العمالة المصرية بالخليج بين شقي الرحى.. كورونا يلاحقها والبطالة تنتظرها

4.4 ملايين من العاملين بالقطاع الخاص الرسمي وغير الرسمي بمصر فقدوا وظائفهم بسبب كورونا

يعاني الشاب المصري محمود سعدون الأمرين في البحث عن وظيفة في مصر منذ أن قضى فترة حجر صحي إجباري لمدة أسبوع بمجرد عودته من السعودية.

سعدون، وهو شاب عشريني من صعيد مصر، كان يعمل في مجال المعمار، يروي للجزيرة نت كيف تبدّلت به الحال بسبب تداعيات فيروس كورونا (كوفيد-19) الذي ألمّ ببلده ودول الخليج.

لم يعد حال سعدون في مصر كما كان في السعودية، رغم المضايقات التي كان يعايشها بشكل يومي، خاصة مع كفيله الذي لم يكن يتوقف عن فرض "إتاوات شهرية" عليه، بحسب تعبير الشاب المصري.

يدرك الشاب أنه سيواجه صدمات في مصر، لذا فهو يسابق الزمن في البحث عن وظيفة في ظل ظروف اقتصادية ومعيشية صعبة عززها تفشي كورونا في مصر، مما يعد حائلا أمام رغبته في توفير احتياجات أسرته البسيطة المكونة من والدته وزوجته وطفله الصغير، وفق قوله.

وزيرة التخطيط هالة السعيد، توقعت تأثر معدلات البطالة في مصر بالسلب حال استمرار أزمة كورونا
توقعات بتأثر معدلات البطالة في مصر حال استمرار أزمة كورونا (الجزيرة)

صعوبات ومحفزات

دفعت تحديات كورونا نحو تراجع أعداد العمالة المصرية المتدفقة للأسواق الخليجية، فضلا عن اعتزام العديد منهم العودة إلى مصر نتيجة صعوبات تواجههم هناك على غرار تخفيض أعدادهم ورواتبهم، أو إجبارهم على العودة.

وضمن مساعٍ حكومية، أعلنت وزارتا الهجرة والتخطيط، منتصف مايو/أيار الماضي، عن إعداد استبيان بيانات لتوزيعه على المصريين العالقين العائدين من الخارج، لتعظيم الاستفادة منهم، وبحث توفير فرص دمجهم، وفق بيان.

وعلى الرغم من الإجراءات والمحفزات التي أعلنتها الحكومة لدعم العمالة العائدة، فإن وزيرة التخطيط هالة السعيد توقعت وفق بيان قبل أيام تأثر معدلات البطالة في مصر بالسلب حال استمرار أزمة كورونا.

ويوم الثلاثاء كشفت السعيد أن 4.4 ملايين شخص من العاملين بالقطاع الخاص الرسمي وغير الرسمي فقدوا وظائفهم بسبب كورونا، بحسب ما نقله إعلام محلي.

كما وضع معهد التخطيط القومي (حكومي) سيناريوهات تتوقع انعكاسات سلبية متأثرة بالتداعيات المحتملة لأزمة كورونا، قد ترفع عدد الفقراء في مصر إلى 12.5 مليون مواطن خلال العام المالي 2020-2021.

وتستحوذ السعودية على النصيب الأكبر من العمالة المصرية في سوق العمل بالخليج بنحو 2.5 إلى 3 ملايين عامل، تليها الإمارات بنحو مليون عامل، ثم الكويت بنحو 750 ألف عامل، ثم عمان بنحو 500 ألف عامل، ثم البحرين بنحو 250 ألف عامل، وأخيرا قطر بنحو 100 ألف عامل، وفق تقديرات سابقة لشعبة إلحاق العمالة بالخارج بغرفة القاهرة التجارية.

الجزيرة نت - صورة - مصر شارع سوق
العمالة المصرية العائدة تواجه شبح البطالة نتيجة تداعيات كورونا (الجزيرة)

توطين الوظائف

وعزز انتشار فيروس كورونا وتداعياته الاقتصادية من تسارع وتيرة توطين الوظائف في الدول الخليجية، ففي الكويت -على سبيل المثال- هناك مشروع قانون أمام مجلس الأمة (البرلمان) ينص على تسريح 2.8 مليون عامل وافد، وفي حال تمريره سيكون نصيب عدد المصريين 550 ألف عامل، في حين سيتم الإبقاء على 142 ألف عامل مصري فقط.

وسبق أن أعلنت السعودية توجهها نحو "سعودة" أكثر من مليون وظيفة خلال العام الجاري 2020، بخلاف مساهمة خطة إصلاح اقتصادي هناك في زيادة الأعباء على العمالة المصرية، بعد فرض الرياض رسوما إضافية على المقيمين، دخلت حيز التنفيذ بالفعل عام 2017، ووصلت العام الجاري إلى 400 ريال سعودي (حوالي 106 دولارات).

مخاوف العودة

أحمد محمود، عامل كهرباء مصري مقيم في السعودية حاليا، أبدى في حديث للجزيرة نت مخاوفه من العودة إلى مصر بسبب البطالة التي تنتظره، مشيرا إلى أنه قرر الاستمرار في السعودية رغم مخاوف كورونا والتضييقات الحكومية أو ما يدفعه لكفيله بصورة شهرية، الأمر الذي يجبره على اقتطاع جزء كبير مما يتحصل عليه من أموال.

وأوضح محمود أنه يدفع شهريا بدل إقامة يبلغ 500 ريال (الريال السعودي يعادل حوالي 0.27 دولار) ومثلها إيجار سكني، بالإضافة إلى ذلك مصاريفه المعيشية، وتجديد الإقامة السنوي في حدود 1000 ريال (يقدر حسب مهنة المقيم)، ونسبة شهرية يدفعها للكفيل في حدود 500 ريال (وهي نسبة أيضا متفاوتة من كفيل لآخر).

ورغم ذلك يؤكد العامل المصري قدرته على كفاية أسرته في مصر، مشددا على أن ضعف فرص العمل في السعودية حاليا أفضل له وللآخرين من العودة إلى مصر دون عمل.

وتحدث مراسل الجزيرة مع عاملين في مهن السباكة والتكييف والتبريد أجبروا على العودة إلى مصر بعد تأثر أحوالهم المعيشية بالسعودية إثر تداعيات كورونا.

وقالوا إنهم طلبوا قبل عودتهم إلى مصر إعانات من أسرهم في الداخل، كما قدموا طلبات للسفارة المصرية في السعودية لإعانتهم، لكن دون استجابة من الأخيرة، وهو ما لم يتسن الحصول على تعقيب رسمي بشأنه.

وفي المقابل، رأى الصيدلاني المصري عبد الله حسن، المقيم في السعودية، أن السلطات السعودية لم تفرق بين وافد ومواطن منذ بدء الأزمة، قائلا إنه يخشى على أسرته في مصر أكثر من خشيته على نفسه في السعودية، التي يرى أنها تعالج أزمة كورونا والوافدين بصورة جيدة، رغم إجراءات تخفيف الرواتب وتقليل العمالة.

عودة تاريخية

بدوره، قال القيادي العمالي والبرلماني المصري السابق طارق مرسي إن الأجواء المحلية والعربية تنذر بعودة تاريخية للعمالة المصرية، في الوقت الذي لا تتحمل فيه البلاد مزيدا من الأيدي العاملة ومزيدا من العاطلين.

وفي حديث للجزيرة نت، توقع مرسي تحمل العمالة المصرية بمختلف فئاتها كامل الأعباء التي فرضها كورونا والظروف السياسية التي يعيشها الواقع العربي.

وأوضح أنه على المستوى الداخلي تواجه العمالة شبح البطالة الكارثي الذي تعيشه مصر خاصة مع تراجع مجالات السياحة والاستثمار والمقاولات، فضلا عن المستقبل البائس للقطاع الزراعي مع حالة الفقر المائي التي دخلتها البلاد.

أما على المستوى الخارجي، بحسب مرسي، فقد فقدت العمالة المصرية مورد رزقها في البلاد التي استوعبت أعدادا كثيفة مثل العراق وليبيا بما تعيشه تلك الدول من أزمات.

وأضاف أن "مستقبل العمالة في الخليج ليس أفضل حالا بسبب كورونا وتردي أسعار البترول، أو الواقع السياسي غير المستقر الذي يعيشه الخليج، فضلا عن تداعيات المغامرات السياسية غير المسؤولة التي يقوم بها نظام السيسي في المنطقة".

واستنكر موسى طريقة معالجة الحكومة المصرية أزمة العمالة العالقة في الخليج، خاصة ما وصفه بـ"الانتهازية الرخيصة" في تعاملها مع أزمة العمالة المصرية بالكويت.

كما اتهم الحكومة بأنها "صنعت العداء لكل ما هو مصري ليس فقط في الكويت بل في الخليج برمته"، متوقعا أن "تدفع العمالة ثمن ذلك مستقبلا".

المصدر : الجزيرة