هل تشكل تطبيقات الدفع الصينية تهديدا أمنيا للولايات المتحدة؟

تطبيقات الدفع تغزو العالم بقيادة العملاقين الصينيين "أليباي" و"ويتشات باي" (الجزيرة)

تمثل تطبيقات الدفع عبر الهاتف المحمول الصينية تهديدا للأمن القومي، ولكن الشركات المالية الغربية تسارع لاحتضانها من دون أن تدرك ذلك.

في تقرير نشرته مجلة "فورين بوليسي" (foreign policy) الأميركية، قالت الكاتبة إليزابيث براو إن الدفع بالبطاقات البنكية يعد أمرا سهلا، ولكنه ليس أفضل خيار بالنسبة للتجار بسبب الرسوم المزعجة. تخيل لو استخدم المستهلكون بدل ذلك تطبيقات الدفع عبر الهاتف المحمول التي تفرض رسوما أقل بكثير، مثل التطبيقات التي أضحت تغزو العالم بقيادة العملاقين الصينيين "أليباي" و"ويتشات باي".

خلال الشهر الماضي، أعلن بنك "جي بي مورغان تشيس" اعتزامه عقد شراكة مع "أليباي"، ومن شأن هذه الشراكة أن توفر كثيرا من البيانات التي تريد الحكومة الصينية الوصول إليها، وهذا يعني أن استخدام هذه التطبيقات لشراء القهوة أو البقالة وغيرها من المقتنيات اليومية قد يصبح خطرا على الأمن القومي.

يبلغ إجمالي مستخدمي "أليباي" و"ويتشات باي" نحو مليار مستخدم، وأغلبهم من البلدان الآسيوية، وتوفير هذه الخدمة للصينيين في أوروبا -سواء من المقيمين أو الزوار- يعد إستراتيجية ذكية، لا سيما أن عدد السياح الصينيين في الخارج تضاعف 3 مرات تقريبا، ليصل إلى 155 مليون سائح بين عامي 2010 و2019.

الدفع عن طريق التطبيقات

في العام الماضي، عقد كل من "أليباي" و"ويتشات باي" شراكة في إيطاليا مع مشغل السوق المعفى من الرسوم الجمركية "دوفري"، وفي الشهر الماضي أعلن بنك "جي بي مورغان تشيس" أنه سيتعاون مع "أليباي" لمعالجة عمليات الشراء عبر الإنترنت على موقع التسوق "علي بابا" عبر الإنترنت، وهذا يعني أن مشتريات المستهلكين الأميركيين ستمر عبر "أليباي".

وبمجرد أن يبدأ التجار استخدام هذه التطبيقات فمن المحتمل أنهم سيحبونها لأن "أليباي" و"ويتشات باي" تفرض رسوما تجارية أقل بكثير من شركات بطاقات الائتمان، ومع أن الخدمات التي تقدمها "باي بال"  تكون غالبا أرخص من بطاقات الائتمان، فإنها متاحة عبر الإنترنت فقط، وبالنسبة للمستخدم فيعد استخدام "أليباي" و"ويتشات باي" بنفس سهولة استخدام البطاقات البنكية أو "آبل باي" أو "غوغل باي"، ومن خلال التحايل على شركات بطاقات الائتمان (رغم أنها تتعاون معها في بعض الأحيان)، يبدو أن تطبيقي "أليباي" و"ويتشات باي" سيحققان نموا هائلا.

خلال الشهر الماضي، اتضح أن الحكومة الصينية تخطط لتفكيك الشركة الأم لشركة "أليباي" وهي مجموعة "آنت غروب"، وإجبارها على تسليم بيانات المستخدمين إلى شركة مملوكة جزئيا للدولة، والسؤال المطروح: ما بيانات المستخدمين التي يمكن استغلالها؟

نحن نعلم أن تطبيق "أليباي" يجمع معلومات عن الصحة واللياقة والموقع وجهات الاتصال ومحتوى وسجل البحث والتصفح، ويجمع "ويتشات باي" بيانات مماثلة. في المقابل، تجمع التطبيقات الموجودة في الغرب بيانات أكثر بكثير مما ينبغي، ولكن منذ عام 2017، عندما أصدرت الصين قانونا جديدا للاستخبارات الوطنية، باتت الشركات التي تتخذ من الصين مقرا لها ملزمة أيضًا بمساعدة الحكومة الصينية.

بعبارة أخرى، إذا أرادت بكين الحصول على معلومات مفصلة للأشخاص في بلد معين، فإنها تحتاج فقط إلى سؤال الشركات الصينية التي يستفيد هؤلاء الأشخاص من خدماتها. وفي الأشهر الأخيرة، أثبتت بكين هيمنتها في قطاع التكنولوجيا، ولم تشن حملة شرسة ضد "علي بابا" فقط، بل قامت أيضا بتوبيخ الشركات الكبرى الأخرى.

لا ينبغي أن تفاجئ تصرفات بكين أي شخص لأن الفائدة الهائلة للبيانات تجعلها ذات قيمة كبيرة لدرجة أنها سميت بـ"النفط الجديد" لأعوام. ومن أجل ضخ هذا النفط في القرن 21، اخترق فريق مما يسمى "جيش التحرير الشعبي الصيني" وكالة التصنيف الائتماني الأميركية (إيكويفاكس) عام 2017، واستحوذ على ما يقرب من 148 مليون سجل مالي أميركي.

مع إلزام الشركات الصينية بمساعدة حكومتها المحلية يمكن لبكين جمع البيانات من دون اللجوء لوسائل غير قانونية (شترستوك)

جمع البيانات الشخصية

لقد جعلت هذه التطبيقات مثل هذه الاختراقات أقل ضرورة، ومع إلزام الشركات الصينية بمساعدة حكومتها المحلية، يمكن لبكين جمع البيانات من دون اللجوء إلى وسائل غير قانونية، ويعد هذا الأمر مهما بعيدا عن مبدأ خصوصية المستخدمين. وفي الواقع، يشكل وصول الحكومات إلى بيانات مواطني دول أخرى خطرا على الأمن القومي.

حسب ستافان تروفي، المؤسس المشارك لشركة "ريكورد فيوتشر" لاستخبارات التهديدات، فإن "الحكومة الصينية قد ترغب في مراقبة بيانات المسؤولين الأجانب أو قادة الأعمال لرسم خريطة عن تحركاتهم، ويمكنهم رسم خرائط للسكان بالطريقة نفسها التي استخدمتها شركة "كامبريدج أناليتيكا" مع مستخدمي فيسبوك.

في عام 2018، تبين أن شركة "كامبريدج أناليتيكا" البريطانية كانت تجمع البيانات الشخصية لعشرات الملايين من مستخدمي فيسبوك بهدف التأثير على استفتاء خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي لعام 2016، والانتخابات الرئاسية الأميركية لعام 2016، وانتخابات أخرى مختلفة.

في أغسطس/آب الماضي، مررت الحكومة الصينية تشريعا بشأن أمن البيانات من المقرر أن يدخل حيز التنفيذ مطلع نوفمبر/تشرين الثاني المقبل، ولكن قانون حماية المعلومات الشخصية الصيني يحظر على الشركات "جمع البيانات الشخصية للأشخاص واستخدامها ومعالجتها ونقلها والإفصاح عنها والاتجار بها بشكل غير قانوني"، ولكنه لا يحظر جمع مثل هذه البيانات قانونيا، ولا استخدامها من قِبَل الحكومة الصينية نفسها، ومن المرجح أن يشمل هذا القانون الشركات الغربية أيضًا.

وقبل ترك منصبه، حظر الرئيس الأميركي دونالد ترامب تطبيقي "أليباي" و"ويتشات باي" (ومجموعة من تطبيقات الدفع الصينية الصغيرة على الهاتف المحمول) من العمل في الولايات المتحدة، زاعما أن هذه التطبيقات تشكل تهديدا للأمن القومي، وفي يونيو/حزيران الماضي ألغى الرئيس الأميركي جو بايدن الحظر واستبدله بآلية تدقيق أكثر تساهلا.

ومن المؤكد أن المفوضية الأوروبية شجعت البنوك التي تتخذ من الاتحاد الأوروبي مقرا لها على تطوير نظام دفع خاص بها، ولكن البنوك متخلفة كثيرا عن "أليباي" و"ويتشات باي".

يمثل جمع البيانات الشخصية مأساة حديثة، فهذه التطبيقات تساعد الشركات وقد تكون مناسبة في بعض الأحيان للمستهلكين، ولكنها تشكل مخاطرة كبيرة بالنسبة للمجتمعات الديمقراطية.

ميزة المعلومة

تناقش المؤسسات العسكرية الغربية بشكل متزايد الحاجة إلى "ميزة المعلومة"، ففي معرض تجاري دفاعي أُقيم في سبتمبر/أيلول الماضي، أوضح قائد القيادة الإستراتيجية البريطانية الجنرال باتريك ساندرز أنه "علينا أن نحسن فهم البيانات، ونستغلها، ونتلاعب بها. إن التحدي الذي نواجهه مزدوج، إذ إن مشهد البيانات معقد للغاية ويتعامل مع الحجم الهائل من المعلومات التي يمكن أن تكون متاحة لنا".

هذا بالضبط ما تفعله الصين بمساعدة المستهلكين الغربيين الساذجين، ففي وقت سابق هذا العام رفعت مجموعة مقرها الولايات المتحدة دعوى قضائية ضد "ويتشات" قائلة إن التطبيق يسمح للحكومة الصينية بمراقبة مستخدميها، بما في ذلك المستخدمون خارج الصين.

وعموما، لا تعد التطبيقات الصينية مشبوهة بحكم تعريفها، ولكن من المنطقي أن ترغب الحكومة الصينية في الاستفادة من التطبيقات التي تحتوي على معلومات قيّمة، وتدخل بكين في شركة "علي بابا" إشارة إلى ما سيحدث لاحقا، وهذا يعني أن المستهلكين الغربيين بحاجة إلى تطوير فهمهم في مجال الأمن القومي وإدراك الخطر الذي يترصدهم.

المصدر : فورين بوليسي