قطاع واعد يتجه نحو الرقمنة … 5 أسئلة تقربك من واقع سوق الإعلانات بالمغرب

كلما زادت علاقة الثقة بين الجمهور ووسيلة الإعلام؛ تقوّت مصداقية المواد الإعلانية التي تمر عن طريقها

رغم تعدد وسائط الإعلانات ما زال التلفزيون يتصدر المشهد الإعلاني بالمغرب (الجزيرة)

تلعب الاستثمارات الإعلانية دورا رئيسيا في اقتصادات الدول، وتعتبر أحد المؤشرات الأساسية عن الدينامية والحيوية الاقتصادية.

ويشهد القطاع ذروته خلال رمضان من كل سنة؛ حيث يسجل منحى تصاعديا للاستثمارات الإشهارية. وتشهد مختلف الوسائط الإعلانية سيلا من العروض الإشهارية خلال أوقات الذروة بالتلفزيون، مستفيدة من السياق الاستثنائي لرمضان وارتفاع المتابعة الجماهرية لمختلف الوسائط الإعلامية.

الجزيرة نت تقدم في هذا التقرير 5 أسئلة تقرّب من سوق الإعلانات وواقع الاستثمارات الإشهارية بالمغرب، يجيب عنها كل من جواد الشفدي مستشار في التسويق الرقمي، ومنير الجازولي خبير دولي في التسويق والإعلام ورئيس سابق لتجمع المعلنين بالمغرب، والطيب أعيس خبير ومحلل اقتصادي ومالي.

ما علاقة ارتفاع الاستثمار في الإشهار وواقع القطاعات الإنتاجية؟

يشكل الإشهار في المجتمعات المعاصرة والاستهلاكية رافعة أساسية للاقتصاد؛ بحيث هناك علاقة مباشرة بين نمو سوق الإشهار والنمو الاقتصادي.

ويؤكد منير الجازولي -وهو خبير دولي في التسويق والإعلام ورئيس سابق لتجمع المعلنين بالمغرب- للجزيرة نت أن الإشهار مرآة لدينامية الاقتصاد ومؤشر على مدى نضج وهيكلة وتطور القطاعات الإنتاجية، وهو استثمار في إحدى دعامات الاقتصاد الحديث؛ وهي الرأسمال اللامادي (العلامات التجارية، السمعة، القيمة الرمزية، ثقة المستهلك…).

ويفيد المحلل الاقتصادي والمالي الطيب أعيس أن الشركات المنتِجة تمر عبر سوق الإعلانات والإشهار من أجل التسويق، ويضيف أن الإشهار نوع من التعريف بالمنتج يدفع السوق للأعلى، وبالتالي يدفع في اتجاه إنتاجية أكبر.

من جهته يتحدث جواد الشفدي -وهو مستشار في الإعلام الرقمي- عن المنافسة بين المعلنين وما ينتج عنها من ابتكار وتجديد، ويضيف أن بعض الشركات الكبرى تستثمر في الإشهار من أجل تسويق مسؤوليتها الاجتماعية والبيئية وضمان سمعة رقمية.

وأثبتت دراسات العلاقة بين الإشهار والإنتاج -منها دراسة لمكتب "دلوات" (Deloitte)- المساهمةَ الاقتصادية للإشهار في أوروبا، وبينت أن كل 1 يورو تستثمره العلامات التجارية في الإشهار يضيف 7 يورو إلى إجمالي الناتج المحلي.

تلجأ المؤسسات العامة لوسائط الإعلان للوصول للجمهور (الجزيرة)

  ما واقع صناعة الإشهار بالمغرب؟

يفيد منير الجازولي أن صناعة الإشهار قطاع اقتصادي قائم مبني على منظومة متكاملة وعلى مستوى من النضج، يضم حوالي 1500 معلن نشط ووكالات الاستشارة والإبداع وصانعي المحتوى وشركات الإنتاج والمطابع وصانعي الأدوات الإشهارية ومنظمي المظاهرات، بما يقارب 9 آلاف شركة، مع سيطرة عدد صغير على نسبة مهمة من حجم الأعمال.

ويسجل الجازولي تحسنا ملحوظا في المستوى الفني والإبداعي وتطورا في الجانب القانوني المُنظم للإشهار.

ويعتبر أعيس أن سوق الإعلان بالمغرب سوق مهيكلة واعدة وتتطور، وأن صناعة الإشهار بالمغرب تشهد إنتاجية محترمة، بوجود تكنولوجيا متطورة ومهارة وخبرة لدى الفاعلين تؤهلهم للإنتاج لجميع الوسائط.

فيما يرى الشفدي أن قطاع صناعة الإشهار بالمغرب يعاني من العديد من التفاوتات التنظيمية. ويثير المستشار في التسويق الرقمي إشكالَ إقصاء بعض الوسائط الإعلامية لاختيارها خطا تحريريا لا يروق للمعلن.

كما يتساءل المتحدث ذاته عن مدى احترام الممارسات الإشهارية للمضامين الدستورية والقوانين ذات الصلة، وكذا لقيم الشفافية والتنافسية وتكافؤ الفرص.

وسجل عدد المعلنين بالمغرب 625 خلال النصف الأول من شهر رمضان 2021، إذ وفد على السوق الإشهارية 47 من المعلنين الجدد، واستقطب التلفزيون 29 معلنا إضافيا، ليصل عددهم إلى 90 معلنا مقابل 61 سنةَ 2020، حسب معطيات لمكتب "أمبريوم" -مكتب دراسات يعنى بسوق الإعلام- تداولتها وسائل إعلام محلية.

ما موقع المغرب وسط سوق الإعلانات العالمي؟

يتوقع أن يصل حجم سوق الإعلانات العالمي إلى 769.9 مليار دولار بحلول عام 2024.

وبلغ حجم سوق الإعلانات بالمغرب حوالي 6 مليارات درهم سنة 2019 (سنة عادية قبل الجائحة)، وهو ما يشكل 0.1% من حجم السوق العالمي و5.1% من سوق الإعلانات في منطقة أفريقيا والشرق الأوسط (الدولار يعادل 8.9 دراهم مغربية).

ويحتل المغرب المرتبة الثالثة أفريقيا من حيث رقم معاملات سوق الإشهار بعد مصر وجنوب أفريقيا.

ويشير الجازولي إلى رقم آخر هو مبلغ الاستثمار الإشهاري لكل فرد الذي يبلغ  حوالي 18 دولار بالمغرب، في حين يتجاوز 100 دولار في دول غرب أوروبا.

من جانبه، يعتبر الطيب أعيس أن صناعة الإشهار بالمغرب قوية، لكن السوق صغيرة بقدرة شرائية ضعيفة، مشيرا لأهمية الانفتاح على السوق الدولية.

فيما ذهب جواد الشفدي للقول إن حجم الاستثمارات الإشهارية بالمغرب -مقارنة مع رقم معاملات سوق الإعلانات العالمي- ضئيل جدا وغير مؤثر.

وأقر الشفدي بصعوبة إيجاد موطئ قدم للشركات المغربية في السوق العالمي للإعلانات. ولفت إلى أن العديد من الوسائط الإعلانية -وخصوصا الصحافة الورقية والرقمية- تضررت كثيرا من قانون السوق العالمي الذي وضعته أكبر الشركات العابرة للقارات (تجمع "غافا" الذي يضم شركات "غوغل" (Google) و"آبل" (Apple) و"فيسبوك" (Facebook‎‏) و"أمازون" (Amazon)).

سوق الإعلانات بالمغرب يشكل 0.1% من حجم السوق العالمي و5.1% من سوق الإعلانات في منطقة أفريقيا والشرق الأوسط (الجزيرة)

كيف يتأثر سلوك الجمهور وعادات المستهلك بالعلامات التجارية ووسائل الإعلام؟

يعتمد علم الإشهار على خلق الحاجة عند المستهلك وإشباعها، وخلق المشكل وتقديم حله، والهدف هو البيع وترسيخ العلامة التجارية في عقل المستهلك.

ويقول الطيب أعيس إن قوة العلامة التجارية تلعب على اللاشعور.

ويوضح جواد الشفدي أن المتخصصين في سوق الإشهار يتحدثون اليوم عن "التسويق العصبي" الذي يقوم على "تشريح" الدماغ البشري لفهم تعقيداته المختلفة وكيفية عمله حتى يتمكن من التأثير فيه ودفعه لأداء عمل لاإرادي، ويصبح به التأثير أكثر وضوحا على المستهلك.

ويلاحظ الشفدي أن بعض الإعلانات تدفع المستهلك إلى استهلاك منتج لا يريده بالضرورة وغير مفيد له.

من جانبه يوضح منير الجازولي أن الإشهار يؤثر في سلوك الاستهلاك من خلال جميع تمظهراته، إذ تمتلك العلامات التجارية قدرة على الجذب وقوة إقناعية تمكنها من التأثير على سلوك المستهلك والجمهور بشكل عام، ويتحقق لها ذلك عبر مجموعة من الأشكال التعبيرية والتواصلية.

ولفت الجازولي إلى عنصر الثقة، موضحا أنه كلما زادت علاقة الثقة بين الجمهور ووسيلة الإعلام؛ تقوّت مصداقية المواد الإعلانية التي تمرّ عن طريقها.

 لماذا ينتعش سوق الإشهار في رمضان؟

بلغ الرقم الإجمالي للاستثمارات الإشهارية -خلال النصف الأول من شهر رمضان بالمغرب- أكثر من 536.5 مليون درهم، بزيادة 45% مقارنة مع السنة الماضية (370.5 مليون درهم)، وهي فترة تأثرت بشدة بالحجر الصحي الشامل للبلاد، وهو ما يمكن اعتباره مؤشر عودة التعافي للقطاع بعدما تسببت فيه الجائحة من كساد، حسب معطيات لمكتب "أمبريوم" -مكتب دراسات يعنى بسوق الإعلام- تداولتها وسائل إعلام محلية.

واستفادت جميع وسائل الإعلام من المنحى التصاعدي للإشهار، حيث تصدر العالم الرقمي بزيادة استثنائية قدرت بـ 354.5٪، تليه الصحافة (59.5+٪)، التلفزيون (51+٪) والإذاعة (42+٪) واللوحات الإشهارية (22+٪). أما السينما فهي لا تزال مغلقة بالكامل بسبب أزمة فيروس كورونا.

ويتفق كل من منير جزولي وجواد الشفدي والطيب أعيس -في حديث مع الجزيرة نت- أن نمط العيش اليومي لدى جميع الفئات يتغير خلال رمضان، مع زيادة شهية الاستهلاك وقضاء وقت أطول في البيت وفي التجمعات العائلية مع إقبال أكثر على مشاهدة القنوات التلفزيونية.

ويعتبر الشفدي أن القابلية للاستهلاك خلال الشهر الفضيل تجعل سوق الإشهار يعرف انتعاشا يتجاوز المعدل السنوي.

ويضيف منير الجازولي أن رمضان يشهد أيضا غزارة في الإنتاجات والبرامج التي تستأثر باهتمام الجمهور وتحقق نسب مشاهدة عالية تصل إلى مستويات قياسية بالنسبة للقنوات العمومية، وتجتهد العلامات التجارية في إعداد مواد إعلانية مبتكرة ومؤثرة، وهو ما يخلق كذلك رواجا خاصا في قطاعي الاستشارة والإنتاج.

في حين يسجل الطيب أعيس أنه رغم استئثار التلفزيون بحصة كبيرة من الإعلانات، فالتوجه نحو الإعلانات الرقمية سيغير بنية القطاع، وسيغير معالم سوق الإعلانات بالمغرب في اتجاه أكثر دمقرطة وأكثر فعالية، عبر الإشهار الموجه بدل الإشهار الجماهيري.

المصدر : الجزيرة