كيف يمكن للبلدان الأفريقية التغلب على "لعنة الموارد"؟

خارطة أفريقيا ومعها موارد مثل النفط والذهب
يرى خبراء أن الاعتماد على المواد دائمة التقلب قد يتسبب في دورات اقتصادية متتالية من الازدهار والكساد (الجزيرة)

تعد القارة الأفريقية موطنا لـ8 من 15 اقتصادا الأقل تنوعا في العالم، وفق تحليل لصندوق النقد الدولي، غير أن هذه السمة لا تعد مشكلة في النظرية الاقتصادية الكلاسيكية، كما رأى ذلك الاقتصادي البريطاني البارز ديفيد ريكاردو (David Ricardo) قبل قرنين من الزمان، إذ يرى أن على كل بلد التخصص في إنتاج أفضل ما لديه واستيراد كل شيء آخر يحتاجه من البلدان الأخرى.

لكن بيتر كوي -كاتب الرأي في صحيفة نيويورك تايمز (The New York Times)- يرى أنه في واقع الأمر قد يكون التخصص كارثيًّا، وقد يؤدي إلى ما يسميها "لعنة الموارد".

وتتمثل هذه اللعنة في أن بلدا ما إذا كان يركز كل اهتمامه على سلعة خام فقط -لا سيما النفط- فإن أسعار هذه المواد دائمة التقلب، وقد تتسبب في دورات اقتصادية متتالية من الازدهار والكساد.

كما أنها تقع غالبا تحت سيطرة النخب الفاسدة؛ مما يؤدي إلى عدم مساواة شديدة ونظم سياسية غير ديمقراطية، في حين تبقى القطاعات الأخرى التي تبشر بتحقيق الرخاء على المدى الطويل -مثل التصنيع- محرومة من الاستثمار، وفق تعبير الكاتب.

تتمثل هذه اللعنة في أن بلدا ما إذا كان يركز كل اهتمامه على سلعة خام فقط -لا سيما النفط- فإن أسعار هذه المواد دائمة التقلب قد تتسبب في دورات اقتصادية متتالية من الازدهار والكساد

اقتصاد ما بعد النفط

وحسب الصحيفة، تقول زينب عثمان، الباحثة الاقتصادية النيجيرية والخبيرة السابقة في البنك الدولي -في كتاب جديد لها بعنوان "التنويع الاقتصادي في نيجيريا: سياسة بناء اقتصاد ما بعد النفط"- "في العمل على معالجة لعنة الموارد بالكاد يُذكر التنويع. ظللت أصطدم بالجدار في هذه النقطة، هناك دوما حديث عن إدارة الإيرادات ومعالجة الفساد، لكن البلدان تحتاج أن يتم منحها بديلا".

وتضيف "الموارد الطبيعية -في حد ذاتها- ليست هي اللعنة. أنظر إلى الولايات المتحدة وكندا وأستراليا؛ الموارد لم تعرقل تنميتها، بل كانت منصة الانطلاق؛ كما حصل مثلا في كاليفورنيا مع فورة الذهب. وحتى ماليزيا وإندونيسيا أحرزتا بعض التقدم في هذا الإطار"، كما تقول الصحيفة.

العملات الافريقية African coins
الخبيرة زينب عثمان: لا يجب المبالغة في الاعتماد على إستراتيجيات التنمية التي فشلت سابقا في القارة الأفريقية (غيتي)

وترى الخبيرة الاقتصادية التي عملت في مجال التنمية مدة طويلة أنه لا تجب المبالغة في الاعتماد على إستراتيجيات التنمية التي فشلت في الماضي بالقارة الأفريقية، مثل استبدال الواردات (صنع الأشياء محليا بدل استيرادها) وحماية الصناعات الناشئة من خلال وضع حواجز جمركية لمنح القطاعات الشابة فرصة للتطور.

وتؤكد أن هذه الإستراتيجيات ليست بالضرورة مقاربات سيئة، إذ إنها نجحت مثلا في دول بشرق آسيا، لكن في البلدان ذات الحوكمة الضعيفة يمكنها أن تضر المستهلكين وتثري المنتجين المحليين الذين يغطون على ضعف كفاءاتهم بشبكة علاقات جيدة.

مقاربة متعددة

ويكمن حل المعضلة -وفق زينب عثمان- في تبني مقاربة متعددة الجوانب، تشمل توسيع التجارة داخل القارة السمراء، وتقديم الدعم الحكومي للشركات الواعدة الصغيرة والمتوسطة، ورفع مهارات القوى العاملة وتنويع مصادر الإيرادات الحكومية.

وتشكل التجارة الحرة في أفريقيا فرصة سانحة في هذا الإطار، إذ قدر البنك الدولي -في تقرير صادر العام الماضي- أن اتفاقية منطقة التجارة الحرة القارية الأفريقية التي تم توقيعها عام 2018 لديها القدرة على انتشال 30 مليون شخص من الفقر المدقع، ومن الأفضل للأفارقة الشراء من الأفارقة الآخرين؛ مما سيترتب عنه تنوع اقتصادي أكبر، لكن هذا لا يحدث غالبا لأن التجارة القارية مكلفة ومعقدة، حسب الصحيفة.

المصدر : نيويورك تايمز