآلاف من مناصب الشغل. والعامل الثاني هو الموقف الأميركي الذي كان معارضا لفرض ضرائب على هذه الشركات التي هي في أغلبها أميركية الجنسية، وكانت الإدارة الأميركية تهدد بالدخول في حرب ضريبية مع أي دولة تفرض ضريبة على هذه الشركات.

ما طبيعة الضريبة الجديدة التي تم الاتفاق عليها؟

بحسب الدكتور نهاد إسماعيل، فإن دول مجموعة السبع قرروا فرض ضريبة أرباح على هذه الشركات نسبتها 15%، وهو أقل من المعدل الذي سبق أن وعد به الرئيس الأميركي جو بايدن (21%)، ومع ذلك يجب انتظار قمة مجموعة العشرين خلال الشهر المقبل للتصديق على هذا القرار الذي سيعني عمليات نهاية الملاذات الضريبية، ويرى المتحدث ذاته أن ما يوصف بالجنة الضريبية قد انتهى ولم يعد مجديا، ولهذا يعتبر هذا القرار تاريخيا.

من أكبر المستفيدين من هذه الضرائب؟

من وجهة نظر الدكتور ناصر قلوون، فإن الرابح الأكبر هي خزائن الدول الكبرى التي ستستقبل مداخيل ضريبية بالمليارات في حال إقرار هذه الضريبة، معتبرا أن الفضل يعود بشكل كبير لوباء كورونا الذي جعل كل دول العالم تعاني من ارتفاع المديونية والعجز التجاري والحاجة للمداخيل الضريبية، ولن تجد هذه الدول أفضل من الشركات العملاقة التي لم تتأثر بالجائحة، بل زادت أرباحها، وهي القادرة على توفير المليارات لخزائن الدول.

دول مجموعة السبع قررت فرض ضريبة أرباح على شركات غافا نسبتها 15% (غيتي)

هل سيتأثر المستهلك الذي يشتري منتجات الشركات العملاقة؟

يستبعد الدكتور ناصر قلوون أن يتأثر المستهلك بشكل مباشر من فرض هذه الضريبة أو يشعر بارتفاع أسعار خدمات هذه الشركات، وذلك لأن هذه الضريبة سيتم فرضها بشكل تدريجي، ومن الممكن مراجعتها كل سنتين كما أن هذه الشركات لديها وضع احتكار للسوق، ومؤخرا دفعت شركة غوغل غرامة بقيمة 324 مليون دولار في فرنسا بسبب ممارسات تجارية احتكارية.

ما المراحل التي ستمر منها هذه الضريبة قبل إقرارها؟

هناك 3 محطات مهمة يجب انتظارها، بحسب زكرياء كرتي المسؤول المالي في مؤسسة مالية دولية، وهي: قمة العشرين الشهر المقبل، وكذلك اجتماع منظمة التعاون الاقتصادي، وفي حال أقرت كل هذه الدول هذه الضريبة -وهذا المتوقع لأن هناك شبه إجماع دولي على أهميتها- يجب انتظار إقرار الكونغرس الأميركي الذي سيعتبر بمثابة ضوء أخضر للعالم للمضي قدما في هذه الضريبة.

هل ستتقبل الشركات العملاقة هذه الضريبة؟

يتوقع زكرياء كرتي أن هذه الشركات لن تظهر مقاومة كبيرة أمام هذه الضريبة، ليس بسبب ضعف نفوذها وإنما لكون النسبة هي حل وسط، على اعتبار أن بعض الأصوات كانت تطالب بنسبة 25%، إضافة لكون القرار السياسي في الولايات المتحدة الأميركية -وخصوصا من طرف الرئيس بايدن- مصرٌّ على فرض هذه الضريبة، ولهذا ستفضل هذه الشركات عدم الدخول في مواجهة مع الإدارة الأميركية.

المصدر : الجزيرة