تركيا تكتشف أكبر حقل للغاز في تاريخها.. الخبراء يشرحون الأهمية والتأثير على الاقتصاد

أردوغان قال إن كامل عملية التنقيب نُفذت بإمكانات وطنية (رويترز)

بعدما حبس الشعب التركي وقوى خارجية الأنفاس بانتظار مؤتمر الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، جاءت البشرى باكتشاف أكبر حقل للغاز الطبيعي بتاريخ البلاد في البحر الأسود.

فتركيا الآن مقبلة على مرحلة رخاء واستقرار اقتصادي واستقلالية سياسية بهذا الاكتشاف التاريخي، وقال أردوغان في كلمة خلال مراسم الإعلان عن الاكتشاف "فتح الله لنا طاقة خير كبيرة في مكان لم يكن بالحسبان".

وأضاف "سفينة التنقيب "فاتح" اكتشفت 320 مليار متر مكعب من احتياطيات الغاز الطبيعي في بئر تونا"، مؤكدا "انتقلنا لمصاف أبرز الدول في العالم من خلال سفينة الفاتح التي نعيش بفضلها فرحة اليوم وكذلك سفينتي ياووز والقانوني".

وأكد أن كامل عملية التنقيب نُفذت بإمكانات وطنية، مشددا على أن المؤشرات الأولية لاكتشاف أكبر حقل غاز (تركي) تشير إلى احتمال كبير لوجود حقول أخرى في المنطقة نفسها.

اكتشاف وسط خلافات

يأتي الاكتشاف التركي وسط خلافات إقليمية حادة مع اليونان وقبرص في شرق البحر المتوسط، إذ تصر تركيا على التنقيب في مياه متنازع عليها.

ورفعت تصريحات أردوغان أسهم شركات الطاقة التركية والليرة التركية، كما ارتفع مؤشر بورصة إسطنبول بنسبة تزيد على 2%.

يُذكر أن تركيا تستورد أكثر من 90% من احتياجاتها النفطية من الخارج، مما يضعها على رأس قائمة البلدان التي تستهلك أغلى أنواع الوقود على مستوى العالم، إذ تبلغ فاتورة الواردات التركية من الطاقة حوالي 40 إلى 45 مليار دولار سنويا، وتعد العراق وإيران وروسيا على التوالي من أهم الدول المصدرة للنفط الخام إلى تركيا.

أردوغان: انتقلنا لمصاف أبرز الدول في العالم من خلال سفينة الفاتح (رويترز)

تقوية الاقتصاد والليرة

في هذا السياق، اعتبر الباحث الاقتصادي في جامعة إيجه بإزمير محمد إبراهيم، أن اكتشاف حقل الغاز سيساعد الاقتصاد التركي على تخفيض العجز في الميزان التجاري، وبالتالي تخفيض العجز في الحساب الجاري، حيث تعتبر تركيا بلدا مستوردا لمصادر الطاقة سواء البترول أو الغاز الطبيعي.

وقال إبراهيم للجزيرة نت إن مؤشر الحساب الجاري يعتبر من أهم المؤشرات الاقتصادية الكلية التي تعطي صورة عن تعاملات البلد مع العالم الخارجي، فكلما زادت نسبة العجز في الحساب الجاري إلى الناتج المحلي الإجمالي تكون الصورة سلبية عن الاقتصاد، وتظهر مدى هشاشته في علاقته مع العالم الخارجي ويحدث العكس عندما يتم تخفيض هذا العجز والذي يعطي صورة إيجابية عن الاقتصاد.

وأكد الباحث الاقتصادي أن اكتشاف الغاز الطبيعي أيضا يساهم في تخفيض الطلب على العملات الأجنبية وبشكل خاص الدولار مما يساهم في دعم استقرار الليرة والحفاظ على قيمتها أمام العملات الأجنبية.

وأضاف إبراهيم "يساهم (الاكتشاف) أيضا في جذب الاستثمار الأجنبي وبالتالي تطوير قطاع الطاقة في تركيا وما يتيحه من فرص عمل واستثمارات جديدة في هذا القطاع، كذلك قد يساعد حكومة الرئيس أردوغان على الاتجاه نحو القيام بإصلاحات هيكلية في الاقتصاد".

وحول تأثيره على الصناعات، أكد أن اكتشاف مصادر الطاقة يوفر أحد أهم الموارد الاقتصادية للصناعات الوطنية وكذلك توفير فاتورة الكهرباء اللازمة للصناعات المحلية والتي تعتمد على مصادر الطاقة المستوردة، كما يساعد في استقرار أسعار مصادر الطاقة المحلية بعيدا عن الصدمات الخارجية.

وعدد إبراهيم جوانب تأثير اكتشاف مصادر للغاز على المواطن التركي في النقاط التالية:

  • قد يؤدي لتخفيض الأسعار المحلية بعيدا عن صدمات الأسعار العالمية وبالتالي تخفيض فواتير الكهرباء ونحو ذلك مما يخفف على المواطنين من تكاليف المعيشة خصوصا أن أغلب منازل تركيا تعتمد على التدفئة المرتبطة بالغاز خلال معظم شهور السنة.
  • يتيح للحكومة زيادة مواردها المالية وبالتالي تصبح لديها قدرة أكبر على الإنفاق العام وتقديم الخدمات بشكل أفضل للمواطنين.
  • الحفاظ على القوة الشرائية لليرة بناء على استقرار سعر صرفها أمام العملات الأجنبية.

تراجع الاستيراد

من جهته، أكد أستاذ الاقتصاد والتمويل في جامعة "أرتوكلو" متين أيرول للجزيرة نت أن تركيا بهذا الاكتشاف وبالاكتشافات المستقبلية للغاز والنفط في البحرين الأسود والمتوسط لن تستغني عن استيراد الغاز فقط بل ستصدره وستكون دول مثل بلغاريا وأوكرانيا من أشد المهتمين بشراء هذا الغاز.

وتوقع أيرول بناء على حجم الاكتشاف تراجع عمليات الاستيراد عبر خط ترك ستريم (خط أنابيب الغاز الطبيعي بين روسيا وتركيا).

وكانت شركة غازبروم الروسية العملاقة قد افتتحت خط أنابيب "ترك ستريم" عبر البحر الأسود لزيادة حصتها في السوق التركية، وتقليل الاعتماد على أوكرانيا كطريق عبور لإمدادات الطاقة.

ولفت أستاذ الاقتصاد والتمويل في جامعة "أرتوكلو" إلى أن تخفيض فاتورة الواردات بشكل عام وبالتالي تخفيض الانكشاف التجاري للاقتصاد التركي يزيدان من مناعة الاقتصاد ضد الصدمات الخارجية خصوصا صدمات أسعار الطاقة العالمية.

وقال "من الجيد أن الاكتشاف حصل بعدما بنينا قدراتنا الذاتية وأنشأنا مؤسساتنا الصناعية التي تنافس العالم دون الاعتماد على البترول والغاز الطبيعي، والآن اكتشاف الغاز سيوسّع علينا طرائق العمل والإنتاج".

وتابع أيرول "في الوقت الراهن، أليست تركيا في وضع مغاير عن الجيران أغنياء الطاقة الذين يرتعشون وهم يقولون ماذا لو هبط سعر برميل النفط إلى ما دون الـ 20 دولارا؟".

المصدر : الجزيرة